نازحو السودان يعودون من “تكايا الجوع” بـ”أواني الحسرة”

المحظوظون ممن سيحصلون على الوجبة هم 5 آلاف شخص يمثلون ألف أسرة مسجلة بحملة بطاقات صرف الحصة المحددة من وجبة اليوم، أما الـ1500 الآخرين من غير المسجلين في كشوف التوزيع والمصطفين معهم، فيحملهم الأمل فقط بالحصول على بعض الفائض إن وجد. منذ الصباح الباكر يصطف كل يوم أكثر من 6 آلاف شخص في طابور طويل بـ”ميدان البليلة” أقصى شمال مدينة أم درمان، غير أن 1500 من الجوعى يغادرون بأونيهم وهي فارغة، بينما تملأ نفوسهم الحسرة بسبب عدم تسجيل أسماء أسرهم ضمن الكشوفات المعتمدة للتوزيع. المحظوظون ممن سيحصلون على الوجبة هم 5 آلاف شخص يمثلون ألف أسرة مسجلة بحملة بطاقات صرف الحصة المحددة من وجبة اليوم، أما الـ1500 الآخرين من غير المسجلين في كشوف التوزيع والمصطفين معهم، فيحملهم الأمل فقط بالحصول على بعض الفائض إن وجد. بأواني الحسرة يعبر مشرفون متطوعون في “ميدان البليلة”، أكبر تكايا الطعام بولاية الخرطوم، عن شعورهم بالأسي وهم يرون أواني نحو 1500 شخص وقد عاد بها أصاحبها فارغة، وهم يمثلون 300 أسرة من التي وفدت حديثاً مع تدفقات النزوح الجديدة من شرق الجزيرة وسنار وبعض المناطق المجاورة التي توقفت تكاياها، وتعذر تسجيل تلك الأسر بسبب نقص التمويل الذي لا يحتمل أكثر من العدد المسجل، في وقت بات فيه السواد الأعظم من الناس يعتمدون كلياً على التكايا. بحسب المشرفين ينتظر هؤلاء من غير المحظوظين يومياً وجبة غير مضمونة لأنهم لا يحملون بطاقات استحقاق وفق أولوية التسجيل، بينما تعجز الموارد عن تلبية احتياجهم من الوجبات. ويشكو متطوعون في فرق مبادرات التكايا والمطابخ الخيرية بمناطق مختلفة في ولاية الخرطوم من صعوبة توفير السلع والمؤن الغذائية لتجهيز الوجبات المجانية بسبب التصاعد المستمر في الأسعار وتقلص تبرعات ودعم الخيرين بصورة تهدد بتوقف عديد من المطابخ والتكايا عن تقديم خدماتها. وبلغ سعر جوال الفول 550.000 جنيه سوداني (220 دولاراً أميركياً بالسوق الموازية) والعدس الأحمر (البليلة) نحو 400.000 جنيه (160 دولاراً)، و120.000 جنيه (48 دولاراً) لجوال العدس، وهي المواد الأساسية التي تعتمد عليها التكية، مما تسبب في توقف عدد مقدر من التكايا والمطابخ الخيرية بالفعل عن تقديم العون الغذائي للمحتاجين من النازحين. كلفة متصاعدة يبين متطوعون أن كلفة الحاجات اليومية من مدخلات العدس والرز المسلوق وبليلة الدخن وبعض طحين الدقيق بلغت في اليوم الواحد 2.600.000 جنيه سوداني، ما يعادل 1050 دولاراً في اليوم الواحد، مما يستدعي ضرورة استمرار الدعم اليومي لتلك التكايا حتى تتمكن من مواصلة عملها الخيري. من جانبهم شكا نازحون حديثاً من شعورهم بالظلم لعدم وجود فرص للتسجيل والحصول على بطاقة الاستحقاق، إذ إن الأولوية للمسجلين، بينما ينتظرون هم حتى نهاية الطابور، وقد لا يجدون شيئاً بعدما قطعوا مسافات طويلة مشياً على الأقدام لأيام عدة في رحلة فرارهم من العنف، ولا يحملون معهم سوى ملابسهم التي يرتدونها، وفيهم أطفال ومرضى ونساء وكبار السن. وقال عبدالعزيز الزين، وهو رجل مسن (65 سنة) قدم من منطقة البويضا بريف الجنيد، إنه وأسرته نجوا من الموت بعد ما قتل كثر من حولهم بفعل المعرك وقضى آخرون بسبب المرض، لكنهم الآن، وبعدما وصلوا إلى أم درمان يواجهون ظروفاً صعبة بالنسبة إلى أشخاص فروا وهم لا يملكون شيئاً ويحتاجون إلى المأوى والعلاج والطعام ومياه الشرب الصالحة والكساء. لا يجدون شيئاً بعدما قطعوا مسافات طويلة مشياً على الأقدام في رحلة فرارهم من العنف (اندبندنت عربية – حسن حامد)​​​​​​​ وأوضح الزين أنه مع استمرار الحرب والحملات والمداهمات التي لا تزال تقوم بها قوات “الدعم السريع” في قرى شرق الجزيرة وجنوبها وصلت الأوضاع إلى مراحل غير محتملة أكبر من كونها مجرد معاناة، ويستمر النزوح مع كل يوم يمر بسبب سوء الأحوال في المناطق والقرى التي استباحتها تلك القوات ولم تترك شئياً لأهلها. في السياق يوضح المشرف على تكية ميدان البليلة الريح عبدالقادر إن موقع التكية في منطقة متقدمة وأكثر أماناً أقصى شمال مدينة أم درمان البعيدة من القصف المدفعي العشوائي لقوات “الدعم السريع” جعلتها جاذبة لأعداد كبيرة من النازحين، مما شكل بدوره أحد عوامل وأسباب الضغط المتزايد على التكية. وأشار عبدالقادر إلى أن الفترات الأولى من الحرب شهدت نزوحاً كثيفاً من وسط أم درمان ومحلية أم بدة والخرطوم بحري تجاه هذه المنطقة، لكن بعد أحداث سنجة وسنار والجزيرة، إلى جانب استمرار النزوح من داخل أم درمان، بدأ الضغط يشتد على التكية وأصبح الوضع في غاية الصعوبة، ومع تضاعف الأعداد الكبيرة الوافدة لم يعد بالإمكان تقديم وجبة كاملة للمحتاجين. ويتابع، “مع تجاوز العدد أكثر من ألف أسرة بواقع 5 – 6 أفراد للأسرة الواحدة، ومع وصول أكثر من 300 أسرة جديدة أصبح هناك أولوية للمسجلين، مما يعني أن ثمة أسراً تعود خالية الوفاض من دون وجبة، وحتى بالنسبة إلى الأسر المسجلة فقد تعذر في الآونة الأخيرة تقديم وجبة كاملة (عدس مع الرز) مثلاً، واقتصر الأمر على التبادل بين الصنفين (يوم عدس ويوم رز) فحسب. الوجبة الاستثنائية يوضح المشرف أن ميدان البليلة يشهد حدثاً استثنائياً بين كل فترة وأخرى، فعندما يتم توزيع كيلوغرام ونصف من الطحين مع وجبة العدس تكون هناك فرحة عارمة في مثل هذا اليوم، لكن في معظم أيام الأسبوع يقتصر الأمر على تقديم صنف واحد فقط في وقت يتزايد فيه الإقبال وترتفع نسبة الاعتماد على خدمات التكايا وسط الأسر النازحة. وفي تهديد جديد للتكايا في أم درمان كشف ناشطون عن استهداف قوات “الدعم السريع” في الفترة الأخيرة بالقصف المدفعي المتعمد التكايا في محلية أم بدة جنوب المدينة، إذ سقط خلال الفترة الماضية عديد من المقذوفات المدفعية (الدانات) على معظم تكايا الطعام بالمنطقة. اندبندنت عربية