خلافات المؤتمر الوطني المنحل تهدد تماسك الجيش السوداني

قائد الجيش مع الرئيس المعزول- ارشيفية تعكس تصريحات قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، بشأن الخلافات داخل حزب المؤتمر الوطني المنحل، الذراع السياسية للحركة الإسلامية، حجم القلق من تداعيات ما يجري داخل الحزب على الجيش وتماسكه. ونجح حزب المؤتمر المنحل في استعادة السيطرة على مفاصل القرار في الجيش السوداني، وتوجه اتهامات لقيادات الحزب بأنها من تقف خلف اندلاع الحرب بين المؤسسة العسكرية وقوات الدعم السريع والعمل على استمرارها إلى حين تثبيت معادلة جديدة تعيدهم إلى السلطة. وتشكل الخلافات التي برزت مؤخرا بين أجنحة حزب المؤتمر الوطني المنحل مصدر إزعاج كبير لقيادة الجيش، خاصة وأنها تأتي في مرحلة حساسة تعمل من خلالها الأخيرة على استعادة بعض التوازن على الميدان، الذي كان اختل لصالح الدعم. وبرزت الخلافات مع انتخاب “مجلس الشورى”، وهو هيئة مختلف حول مشروعيتها، أحمد هارون، المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية رئيسا للمؤتمر الوطني، مع اعتراض التيار الذي يقوده رئيس المكتب القيادي إبراهيم محمود، وتحذيره من خلافات قد تؤدي إلى انقسام الحزب. وقال البرهان، الثلاثاء، إن مساعي انعقاد مجلس شورى حزب المؤتمر الوطني “مؤسفة ومرفوضة”، وشدد على أن قيادة الدولة لن تسمح بأي تحركات سياسية تهدد وحدة البلاد والمقاتلين في الميدان. وذكر البرهان، الذي كان يتحدث في افتتاح مؤتمر اقتصادي لوزارة المالية ببورتسودان، أنه يتابع محاولات حزب المؤتمر الوطني المحلول لعقد اجتماعات الشورى. ودعا قائد الجيش إلى تجنب الصراعات السياسية والتفرغ لمساندة الجيش في الحرب، موضحا أن العمل السياسي والمدني يجب أن يؤجل إلى حين انتهاء الحرب وهزيمة المتمردين، وفق قوله. وكان المكتب القيادي لحزب المؤتمر الوطني استبق انعقاد اجتماع مجلس الشورى بإصدار بيان أعلن فيه عدم الاعتراف به أو بأي قرارات تصدر عنه، واعتبر الخطوة مخالفة للنظام الأساسي، مطالبا الأعضاء الذين وجهت إليهم الدعوات بعدم حضوره. وتعزز انقسامات حزب الرئيس السابق عمر حسن البشير التباين بين تيارات في معسكر الحكومة التي يتحكم الإسلاميون في مفاصلها، وبين رؤى تنفتح على دعوات إلى الحوار والبحث عن حل سياسي، وآخر متطرف يدعم استمرار الحرب بحثا عن انتصار يتفق غالبية السودانيين على صعوبة تحقيقه. تبدو الحرب الحالية بين قوات الجيش والدعم السريع حاضرة في خلفية التطورات السياسية داخل المؤتمر الوطني الذي قبع على رأس السلطة ثلاثة عقود قبل حله عام 2019، لأن الاعتماد على جماعات وميليشيات مسلحة تشكل ظهيرا عسكريا للإسلاميين في المعارك الراهنة يدفع إلى المطالبة بمكاسب سياسية لاحقا. ومن المتوقع أن يحدث ذلك بعد أن فتح قائد الجيش السوداني الباب أمام إمكانية إدخال تعديلات على هياكل السلطة أثناء الحرب بتغيير في بعض المناصب الوزارية مؤخرا، لاقت اعتراضا من جانب حركات دارفور المسلحة، ومن يقبع على رأس الحزب لن يتورع عن دعم الخلافات القائمة. وقال مصدر مطلع قريب من حزب المؤتمر الوطني (المنحل) إن الخلافات لها علاقة مباشرة بالصراع على السلطة دون أن يقتصر الأمر على كونها تباينات داخل الحركة الإسلامية، لأن أحمد هارون لم يكن عضوا في الحركة، لكنه كان قريبا من البشير ونفذ سياساته في إقليم دارفور للقضاء على تمرد الحركات المسلحة، ورغم اعتراض قيادات المؤتمر على انضمامه إلى الحزب، لكن البشير أصر على الاستعانة به. وأوضح المصدر ذاته لـ“العرب” أن الخلافات تعود لقناعة تيار واسع داخل الحزب بقدرة الإسلاميين على استعادة السلطة في السودان بشكل كامل، ومع أن هناك تيارا ضعيفا يرى أن السودان دولة فاشلة، غير أن الرغبة في الاستيلاء على الموارد وممارسة أدوار لخدمة قوى معينة تفاقمان الصراع. ولفت إلى أن الخلافات داخل المؤتمر الوطني قديمة وتنشأ من الصراع على السلطة والثروة، وما يحدث الآن انعكاس لما تشهده مدينة بورتسودان التي تتخذها الحكومة مقرا لها مع تباعد الهوة بين مجموعات تتوافق على دعم الجيش، وتختلف حول تقسيم الغنائم والمكاسب والرغبة في السيطرة على الموارد التي يحتاجها العالم الخارجي. وتنحّى البشير عن رئاسة حزب المؤتمر الوطني في الثاني والعشرين من فبراير 2019 وتم تكليف أحمد هارون برئاسة الحزب، وعقب سقوط النظام كلف المكتب القيادي للمؤتمر الوطني إبراهيم غندور بتولي رئاسة المؤتمر الوطني، وبعد توقيفه على ذمة بلاغات بواسطة لجنة التفكيك اجتمعت هيئة الشورى وانتخبت إبراهيم محمود رئيسا. وحضر الاجتماع الذي نصب أحمد هارون رئيسا للحزب (عقد الخميس) بمدينة عطبرة بولاية نهر النيل، الأمين العام للحركة الإسلامية علي كرتي، ونائب الرئيس الأسبق علي عثمان محمد طه، والقيادي أسامة عبدالله. وأكد المحلل السياسي السوداني مرتضى الغالي أن اختلاف أهداف التيارات المتناحرة داخل الحركة الإسلامية انعكس على حزب المؤتمر الوطني، وأن الصعوبات التي واجهت قيادات الحزب لإعادة ترتيب الأوراق مع وجود قيادات بالسجون ويخضعون لمحاكمات وآخرين جرى إطلاق سراحهم ويتواجدون في ولايات متفرقة، وتيار ثالث بالخارج، كلها دفعت ليكون الصراع علنيا هذه المرة، لأن قيادات الحزب ترى أن خطر عزلها عن المشهد العام زال مع الانغماس في الحرب الدائرة حاليا. وأضاف الغالي في تصريح لـ“العرب” أن تواجد عناصر الحركة الإسلامية في مؤسسات الدولة، بما فيها الحكومة المدنية والولاة وأجهزة الأمن والاستخبارات والسيطرة على القرار داخل الجيش، يجعلها تعتقد أن السلطة عادت إليها، والمشكلة في عدم القدرة على تحقيق انتصار عسكري في مواجهة الدعم السريع، بالتالي فالخوف من الطرف الآخر يجعل الإسلاميين يستعجلون الحصول على المكاسب السياسية وترسيخ حضورهم، وتنشب الخلافات حول طرق وآليات تحقيق هذه الأهداف. وهناك اتجاهان رئيسيان داخل حزب المؤتمر الوطني، أحدهما يسعى للاستمرار في استغلال الهياكل التنظيمية لإعادة التمكين، ويظهر في إصرار مجلس الشورى على انتخاب أحمد هارون، والآخر يدرك أن وجود شخصيات مثل هارون يشكل عبئا بسبب ملاحقة الجنائية الدولية له، ما يمهد لتشظي الحزب، ويبرهن ذلك على أن العقلية التي قادت إلى سقوطه تهيمن على اتخاذ القرار داخله حتى الآن. وأشارت المحللة السياسية السودانية شمائل النور إلى أن توقيت صعود هذه الصراعات يرتبط باستعادة الحزب فعاليته السياسية والقدرة على اتخاذ القرار داخل مؤسسات الدولة، كذلك داخل قيادة الجيش، وأن الحركة ظهرت مؤخرا بمختلف تشكيلاتها ومجموعاتها في ميدان المعارك بجانب الجيش للحصول على مكاسب سياسية بعد الحرب. وذكرت النور في تصريح لـ“العرب” أن الجيش يرتكن إلى المجموعات المسلحة المحسوبة على الحركة الإسلامية أكثر من اعتماده على المقاومة الشعبية التي دعا إلى تشكيلها عند بداية الحرب، وأن اقتراب وقت الحصاد مع وجود تحركات دولية تعمل على تقريب وجهات النظر بين القوى السياسية وقرب انعقاد اجتماعات في جنيف يجعل الصراع يتزايد حول الأحق برئاسة الحزب، وهذا خلاف قد يترك تأثيراته على الحكومة الحالية مع صعوبة التئام أي صراع بين مجموعات تنتمي إلى الحركة الإسلامية. وأوضحت أن استقبال حكومة الأمر الواقع في بورتسودان لإبراهيم محمود الذي عاد من تركيا مطلع نوفمبر الجاري، يشي بأن هذا التيار أقرب لقائد الجيش، وأن الجنرال البرهان اعتاد اللعب على توظيف المتناقضات بين المجموعات التي تدعمه، غير أن ذلك قد يمهد ليتحول الخلاف إلى صراع ممتد.