تقاطعات السلطة والصحافة…وللكلمات منطقها..!
بقلم: علم الدين عمر
..لأستاذنا حسين خوجلي مقولة شهيرة يطرحها على طاولة النقاش إن وجده دائرياً ..(أديتنا فارغة واديناك مقدودة)..والفارغة والمقدودة متلازمتي الفشل في الوصول لنتائج ذات قيمة ..وحوار الطرشان بين الأطراف غير المستعدة لتقديم تنازلات هو أول أعراضها ..وهو بالضبط ما كان ينتظم العلاقة بين الصحافة والسلطة في السودان طوال عهود الدولة الحديثة بعد الإستقلال ..حيث تتعدد تعريفات المسؤولية والمصلحة الوطنية ..وتتباين وجهات النظر حول تداخلات الأمن القومي ومفهوم الدولة العميقة ..وتبدأ معركة الدوران حول (الميس) الوطني ..كل يتخذ من موقعه منصة لإطلاق الأحكام على غيره…الصحافة بما توفر لها من تطلعات مشروعة بفعل الإنفتاح الكبير في الأسافير ..وهامش الحريات المقدر والحركة الواسعة لأطياف المجتمع السوداني السياسية والإجتماعية..والسلطة بما تحمله من موجهات للحفاظ على مؤشرات الأمن القومي تحت السيطرة محفوظاً من التجريح والإنحراف خاصة في ظل ظروف الحرب والإستقطاب الحاد للمواقف والمصالح ..وقد ظللت أتابع بإشفاق كبير أتفق معي فيه عدد من الزملاء حالة التشظي الحاد إن جازت تسميتها أو وصفها التي أنتظمت الأوساط الصحفية والإعلامية السودانية بالداخل والخارج وتنافس منسوبيها علي التقارب من دوائر السلطة والقرار أو التباعد عنها ..إذ الصراع هو صراع مهنية وليس فارغة ومقدودة كما يصوره البعض ومثله لا يمكن معالجته بالتجاهل أو الحلول المؤقتة ..فالسلطة التي تمثلها الدولة (تجابد) بين مهنية الأداء ووجودها كضامن لحرية الصحافة والتعبير في ظل حرب وجودية تتحكم ظروف الميدان وتقاطعات الأجندة في معلوماتها وتحليلها وتبويبها وتحديد مساراتها وحتي إخفاء قدر غير يسير ومؤثر منها ..وهو سبيل صعب تتجاذبه الرياح يمنة ويسرة ..وتتساقط على كفه المبسوط الكثير من الأشواك ..الأمر الذي يؤدي في كثير من المناسبات لحالة من التوتر والإحتقان شبيهة بتلك التي عبر عنها طيف واسع من الإعلاميين الذين سمحت ظروفهم بالبقاء داخل البلاد أو لو تسمح بمغادرتها بتعبير آخر وهم يشهدون دخول وخروج أفواج الصحفيين بالخارج إلي العاصمة الإدارية بورتسودان وألتقائهم بالمسؤولين ورئيس مجلس السيادة ونوابه ومساعديه قبل أن يلتقيهم الرئيس البرهان بالأمس ويتشاور معهم أو ينورهم بحقيقة ما يجري علي ساحة الأحداث ..ودون أن نخوض في تفاصيل اللقاء واللقاءات التي تمت قبله نقول أن الإعلام فعلاً هو فصيل متقدم من هذه المعركة ولأسباب كثيرة ومعقدة لابد من التعامل معه بحذر ومباشرة في آن معاً فهو وسط يمور برمال شديدة الحركة والخطورة وليس أدل علي ذلك من كونه الذراع الذي تستخدمه المؤامرة علي السودان وتصرف عليه صرف من لا يخشي غيره ..حسناً فعل السيد رئيس مجلس السيادة بهذا اللقاء لإلحاق الزملاء بالداخل بالتحشيد البرتكولي فقد أبلوا خلال الفترة الماضية أحسن البلاء وهم يؤدون عملهم بكل الممكن وبعض المستحيل تحت ظلال الأشجار ومن دور إيواء النازحين .. على الصحفيين والمؤسسات الصحفية أن يخاطبوا الآن جذور الأزمة وليس أعراضها بالدعوة لتوافق كل السودانيين علي البرنامج الوطني خلف القوات المسلحة علي الحد الأدني من الثوابت الوطنية وحشد كل المتاح من إمكانيات ورؤي لمعركة الكرامة الشاملة وهي معركة مفتوحة يقوم الجيش والأجهزة الأخري علي جانبها العسكري بكل الإقتدار ولا يقتصر دور الإعلام فيها علي نقل يوميات الحرب والمعارك ..المعركة شاملة سياسياً وإقتصادياً وثقافياً ..يحتاج السودانيون من الإعلام لإسناد قوي ومباشر في التعافي المجتمعي وبرنامج المصالحات ورتق النسيج ونشر خطاب الإعتدال ونبذ خطاب الكراهية وإشاعة روح التسامح والمحبة والرؤية السديدة لإزالة آثار الحرب وإعادة الإعمار بما يتماشى مع مطلوبات المصلحة الوطنية ..كما حدث في كثير من البلدان التي تعافت ونهضت بعد حروبها الطاحنة ..إذ طالما أستمر الطرق الإعلامي الراشد المساند للدولة بفهم وعمق ..وبالمحافظة علي مسافة معقولة منها سيكون إختراق هذه الملفات في وقتها المناسب أمراً هيناً ومتاحاً فالمجتمع السوداني علي أي حال تغلب طبقة المثقفين علي سمته العام ويمكن للإعلام أن يوجه لها الرسائل طالما كانت في قالب مهني مهذب ومقبول..وهي طبقة يستفزها التناول الموضوعي ويمكن إستقطابها لحركة التحشيد المجتمعي عبر الإعلام ..
عموماً هي سانحة جيدة لمراجعة أداء الإعلام الرسمي وتفعيل مسار العلاقة مع الإعلاميين السودانيين المدركين لتحديات المرحلة ومطلوبات الفضاء المفتوح والمعلومة المتاحة ..ونفاد الحبر السري من مكتبات العالم.