نقص الغذاء يهدّد لاجئي السودان بمخيّم مكتظ في تشاد

لاجئون سودانيون فارون من إقليم دارفور في السودان يعبرون الحدود إلى تشاد في الرابع من أغسطس آب 2023. تصوير: زهرة بن سمرة – رويترز. تجلس نحو 20 لاجئة سودانية على حصائر من البلاستيك أمام خيمة منظمة “أطباء بلا حدود” في مخيّم طولوم المكتظّ في شرق تشاد الذي لجأ إليه عشرات الآلاف، هرباً من الحرب التي اندلعت في السودان قبل أكثر من عامَين. وتُسجَّل خشية من تفاقم الوضع، من جرّاء القتال العنيف المستمرّ في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، في المخيّم الذي يؤوي ما بين 25 ألفاً و30 ألفاً من اللاجئين السودانيين، علماً أنّ هؤلاء يتكدّسون في ملاجئ من الصفيح المعدني والخيش الأبيض وفّرتها لهم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في قلب منطقة خلاء شبه صحراوية، بالقرب من بلدة إيريبا بإقليم وادي فيرا المجاور للحدود مع السودان.نجلا موراو، التي لفّت جسمها بثوب برتقالي وأرجواني اللون، واحدة من هؤلاء اللاجئات. تدخل خيمة “أطباء بلا حدود” للحصول على استشارة طبية لابنها الذي تحمله بين يدَيها الموشومتَين بالحنّاء. بعد الفحص الأولي، استنتج الممرّضون أنّ الطفل البالغ من العمر عامَين، الذي يبدو الشحوب عليه واضحاً، يُعاني من سوء تغذية حاد. وتقول نجلا، البالغة من العمر 32 عاماً، التي تبدو نحيلة بدورها، لوكالة فرانس برس “نحن نعاني من قلّة الطعام”. تضيف الأمّ التي فرّت من نيالا في جنوب دارفور غربي السودان مع احتدام القتال قبل أكثر من عام، أنّ “منذ وصولنا (…) لا نأكل طوال اليوم سوى طبق عصيدة” المعدّة من الذرة الرفيعة.ويشير الممرّض ديسامبا آدم نغارهودال في منظمة “أطباء بلا حدود” إلى أنّ حالات سوء التغذية المشخّصة بين لاجئي السودان في مخيّم طولوم تزايدت منذ أسابيع، ويضيف الممرّض الشاب، البالغ من العمر 25 عاماً، لوكالة فرانس برس أنّ من بين الاستشارات الأسبوعية التي يتراوح عددها ما بين مئةٍ ومئة وخمسين استشارة، “يتعلّق نحو نصفها بحالات سوء تغذية”، وتُحوَّل الحالات الأكثر خطورة إلى مستشفى إيريبا الذي يبعد عن المخيّم نحو نصف ساعة بالسيارة.وبعد يوم واحد من تسجيل الوفاة الأولى لرضيع سوداني بسبب سوء التغذية في مستشفى إيريبا، يشرح الممرّض حسن باتايمو، البالغ من العمر 38 عاماً، لوكالة فرانس برس أنّه “منذ مطلع الشهر (إبريل/ نيسان 2025)، تجاوزنا القدرة على معالجة المرضى في جناح سوء التغذية في هذه المنشأة”، ويضيف: “نتوقّع أن تستمرّ الحالات في التزايد مع حلول موسم الحرّ وتجاوز الحرارة 40 درجة مئوية”.وتتواصل في السودان الحرب الدائرة بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) منذ أكثر من عامَين، علماً أنّها أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 12 مليون شخص، متسبّبةً في “إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية” في العالم، وفقاً لوصف الأمم المتحدة، كذلك كانت المنظمة الأممية ووكالاتها المختلفة قد وصفت، في مناسبات مختلفة، الصراع في السودان بأنّه “أزمة إنسانية غير مسبوقة” وكذلك “أزمة بلا حدود”.وتعجز تشاد الجارة، التي تُعَدّ من أفقر دول العالم، عن تقديم المساعدة بمفردها لأكثر من 770 ألف لاجئ سوداني فرّوا إلى أراضيها، بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مع العلم أنّه من المتوقّع ارتفاع عدد اللاجئين إلى أكثر من 970 ألف لاجئ بحلول نهاية عام 2025 في ظلّ استمرار القتال في السودان، بحسب الحكومة التشادية. يُذكر أنّ المفوضية لم تتلقَّ في نهاية فبراير/ شباط الماضي إلّا 14% من أصل 409.1 ملايين دولار أميركي تحتاج إليها لمساعدة اللاجئين في تشاد هذا العام.ويلفت حاكم إقليم وادي فيرا، حيث يقع مخيّم طولوم للاجئين، دجيمباي كام ندوه، إلى أنّ “شعب تشاد هو شعب مضياف وتقاليده تُملي عليه الترحيب بإخوانه السودانيين في حالات الضيق”، مضيفاً لوكالة فرانس برس “لكنّ عدد سكان الإقليم تضاعف عملياً ونحن نطلب توفير دعم كبير لنا”. يُذكر أنّ حالة من القلق العميق تسود بعد تجميد المساعدات الأميركية الخارجية الذي فرضته إدارة الرئيس دونالد ترامب في يناير/ كانون الثاني الماضي، بالإضافة إلى تخفيض التمويل من المانحين الآخرين، خصوصاً الأوروبيون منهم.في سياق متصل، قال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، في خلال زيارة قام بها أخيراً إلى الحدود السودانية، إنّه “مع تخفيض المساعدات المالية، لم نعد نملك الوسائل لمساعدة اللاجئين السودانيين مثلما كنّا نفعل حتى الآن”، وحذّر من أنّه “في حال لم تُقدَّم المساعدة لهؤلاء الأشخاص فإنّهم سوف يلجأون إلى طريق الهجرة عبر ليبيا (…) إذ يستغلّ المجرمون بؤسهم”، وشدّد المسؤول الأممي على “وجوب أن تتصرّف أوروبا حيال ذلك”.من جهته، يبيّن نائب مدير برنامج الأغذية العالمي في تشاد ألكسندر لو كوزيا، في اتصال هاتفي مع وكالة فرانس برس، أنّ نقص التمويل يهدّد “مئات آلاف الأرواح”، أمّا في السودان، فيعاني نحو 25 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفقاً للبرنامج التابع للأمم المتحدة، وهو وضع مرشّح للتدهور مع حلول موسم الأمطار في خلال أقلّ من شهرَين.ولا يُخفي منسّق الطوارئ لدى منظمة “أطباء بلا حدود” في وسط دارفور غربي السودان صموئيل سيليش، في تصريح لوكالة فرانس برس عبر الهاتف، أنّهم “في حالة استعداد لموجة حادة من حالات سوء التغذية والملاريا”، يضيف: “هذا العام، نواجه كذلك تفشياً لمرض الحصبة في دارفور”، مشدّداً على أن تزامُن هذه الأمراض قد تكون له تبعات كارثية، لا سيّما على الأطفال. يُذكر أنّ الحرب المتواصلة في السودان منذ أكثر من عامَين أدّت كذلك إلى انهيار المنظومة الصحية بالبلاد، الأمر الذي يزيد الأوضاع تعقيداً.(فرانس برس، العربي الجديد)