أبو نمو .. (كاسر) صلف الامريكان
الكرامة: هبة محمود
ربما وحتى وقت قريب لم تكن خبايا شخصية القيادي بحركة جيش تحرير السودان وزير المعادن محمد بشير أبو نمو، معروفة الا للمقربين منه، ومن عاصروه في محطات عمله سواءا على مستوى الحركة أو الجهاز التنفيذي، قبل أن يكتسب الرجل لقباً ثالثا يضاف إلى توصيفه الوظيفي، وهو رئيس الوفد الحكومي للتشاور مع الولايات المتحدة الأمريكية في جدة والقاهرة.
لوهلة ظن كثيرون أن إختيار أبو نمو جاء عقب تصريحات حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، بإعتباره أحد رجاله المخلصين، بعد أن شدد على ضرورة مشاركتهم كحركات كفاح مسلح، في المفاوضات مع مليشيا الدعم السريع.
لكن وقبل ان تمضي تلك الظنون بعيدا، فقد إستطاع محمد بشير أبونمو، أن يثبت للجميع أن إختياره للمهمة الصعبة جاء متأخرا، عقب مخاوف من إذعان الوفد للقبول بالذهاب بجنيف، قبل أن تتغير المعادلة ويتخوف الطرف الأمريكي منه، مطالبا بالجلوس مع أحد الجنرالات العسكريين وليس”الحكومة”.
نهج جديد .. نجم الحرب
لقد إستحق رئيس الوفد الحكومي، كبير مفاوضي حركة جيش تحرير السودان، محمد بشير أبو نمو، ان يلقب بأحد نجوم الحرب والتفاوض، وأن كانت الحرب لا تحمل نجوما، لكن مبعث تلك النجومية يكمن ربما في استحداث الرجل طريقة جديدة في التعاطي مع الرأي العام السوداني، باعتباره مسؤولا كبيرا، وذلك من خلال تمليكه الحقائق اولا بأول، فضلا عن طريقته في كسر الصلف الأمريكي، وهو الرجل الذي رفض التهديد والوعيد بضرورة الذهاب بجنيف.
وفيما تتباين الاراء حول اختياره، يرى مراقبون أن الرجل استطاع ان يحدث فارق في التعاطي الأمريكي مع الشأن السوداني، سيما في أعقاب تحديد المبعوث الأمريكي توم بيرييلو موعد لقائه مع الجانب السوداني في القاهرة دون تنسيق مع الجانب الحكومي بناء على البرنامج الذي يخصه هو، في وقت لم يكمل فيه الوفد الحكومي ترتيبات سفره، ما جعله يغادر الأراضي المصرية أمس، فيما بقى الوفد الحكومي بالسودان.
أعاد للسيادة السودانية وضعها ..
ويرى المحلل السياسي محجوب محمد، إن أبونمو استطاع ان يحفظ للسيادة السودانية مكانتها ووضعها، من خلال طريقة تعامله مع الملف الموكل له.
مؤكدا لك “الكرامة” أن كثير من الأنظمة العربية و الإفريقية ظلت تتعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية من باب الخوف والاذعان، لافتا إلى أن المرحلة الآن مرحلة وجودية ومن الضرورة بمكان احترام سيادة السودان.
وأشار إلى أن ابو نمو عرف عنه التمسك بمبادئه والإصرار عليها، دون التفريط في الحقوق، مشيرا إلى أن المبعوث الأميركي عندما غادر مغاضبا الأراضي المصرية، بعد أن تنامى إلى علمه ان جولة المشاورات لن تؤتي أكلها طالما أن ابو نمو رئيسا للوفد.
وأضاف: الولايات المتحدة الأمريكية تبذل قصارى جهدها في تحقيق نقاط إيجابية في ملف التفاوض، لكن ان يغادر المبعوث الأمريكي بتلك الطريقة بعد رفض الوفد الوصول الا في موعده المحدد، فهذا يدل على علمه المسبق بعدم الوصول إلى نتائج طالما ان ابو نمو موجود.
رغبة أمريكية
وكشفت مصادر لموقع المحقق بأن الجانب الأمريكي وخاصة المبعوث كان يرغب في أن يغير الجانب السوداني في تركيبة وفده المفاوض وأنه أرسل إشارات في هذا الصدد يطلب فيها إبعاد الوزير محمد بشير أبونمو من رئاسة الوفد.
وفسرت المصادر الصحفية أن الطلب الأمريكي جاء نظراً لكون مواقف الوزير أبو نمو كانت صارمة في ضرورة التزام متمردي الدعم السريع بتنفيذ ما سبق وأن وقعوا عليه في جدة في مايو 2023 وهو إخلاء الأعيان المدنية ومنازل المواطنين ووقف إستهداف المدنيين فضلاً عن ضمان السماح بتدفق العون الإنساني إلى المحتاجين.
ويذهب مختصون إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد مثل شخصيات ابو نمو الحاسمة والمتمسكة برائها والمعتدة به، وذلك من خلال ما اعتادت عليه في التعامل من قبل كثيرين معها وما يبدونه من مخاوف واذاعان.
وعشية مغادرته القاهرة أعلن المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان توم بيرييلو، إنه سيتم إلغاء الاجتماع المزمع عقده في القاهرة مع وفد الحكومة ، بعد أن خرق الوفد البروتوكولات.
وقال بيرييلو في تغريدة له على حسابه الرسمي على منصة إكس: “كجزء من شراكتنا الوثيقة المستمرة مع مصر في محاولة إنقاذ الأرواح في السودان، أقدر الفرصة التي أتيحت لي للقاء الرئيس السيسي ووزير الخارجية عبد العاطي وقادة حكوميين آخرين.
وكانت الحكومة المصرية قد حددت أيضاً موعداً لعقد اجتماع مع وفد من بورتسودان، لكن قيل لنا إنه سيتم إلغاء الاجتماع بعد أن خرق الوفد البروتوكولات”.
بعد آخر..
وكان قبل لحظات من سفره إلى جدة الاسبوع الماضي، قال أبو نمو خلال منشور له على صفحته فيس بوك، إن تركيزه خـلال النقاشـات المرتقبة ستكون أولويتهـا الوطـن والمواطـن الـذي عانـى مـن جرائـم وإنتهاكـات المليشيـا المتمـردة إزاء صمـت المنظمـات الحقوقيـة والمجتمـع الدولـي.
ورأى متابعون وقتها أنه من الضرورة بمكان التركيز على معاناة المواطنين، والاخذ لهم بالحقوق لا ان يكون تفاوضا متبوعا باذعان ومهدرا للحقوق، ليكتسب أبونمو عقب المشاورات وتوصيته التي دفع بها للبرهان بعدم المشاركة في جنيف، بعدا آخرا وتوقا من كثيرين للبحث في خبايا شخصية الرجل، الذي انزل على الأرض ما قاله دون أن يبحث عن مبررات لتغيير مواقفه.
وبحسب مقربين لابونمو فإنه عرف عنه الهدوء والالتزام بالمبادئ التي لا يتوانى عن الدفاع عنها أي كان الذي يقف أمامه، كما عرف عنه ترتيب أفكاره واطروحاته، لا يثار، ولا يستثار، ولا يتعرض لأي نوع من انواع الاستفزاز، فهو أقصى ما تتطلبه عمليات التفاوض.
وابونمو تربطه صلة قرابة بحاكم إقليم دارفور، ويعتبر رجله المخلص، وتحكي سيرته الذاتية عن سنوات من الكفاح الطويل والمثمر.
ينتمي ابونمو إلى قبيلة الزغاوة (امبرو) شمال كتم التي احتضنت منطقة ارو أولى صرخاته، حيث مسقط رأسه.
درس الابتدائية في مزبد بكتم، والمتوسطة بجيل ثم نيالا التي درس بها مرحلته الثانوية، قبل أن ينتقل إلى العاصمة ويتخرج في جامعة الخرطوم بكلية الاقتصاد عام 1983.
حنكة وحكمة وصبر
وبحسب المتحدث الرسمي بإسم القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح بمدينة الفاشر، الرائد/أحمد حسين مصطفى، فان محمد بشير أبو نمو شغل منصب مساعد رئيس حركة/جيش تحرير السودان للعلاقات الخارجية، الذي استطاع أدارته بكل جهد وبسالة.
وقال حسين مصطفى ل ” الكرامة ” ان ابو نمو عمل على بناء مكاتب خارجية لحركة/جيش تحرير السودان في القارات الستة و تم تكليفه بكبير مفاوضي الحركة في مفاوضات جوبا الذي استطاع أدارته بكل حنكة وحكمة وصبر، موضحا انه يعنبر احد الخبراء فى فن التفاوض.
وتابع: أنا شاهد على ما يمتلكه الرجل من مقدرات لأنني كنت عضو وفد التفاوض حينها وعملت تحت قيادته.
وأضاف: الآن أيضا أوكل له ملف مفاوضات حكومة السودان في جدة والقاهر ونال ثقة الحكومة لانه هو أهل لذلك وسوف ينجز ذلك الملف بإذن الله.