حرب الجنجويد.. في زمن التفاهة!!

عادل الباز

1
هب أن الجيش هو من ارتكب جريمة الإبادة في الجنينة وقتل خميس أبكر ومثَّل بجثته وذلك على الملأ وجر جثته وقطعها وعلقها في الأشجار ثم قتل بعد ذلك 15 ألف من المساليت ودفن بعضهم أحياء، ثم عمد للفاشر يقصفها يومياً ويقتل المئات من سكانها ثم التف على مئات القرى حول الفاشر وحرقها وأخلى سكانها ماذا ستكون ردة فعل العالم؟
تخيل أيضاً إذا قام الجيش السوداني بغزو ولاية الجزيرة وسنجة وارتكب عشرات المجازر في القرى الوادعة وقتل سكانها ونهبها.. تخيل لو أن الجيش السوداني هو الذي يقصف سكان أم درمان يومياً ويقتل العشرات ويدمر المنازل والمستشفيات ماذا سيكون ردة فعل العالم؟.
تصور بس لو أن الجيش هو من يغزو المدن ويسبي النساء ويغتصبهن ويسترق بعضهن ويبيعهن في أسواق الرقيق علناً في مدن الغرب؟. هل كنا سنرى ذلك الصمت المطبق والتواطؤ.
2
لنفترض أن القوات المسلحة السودانية هي من احتلت منازل المدنيين وطردتهم خارج دورهم وعاثت فيها فساداً ثم رفضت إخلائها.!! ماذا سيفعل ما يسمى بالمجتمع الدولي ومنظماته وأبواق الإعلام المعارض وكل عملاء الغرب؟
رصدت تقارير دولية تضمنت أن مليشيا آل دقلو المتمردة قامت بتجنيد الآلاف من الأطفال للقتال بين صفوفها فماذا إذا قرر الجيش السوداني تجنيد بضع مئات من الأطفال وزج بهم في الحرب؟. أبواق منظمات الطفولة كان ستصدر مئات من بيانات الإدانة وتسكلب في أروقة الأمم المتحدة “أنقذوا أطفال السودان”.
3
عليك أن تتخيل بس.. لو أن الجيش السوداني استخدم سلاح التجويع ضد المواطنين في القرى والمدن بعد نهب غذائهم وأسلمهم لشهور لمجاعة لا تبقي ولا تذر، ونهب كل المركبات التي تمد المدن بالغذاء بعد أن أفرغ كل المخازن من أي مواد غذائية. والعجيب أن المليشيا بعد أن اتخذت من الجوع استراتيجية أساسية في حربها طفقت هي وأبواقها تولول و(تشهتق) في الأسافير حول المجاعة التي تحاصر السودانيين؟ تخيل لو أن الجيش هو من فرض المجاعة، ماذا سيكون موقف منظمة الأغذية العالمية.
4
خليك من ده كلو.. تصور لو أن القوات المسلحة السودانية ترصدت قوافل الإغاثات التي ترسلها المنظمات الدولية إلى الذين شردتهم الحرب في معسكرات دارفور، ونهبت تلك الإغاثات وشونت بها جيشها.. هل ستلوذ تلك المنظمات بالصمت ولا تدين الجيش؟. خلال الشهر الماضي وحده نهبت قوات الجنجويد عشرات العربات التي تحمل أدوية تخص منظمة أطباء بلا حدود واكتفت المنظمة بإصدار إعلان فقط، دون أن تدين (النهابة) المجرمين، ثم في ذات الشهر نهبت المليشيات عشرات العربات من منظمة اليونيسيف وهي متجه للفاشر. وقبلها إعلان برنامج الغذاء العالمي أن الجنجويد نهبو مخازنه في ود مدني وبها مئات الأطنان من الأغذية.!! ترى ماذا فعل العالم.. ولا إدانة واحدة، لاذوا جميعاً بالصمت المريب.
بالأمس فقط قالت كليمنتين نكويتا سلامي، المنسقة المقيمة للشؤون الإنسانية في السودان، بمناسبة اليوم العالمي للعمل الإنساني (لقد قُتل ما لا يقل عن 22 عامل إغاثة – جميعهم من مواطني السودان – أثناء تأدية واجبهم، وأصيب أو جُرح ما لا يقل عن 34 عامل إغاثة خلال هذه الفترة). وقالت ( منذ أبريل 2023، تم التحقق من 88 هجوماً على الرعاية الصحية – بما في ذلك المرافق الصحية وسيارات الإسعاف والنقل والأصول والمرضى والعاملين الصحيين – مما أسفر عن مقتل 55 شخصاً وإصابة 104 آخرين كما أدى تدمير البنية التحتية للطاقة والمياه والصرف الصحي)، وأضافت (كان للصراع الذي دام 16 شهراً، تأثير مدمر على البنية التحتية المدنية؛ حيث أصبحت أكثر من 75 في المائة من المرافق الصحية غير صالحة للعمل في الولايات المتضررة من الصراع).
ترى يانكويتا من الذي ارتكب هذه الجرائم؟ من الذي يحتل المستشفيات ويقصفها ويدمرها؟ صمت تام، الفاعل مبني للمجهول مع أنها تعرف الفاعل ولكن لا يمكنها ولا بمقدرتها أن تقول كلمة عنه.!!. لو أن من قتل عمال الإغاثة ودمر 75% من المرافق الصحية هو الجيش السوداني لرأينا العويل والإدانات تترى والعقوبات يسارع بها كل الأفاكين، ولكنها المليشيا محظية (الرباعية) يتم التستر على جرائمها ولا تطالها إدانة، وتحرسها بريطانيا في مجلس الأمن كما تحرس داعميها. تصور أن الجيش السوداني هو ينهب المنظمات الدولية وينهب كل الغذاء وأدوية الأطفال.. كم من الإدانات ستصدر، كم من أبواق العملاء ستهشتق؟
5
تخيل بس لو أن دولة مثل إريتريا مثلاً أقامت معسكرات لإمداد الجيش السوداني بالسلاح وتدفق السلاح داخل حدود السودان ليساهم في دحر الجنجويد ماذا كان سيفعل العالم ومجلس الأمن؟. لا شك أن القيامة ستقوم على إريتريا. ولكن حين تفعل دولة ذات نفوذ وقادرة على تقديم الرشاوى، وتمد المليشيات بالسلاح عبر الحدود مستهترة بالقانون الدولي تمارس عدوانها نهاراً جهاراً.. لا أحد يصدر إدانة، ولا ينفعل مجلس الأمن بذلك.
6
كل ذلك يحدث والعالم يسمع ويرى ويلوذ بالصمت….لماذا؟، ببساطة لأن هذا زمن التفاهة… فهو عالم بلا ضمير ولا أخلاق ولا قانون ولا حقوق إنسان ولا شيء من تلك الأكاذيب التي يصدعون بها رؤوسنا.. ويقول آلان دونو الكاتب الكندي الجنسية في كتابه (زمن التفاهة) “صارت السلطة في العالم في يد التافهين، وصارت امبراطوريتهم تمتد إلى جميع جوانب الحياة: الاقتصاد، العلوم، القانون والسياسة، في عملهم الجاد وسرعتهم في التكاثر، هم مغالون جداً، إلى درجة أنهم خلال زمن غير بعيد سوف يقضون على كل شغف.”. والله غالب..