الجيش السوداني.. مهامٌ خارجيةٌ مُتقدِّمةٌ
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو
تعتبر القوات المسلحة السودانية الأقدم في خارطة الجيوش على مستوى العالم وفقاً للمعايير الحديثة المُتَّبعة في تقييم الجيوش، ووفقاً للتصنيف العالمي لتحديد الجيوش الأقوى في العالم، والمعتمد على التعداد السكاني والعتاد العسكري، والموقع الجغرافي، فإنّ القوات المسلحة السودانية تحتل المرتبة رقم (77) من بين (145) جيشاً، ويتغير هذا الترتيب بين الفينة والأخرى وفقاً لتغيير معايير التصنيف، وقد كانت النواة الأولى للجيش السوداني في العام 1925م خلال فترة الحكم الثنائي عندما كانت مصر والسودان تقبعان تحت مظلة الاحتلال البريطاني، وقد سُمِّى وقتها الجيش السوداني بقوة دفاع السودان والتي كانت تتكوّن من الجنود السودانيين المنضوين تحت إمرة ضباط من الجيش البريطاني، واستمرّ الوضع حتى العام 1956م عندما نال السودان استقلاله، وبحلول العام 1958 كان السودان قد كوّن جيشاً وطنياً جديداً تطور تدريجياً بالمشاة، ثم القوات البحرية والقوات الجوية، والتي تشكّلت جميعها تحت منظومة قوات الشعب المسلحة في عهد الرئيس الراحل جعفر محمد نميري في العام 1993م.
العقيدة القتالية:
تأثّرت العقيدة القتالية للجيش السوداني في بادئ الأمر بالجينات التي غرسها الاستعمار البريطاني باعتماد العقيدة القتالية الغربية المبنية على الظرف اللحظي بأن تتم صياغة العقيدة القتالية وفقاً لما تراه القيادة العسكرية والسياسية الحاكمة في البلاد، ولكن الأمر تطوّر بعد ذلك بتوحيد عقيدة عسكرية ترتكز مبادئها على الدفاع عن المقدسات الوطنية، بحماية المواطن، والدفاع عن الوطن، والحفاظ على سيادته، ووحدته، وحماية دستوره، هذا فضلاً عن مهام مدنية تضطلع بها القوات المسلحة تقوم على تقديم المساعدات أثناء الكوارث الطبيعية، والحفاظ على الأمن وتعزيز استقرار البلاد في حال اضطراب الأوضاع الأمنية.
ارتباطٌ وانضباطٌ:
وتتميّز القوات المسلحة السودانية بارتباط وثيق بالقومية الوطنية، حيث تنصهر في بوتقتها جميع المكونات الإثنية والقبلية بما يجعلها سوداناً مصغراً ومرآةً تعكس واقع السودان الكبير، متبعةً نهجاً عسكرياً ومهنياً صارماً يقوم على الضبط والربط والتراتبية العسكرية التي تتسلسل فيها الأوامر والتوجيهات التي تُصرف للقوات وفق مستوى هرمي دقيق، من أعلى رتب الضباط في القيادة إلى أدنى رُتب الجنود في الميدان، الأمر الذي ميّز الجندي السوداني لتضرب شهرته الآفاق بكونه “عسكرياً مُنضبطاً مهنياً”.
تطويرٌ مهني:
اشتغلت القوات المسلحة السودانية على تطوير ذاتها مهنياً بالتدريب والتأهيل، وتمثل الكلية الحربية “مصنع الرجال وعرين الأبطال” أعرق الكليات الحربية في المنطقة الأفريقية في التدريب والتدريس العسكري بشقيه النظري والعملي وتستقبل الكلية الحربية، دفعات من طلاب حربيين من دول عربية وأفريقية، وبجانب الكلية الحربية توجد كلية متخصصة للقيادة والأركان، كما يوجد معهد جبيت العسكري لتدريب وتأهيل الضباط والمشاة، وتوجد الكثير من الفروع والأقسام المتخصصة داخل الوحدات والحاميات والفِرَق العسكرية على مستوى العاصمة والولايات، وتُعنى هذه الفروع والأقسام برفع كفاءة الفرد المقاتل، تدريباً وتأهيلاً وتساهم عملية رفع القدرات والتأهيل الذاتي في تسريع عملية التدرج العسكري بالنسبة للجنود الذين كثيراً ما تأهّلوا ودخلوا الكلية الحربية وأصبحوا من الضباط، هذا فضلاً عن التراتبية العسكرية للمشاة في مجال التدرج العسكري لبقية الجنود وفق قانون تنظيم القوات المسلحة وأسلوب الحياة العسكرية.
إلى جانب التأهيل المهني والأكاديمي، طوّر الجيش نفسه في الصناعات الدفاعية.
حضور لافتٌ ومميزٌ في ميادين الأزمات أفريقياً وعربياً..
الصناعات الدفاعية:
وبجانب اهتمامها بالتأهيل المهني والأكاديمي، اشتغلت القوات المسلحة على تطوير نفسها في الصناعات الدفاعية، فقد أسّست في العام 1993م هيئة مختصة للتصنيع الحربي تابعة لوزارة الدفاع وذلك من أجل تعزيز المؤسسة الدفاعية القائمة، ويشتغل التصنيع الحربي في العديد من المجالات والإصدارات الخاصة بالمعدات العسكرية والحربية، بالإضافة إلى العربات المصفحة التي تم توريدها في الأصل إلى السودان أو المرخصة من قبل الصين أو روسيا أو دول أخرى، حيث يتم تجميع وإنتاج هذه المعدات بشكل مهني على أيدي خبراء ومختصين نالوا دورات تدريبية عالية، وباتت منظومة الصناعات اليوم هي اليد الباطشة والقوية التي يعتمد عليها الجيش في كل شئ، وقد أسهمت في وضع القوات المسلحة في مرحلة متقدمة وتصنيفها ضمن أقوى الجيوش في المنطقة العربية والأفريقية.
مشاركات خارجية:
ولم تنكفئ القوات المسلحة السودانية على ذاتها، وإنما كانت لها مساهمات ومشاركات إقليمية ودولية واسعة وفق ما يمليه عليها ضمير الالتزامات تجاه العهود والمواثيق الدولية والإقليمية، سواءً على صعيد الأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي أو الجامعة العربية أو حتى معاهدات الدفاع المشترك، فقد كان للقوات المسلحة حضور لافتٌ ومميز في ميادين العديد من الأزمات على الصعيد الإقليمي أفريقياً وعربياً، هذا فضلاً عن مشاركتها في الحرب العالمية الثانية، ويستعرض الخبير العسكري والباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية الفريق حنفي عبد الله أبرز المشاركات الخارجية للقوات المسلحة السودانية والتي أسهمت من خلالها في تعزيز الأمن والاستقرار، ومن ذلك: مشاركة الجيش السوداني في حرب فلسطين عام 1948، ومشاركته المؤثرة في حرب أكتوبر في العام 1973، حيث قدم أرتالاً من الشهداء والجرحى مازالت أسماؤهم محفورة في ذاكرة ووجدان الشعب السوداني، ويتناول الفريق حنفي عبد الله في إفادته “للكرامة”، مشاركة الجيش السوداني في تعزيز الاستقرار بالدول الأفريقية مثل المشاركة المهمة للجيش في مساعي حفظ السلام في “الكونغو البلجيكية” عام 1960 وفي ترتيب الأوضاع الأمنية في تشاد عام 1979 وفي ناميبيا في 1989، وفي جزر القمر باستعادة جزيرة أنجوان وتسليمها لحكومة جزر القمر عام 2008، كما شارك الجيش السوداني ضمن قوات الردع العربية في لبنان في سبعينيات القرن الماضي، بإيعاز من الجامعة العربية لحفظ السلام، منوهاً إلى الخدمات الجليلة التي قدمها الجنود السودانيون في تقديم المياه والغذاء للمواطنين اللبنانيين وفي إجلاء الجرحى والمصابين، مما ترك انطباعاً جيداً عن الجندي السوداني، ولا ننسى الدور المهم للجيش السوداني الذي كان شريكاً مهماً إلى جانب القوات السعودية والإماراتية، في “عاصفة الحزم” باليمن.
بناء جيوش عربية:
وتمثل هذه النماذج بحسب الخبير الاستراتيجي حنفي قيضاً من فيض المشاركات الخارجية للجيش السوداني في العديد من الأحداث، بما في ذلك في الحرب العالمية الثانية، وينوه الفريق حنفي إلى المساهمات الكبيرة للجيش السوداني في تأسيس وبناء عديد الجيوش العربية في معظم دول الخليج، في الإمارات وقطر والبحرين والكويت وسلطنة عُمان، مبيناً أن ساحات الكلية الحربية ظلت تضم في قاعاتها وميادينها التدريبية أعداداً مقدرة من الطلاب العرب والخليجيين الذين تخرجوا في الكلية الحربية منذ ستينات القرن الماضي، مؤكداً أن الكثير من قادة الجيوش وخبراء التدريب المنتظمين حالياً في الجيوش الخليجية وفي المنطقة العربية هم من خريجي الكلية الحربية السودانية، بما فيهم بعض أبناء الشيخ زايد بالإمارات، وأبان الفريق حنفي أن في دولتي قطر والإمارات جنوداً وضباطاً سودانيين، نالوا جنسيات هذه الدول، تقديراً منها لخبرة وحنكة وكفاءة الجندي السوداني، وأشار إلى أن مشاركة الطلاب الحربيين السودانيين في دورات التأهيل الخارجية سواءً في أمريكا أو بريطانيا أو حتى في جمهورية القوات المسلحة السودانية ثرة، ومشرقة في العديد من جوانبها، وخاصة المشاركات الخارجية التي أبلى فيها الجنود السودانيون بلاءً حسناً وكتبوا أسماءهم بأحرف من نور في جدار الأحداث التي شاركوا فيها، الأمر الذي رفع من أسهم الجنود السودانيين، وقد أعادت الحرب الدائرة حالياً ذكريات الماضي رغم اختلاف الزمان والمكان، ولكنها تمثل فرصة ليتعرف من خلالها العالم على قدرة الجيش السوداني وكيفية مواجهته للطغمة الظالمة المنفذة والداعمة للغزو الأجنبي المنظّم من عدة دول للاستيلاء على السلطة بدعم إقليمي ودولي لوجستياً ومالياً في ظل صمت دولي غريب ومريب..!