تلفزيون السودان.. ومتحرك (عواطف محمد عبدالرحمن)
بح صوتنا ونحن ننادي باعتماد تلفزيون السودان القومي مصدرا وحيدا لتلقي الاخبار المرتبطة بسير الاوضاع ويوميات الحرب بالبلاد، ونادينا بتعظيم وضعيته وجعله قبلة لتلفزيونات العالم من خلال منحه ميزات حصرية فى نقل تصريحات وحوارات واخبار قادة البلد وتطورات الميدان والسياسة.
خلال يوميات الحرب التى انصرمت من اشهر مضت ظل التلفزيون جهازا كسيحا (لايهش ولاينش) ، لان استراتيجية الاعلام العرجاء ارادت له ان يكون كذلك، فضاعت فرصة الحكومة وجيشها فى صياغة الواقع الذى يخدم تكتيكات الحرب والسياسة، وبغباء نحسد عليه جعلنا العالم يتابع اخبارنا من خلال شاشات الاعداء وبث القنوات التى كبرت ونمت من اخبار السودان التى تتلقفها قناتنا القومية الوحيدة من الخارج .
خلال فترة الحرب اضعنا على تلفزيون السودان فرصة ان يكون هو الناقل الوحيد لاحداث السودان الكبيرة، وجعلناه تابعا لفضائيات صغيرة ومغرضة لاتعلم شيئا عن بلادنا وما يدور فيها، حتى ان تلفزيون الحرب تحول الى مادة مثيرة للسخرية، وبينما ابناء السودان يموتون وينزحون ويشردون وتغتصب حرائره وبناته يبعن فى الاسواق كان التلفزيون يحدثنا عن ثمار المانجو، وفقة الحج والزكاة ، وتراث المناطق وسط فواصل ارشيفية من مواد معلبة لاغنيات ومقطوعات موسيقية لاصلة لها بواقع الميدان.
فى ذلك الوقت كان كبار المسؤولين فى البلد يطلون على الشعب السوداني من (شاشات عميلة)، وقنوات خارجية يفشل مذيعوها حتى في نطق اسماء مناطقنا، كان التلفزيون القومي يشعرك حينها انه يبث مواده المعلبة الماسخة من (جمهورية الموز)، وياخذ حتى اخباره من مصادر ووكالات انباء خارجية ، ويسيطر عليه الموات وضعف التفاعل مع الواقع الذى كان يشهد محاولات تدمير وانهاء وجود الدولة السودانية.
بالطبع لا احد يمكن ان يلوم القائمين على امر التلفزيون لان القادة مغرمون بالحديث للمراسلين الاجانب ، وفى توق دائم للاطلال عبر الشاشات الخارجية وان كانت عميلة ، يمنحونها حق السبق، ويضنون بمجرد تصريح حول حدث عابر لتلفزيون الدولة.
الحوار الذي قدمته المذيعة المتميزة عواطف محمد عبدالرحمن على شاشة التلفزيون وهي تستضيف الفريق اول ياسر العطا عضو المجلس السيادي ومساعد قائد الجيش يصلح انموذجا نضعه على طاولة الكبار لانه استعاد هيبة التلفزيون ونبه الدولة الى خطل ممارساتها السابقة وهي تهمل الجهاز القومي وتتجاوزه الى القنوات الخارجية فى مسلك غريب ومريب لانجد له اي تبرير موضوعي او منطقي.
ومن كمال وعي الفريق العطا انه اختار الاطلالة عبر تلفزيون السودان، وجعل الافئدة والمسامع والاعين تاوى اليه من جديد وتعتمده مصدرا مهما للاخبار والمعلومات حول سير العمل الميداني والسياسي فى مرحلة فارقة من تاريخ السودان.
ماذا لو خصص التلفزيون خارطته البرامجية اليومية لنقل كل ما يدور فى يوميات الحرب ، وجعل من قناتنا القومية مصدرا لتلقي الاخبار عبر البيانات الراتبة للناطق الرسمي باسم الجيش والمتحدثين الاخرين، ماذا لو استمرت اطلالات وحوارات المسؤولين فى الدولة والجيش ولو مرة كل شهر حول سير العمليات والتطورات السياسية والميدانية، ولماذا لا ينقل التلفزيون تفاصيل المعارك اليومية ونبض الخنادق وحياة القابضين على الزناد، اين الافلام التى توثق للتطورات المفصلية فى الحرب على الجنجويد، استشهاد الحرس الرئاسي صمود المدرعات ، والتحام الجيشين فى ام درمان، وتحرير الاذاعة ، ومعارك الفاشر والهجانة مثلا ، كيف يمكن ان نجعل التلفزيون موثقا لاحداث ودالنورة واغتصاب النساء وسبيهن وبيعهن وللكثير من انتهاكات حقوق الانسان.
شكرا سعادة الفريق اول ياسر العطا وللمتميزة عواطف عبدالرحمن على الحوار الذى اعاد العافية للتلفزيون القومي ووضعه فى مكانته الصحيحة، مع الامنيات بان نشاهد قريبا حوارات للبرهان وكباسي وابراهيم جابر ، وقادة القوات المشتركة وهيئة العمليات والمستنفرين، وان يكون التلفزيون هو المصدر الذى تستقي منه قنوات العالم المعلومات عن السودان.
والتحية للكادر الذى انجز حوار العطا من ابناء التلفزيون القومي فى متحرك ( عواطف محمد عبدالرحمن) الذى حرر التلفزيون من الجمود والسلبية والنمطية ودفع به الى صدارة الاحداث وصناعة المحتوى الذى مازال يحرك الساحة السياسية.