السودان.. أسرار الوفود الزائرة
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو
فجاءة وبدون أية مقدمات أصبحت قضية إنهاء الحرب في السودان محل اهتمام الكثير من دول المحاور الإقليمية والأجنبية، إذ شهد شهر يوليو الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة، حراكاً دولياً وإقليمياً متسارعاً تجاه السودان عكسته عدة وفود حطت رحلها في مدينة بورتسودان، ومازالت هنالك العديد من الوفود التي تطرق باب الاستئذان لزيارة السودان محمولةً على أجنحة أفكار ورؤى سياسية ودبلوماسية تضع نقطة النهاية لحرب تجاوزت العام ونصف العام، قضت على الأخضر واليابس، فقتلت الألاف، وشرّدت الملايين من أبناء السودان، ودمرت البنيات التحتية، وجعلت من السودان أكبر أزمة إنسانية يشهدها العالم حاليا.
زيارات مكوكية:
خلال فترة خلال وجيزة ومتقاربة من شهر يوليو الجاري، زار مدينة بورتسودان كلٌّ من رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد، ووزير الخارجية السعودي وليد الخريجي، ووزير الدولة للشؤون الخارجية القطري سلطان بن سعد المريخي، وكان من المفترض أن تهبط في السابع من أغسطس المقبل طائرات أمريكية لتلامس بإطارتها مطار بورتسودان وعلى متنها ثلاثة من كبار المسؤولين الأمريكيين هم مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية سامانثا باور، والمبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بيريلو، والقائم بالأعمال الامريكية لدى الخرطوم السفيرة كولين كرينويلجي، ولكن الزيارة ألغيت بسبب ما اعتبرته الحكومة السودانية عجرفة أمريكية واستفزازا ينتهك السيادة الوطنية، حيث طلبت واشنطن أن يجري رئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان محادثاته مع الثلاثي الأمريكي في المطار فقط ليعودوا أدراجهم إلى واشنطن دون أن يدخلوا مدينة بورتسودان!.
لافت وعجيب:
الحراك السياسي والدبلوماسي الذي شهدتها مدينة بورتسودان من خلال الزيارات المتلاحقة التي حدثت في شهر يوليو الجاري، وتلك التي ستحدث خلال شهر أغسطس المقبل من مسؤولين غير أمريكيين، يصبُّ هذا الحراك جميعُه في بحث السبل الكفيلة لإنهاء الأزمة السودانية، من خلال المطالبة بوقف شامل لإطلاق النار، وتعزيز حوار سياسي سوداني شامل، لاستعادة السلام والاستقرار في البلاد، ولعل اللافت والعجيب في الأمر، أن يرتفع أوار هذا الاهتمام الدولي والإقليمي بالسودان، بعد أن انخفض أوار هذه الحرب، التي أشعلت نيرانها ميليشيا الدعم السريع مسنودة بمحاور إقليمية ودولية تحت فرية الحفاظ على الديمقراطية ومحاربة الكيزان وفلول النظام السابق.
منبر جنيف:
الاهتمام والزخم السياسي والدبلوماسي والإعلامي الذي أثارته المحاور والدوائر الإقليمية والدولية حول الأزمة السودانية، ازداد كيل بعير عقب بيان الخارجية الأمريكية بالدعوة إلى طرح طاولة جديدة للتفاوض في سويسرا، حيث قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلنيكن إن واشنطن دعت الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى محادثات سلام في أغسطس المقبل في سويسرا بهدف إنهاء النزاع في السودان بوساطة الولايات المتحدة، ومشاركة الاتحاد الأفريقي ورعاية السعودية وبحضور مصر والإمارات والأمم المتحدة بصفة مراقب، وأوضح بلينكن أن محادثات سويسرا تهدف إلى تحقيق وقف العنف في جميع أنحاء السودان، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع من يحتاجون إليها، ووضع آلية مراقبة وتحقّق قوية من أجل ضمان تنفيذ أي اتفاق.
اجتماع جيبوتي:
وقبيل أن يفتح منبر سويسرا أبوابه لاستقبال الفاعلين في الأزمة السودانية، فتحت جيبوتي ذراعيها لاحتضان الاجتماع التشاوري حول تعزيز تنسيق المبادرات والجهود المبذولة لمحاصرة تداعيات الأوضاع الإنسانية والأمنية المعقدة في السودان، وقد دعت إلى هذا الاجتماع التشاوري جامعة الدول العربية، وشارك فيه كلٌّ من الاتحاد الأفريقي، والهيئة الحكومية للتنمية ( إيغاد)، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، بجانب عدد من المراقبين الدوليين، واعتبر البيان الختامي لاجتماع جيبوتي التشاوري الذي رحب بالمبادرة الأميركية لرعاية مفاوضات في سويسرا، المحادثات غير المباشرة التي اختتمت مؤخراً في جنيف للأطراف السودانية المتحاربة خطوة مشجعة لاستكشاف مسارات المساهمة في تخفيف معاناة السكان المدنيين في السودان، معرباً عن قلقه العميق إزاء الانتهاكات والتجاوزات المستمرة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك حالات العنف الجنسي والتقارير عن الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي للمدنيين، ودعا بيان جيبوتي إلى إجراء تحقيقات ومحاسبة مرتكبي هذه الانتهاكات والتجاوزات.
قنبلة المهدي:
وكان رئيس حزب الأمة مبارك الفاضل المهدي قد فجّر قنبلة مدوية عندما كشف عن مخاوف إقليمية ودولية من تحول الصراع في السودان إلى حرب إقليمية، وقال إن دولاً كبرى رصدت عن طريق الأقمار الصناعية حشوداً لقوات أثيوبيا كبيرة على الحدود تقدر بلواء، وستنضم إليها وفقاً للمخطط قوات من ميليشيا الدعم السريع، ليتم غزو السودان بالاستيلاء على الفشقة والتوغل حتى ولاية القضارف، ونوه الفاضل إلى تهديد أريتريا بالتدخل في حال حدوث التحرك الأثيوبي، باعتبار أن أرتيريا ترفض احتلال أثيوبيا لهذه المناطق والالتفاف عليها، مشيراً إلى أن مصر لن تجلس متفرجة على التدخل الأثيوبي العسكري في جنوب الوادي وهو الأمر الذي يجعل من السودان معتركاً لحرب إقليمية تهدد المنطقة بأسرها، ولإفشال هذا المخطط كان الاهتمام الدولي والإقليمي بمعالجة الازمة السودانية حتى لا تتحول إلى حرب إقليمية.
خاتمة مهمة:
على كلٍّ يبدو أن السودان سيكون خلال الفترة المقبلة محل اهتمام متعاظم وكبير من كافة المحاور الإقليمية والدولية، كلٌّ سيحاول الدخول عبر بوابة الأزمة الراهنى ليبحث عن مصلحته الشخصية، دون أي اعتبار لمصلحة المواطن السوداني التي تأتي في نهاية قائمة الاهتمام الدولي والإقليمي، وعلى القيادة العليا للدولة أن تُرجع البصر كرتين وتُعمل أفكارها، وتبني على موقفها الذي اتخذته تجاه زيارة المسؤولين الأمريكيين باعتبار أن السيادة الوطنية خطٌّ أحمر، وأن الحرب مهما تطاول أمدها ستنتهي باندحار ميليشيا الدعم السريع، وقد بدأت بشائر هذا الانتصار تظهر في الأفق، وما هذا الاهتمام الدولي والإقليمي إلا مؤشراً لهذا السياق، والغيثُ أوله قطرة، رُفعت الأقلام وجفت الصحف.