مفاوضات جنيف.. مصير مجهول

الكرامة: هبة محمود

ألغت الولايات المتحدة الأمريكية، أمس السبت، زيارة لثلاثة مسؤولين أمريكيين إلى بورتسودان، كان المقرر لها السابع من أغسطس المقبل.
وأبلغت مصادر رفيعة “الشرق” إلغاء واشنطن، زيارة كل من مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية سامانثا باور، و المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بيريلو، بجانب القائم بالأعمال الامريكية لدى الخرطوم السفيرة كولين كرينويلجي، بعد رفض قيادة الجيش طلباً من واشنطن للقائهم بمطار بورتسودان.
وكان من المنتظر أن تبحث الزيارات، التي تم إلغاوها تفاصيل المبادرة الأميركية لإستئناف المفاوضات بين الجيش السوداني و مليشيا الدعم السريع في جنيف، ما يفتح الباب أمام التساؤل حول مصير الدعوة الأمريكية لمفاوضات سويسرا؟

سياسة المصالح

لقد ظلت العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والسودان، على مدار السنوات الماضية، تدار من الجانب الامريكي، وفق مؤشر الأحداث ومتطلبات المرحلة فقط، ما يجعل العلاقة تتأرجح بين التماهي مع السودان أحيانا، و إستخدام سياسة الجزرة والعصا احايين كثيرة.
وفيما تعتمد السياسة الأمريكية مع السودان وغيره من دول العالم الثالث على “المصلحة”، أثار إلغاء واشنطن زيارة مبعوثيها الثلاث إلى بورتسودان، عقب طلب اللقاء بمطار بورتسودان، ورفض الرئيس البرهان ذلك، تساؤلات كثيرة، حيث أنه ووفق مراقبين، فأن المصلحة الأمريكية تصب في إحداث سلام داخل السودان، يوقف اي تقارب سوداني روسي، وليس سلام يوقف الحرب بالسودان.
وبحسب الأكاديمي  والمحلل السياسي د. محمد عثمان عوض الله، ل “الكرامة” فإن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى عبر إلغاء زيارة وفدها إلى السودان، الضغط على البرهان شخصيا ، وذلك بالترويج الإعلامي الكثيف لإلغاء الزيارة كمؤشر لسوء العلاقة مع أمريكا، التي يحتاج إليها البرهان لدعم شرعية حكومته.
إنتقاص السيادة
في مقابل ذلك انتقد خبراء سياسيون الطلب الامريكي، بأن يكون اللقاء مع رئيس مجلس السيادة الإنتقالي القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، بمطار بورتسودان، كطلب غريب يتنافى والاعراف الدبلوماسية و البروتوكولات الدولية، سيما انه ومن المفترض أن أمريكا “مبعوث سلام”.
ويرجع مختصون في الشأن الامريكي السوداني، طلب واشنطن لسبيين أحدهما عدم الثقة من قبل الجانب الامريكي في ظل الأوضاع التي يشهدها السودان من اقتتال، والسبب الثاني هو التقليل والانتقاص من قيادة وسيادة الدولة السودانية و هيبتها.
ويرى الأكاديمي و المحلل السياسي د. محمد عثمان عوض الله في إفادة ل ” الكرامة”  إن الأجندة الأمريكية وراء الطلب، تتلخص بعد إبراز الزيارة كمؤشر لسوء العلاقة مع أمريكا، في  أربعة نقاط في اولها، إيقاف أي تعهدات بتنفيذ القاعدة البحرية الروسية في الشواطئ السودانية من قبل الجيش، وقبول البرهان بتعامل العالم معه كقائد للجيش فقط، وليس كرئيس لمجلس السيادة، وقبول المبادرة الأمريكية والانخراط فيها، وقبول مشاركة الأمارات في مفاوضات جنيف كمراقب.

صلف و تعالي

وإتجهت الأنظار عقب تطور الأحداث حول رد الفعل السوداني، بشان المفاوضات نفسها _ قبولها من رفضها _  عقب الصلف و التعالي الامريكي.
ودعت مجموعات كبيرة البرهان إلى رفض التفاوض في سويسرا سيما عقب طلب المبعوث الامريكي التباحث معه في مطار بورسودان وليس مقر إقامته بمدينة بورسودان شرقي السودان.
والاسبوع الماضي دعت الولايات المتحدة الأمريكية الجيش السوداني و الدعم السريع إلى محادثات سلامه في أغسطس المقبل في سويسرا بهدف إنهاء النزاع في السودان.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في بيان، إن واشنطن “دعت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع للمشاركة في محادثات بشأن وقف إطلاق النار، بوساطة الولايات المتحدة، تبدأ في 14 أغسطس في سويسرا” .
وأضاف بلينكن أن المحادثات التي ترعاها أيضا السعودية ستضم الاتحاد الأفريقي ومصر والإمارات والأمم المتحدة بصفة مراقب.
وأشار أنها” تهدف إلى تحقيق وقف العنف في جميع أنحاء البلاد، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع من يحتاجون إليها، ووضع آلية مراقبة وتحقّق قوية من أجل ضمان تنفيذ أي اتفاق”.
وأشارت الولايات المتحدة إلى أن المحادثات لن “تعالج قضايا سياسية أوسع نطاقا”.

نصر سوداني

و خلف الطلب الامريكي المزيد من الشكوك حول نوايا الولايات المتحدة، في التعامل مع السودان بطريقة فرض الامر.
وراى مراقبون ان الولايات المتحدة الأمريكية كشفت عن نفسها من خلال تصرفها، في كونها عدو السودان وان مصلحة المواطنين لا تعنيها على غرار ما ظلت تدعي وتنادي.
وفي المقابل اعتبر خبراء الخطوة انتصار للسودان، في مواقفه باستدراج العدو بعد تشديده وتأكيده على أن منبر جده هو الوسيلة الوحيدة لإيقاف الحرب وذلك بتنفيذ المليشيا ما تم فيه من مخرجات.
ويرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي عمار عركي ان ما حدث يعتبر انتصار سوداني ونجاح في تعامله مع الملف، و رسالة الدول التي تعول على أمريكا، مؤكدا في افادات ل ” الكرامة” أنه يكفي ان أمريكا تنازلت عن غطرستها وتريد القيام بالمنبر.
وَيذهب عركي في ذات السياق إلى أن إدارة بايدن، تريد تحقيق انجاز حتى شهر نوفمبر المقبل بالنسبة للناخب الامريكي في مسألة سلام السودان.
وحول مصير المفاوضات يرى عركي ان الغاء الولايات المتحدة الأمريكية الزيارة، لأنها اشتعرت عدم مشاركة السودان في المفاوضات بشكل واضح وصريح..
وقال أن السودان تعامل مع الدعوة بدبلوماسية ولم يعلن رفضه، مؤكدا أن موقف القيادة من عدم اللقاء في المطار يعتبر احد الأساليب الدبلوماسية للرفض ..