التهجير القسري.. إرهاب الجنجويد الممنهج
تقرير :رحمة عبدالمنعم
قالت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة في أحدث تقرير لها، أن عدد النازحين داخلياً في السودان وصل إلى أكثر من 10 ملايين شخص ،حيث شهدت عدد من المدن والقرى السودانية حالة من التهجير قسري على ايدي مليشيات الدعم السريع ، ما أعتبره حقوقيون بمثابة تغيير متمعد لديموغرافيا السكان،خاصة في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.
ربع السكان
وقالت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، الاثنين، إن عدد النازحين داخليا في السودان وصل إلى أكثر من 10 ملايين شخص.
وأوضحت المنظمة أن العدد يشمل 2.83 مليون شخص نزحوا من منازلهم قبل بدء الحرب الحالية، بسبب الصراعات المحلية المتعددة التي حدثت في السنوات الأخيرة.
وقال المتحدث باسم المنظمة الدولية للهجرة، محمد علي أبونجيلة، إن أكثر من مليوني شخص آخرين لجأوا إلى الخارج، معظمهم إلى تشاد وجنوب السودان ومصر.
ويعني عدد اللاجئين والنازحين داخلياً، أن أكثر من ربع سكان السودان البالغ عددهم 47 مليون نسمة نزحوا من ديارهم.
وذكرت المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة، إيمي بوب، في بيان، “تخيل مدينة بحجم لندن يتم تهجيرها.. هذا هو الحال، وهو يحدث مع التهديد المستمر بتبادل إطلاق النار، والمجاعة والمرض والعنف العرقي والعنف القائم على النوع الاجتماعي”.
وحذرت وكالة الغذاء التابعة للأمم المتحدة الأطراف المتحاربة الشهر الماضي من وجود خطر جدي من انتشار المجاعة والموت على نطاق واسع في منطقة دارفور الغربية وأماكن أخرى في السودان، إذا لم تسمح بدخول المساعدات الإنسانية.
ودعت بوب إلى استجابة موحدة من المجتمع الدولي لتجنب “مجاعة تلوح في الأفق” في السودان، حيث الاحتياجات الإنسانية “ضخمة وحادة وفورية”،وقالت إن “أقلّ من خمس الأموال التي طلبتها المنظمة الدولية للهجرة من أجل الاستجابة تم تسليمها”
نزوح جماعي
وخلال زيارة له إلى إثيوبيا،أوضح المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، أن المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع تسببت بنزوح “حوالي ثمانية ملايين” سوداني.
وقال غراندي في مؤتمر صحفي عقده في أديس أبابا إن النزاع أدى إلى “تهجير حوالى 8 ملايين شخص من ديارهم في السودان، نزح غالبيتهم داخليا، وإلى الخارج أيضا بشكل متزايد”.
وأضاف أن “أكثر من 1,5 مليون لجأوا إلى الدول المجاورة: مصر وتشاد وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا”.
وتستضيف إثيوبيا منذ /أبريل 2023 حوالى 50 ألف لاجئ فروا من المعارك في السودان،و تجاوز عدد الوافدين الجدد إلى تشاد 500 ألف شخص منذ ، وفي جنوب السودان يعبر ما متوسطه 1500 شخص يوميا البلاد”.
وانتقد المفوض كون “الأزمة في السودان التي تسببت بمعاناة إنسانية هائلة ، تواجه ضعفا في التمويل” مشيرا إلى أنه تم توفير “أقل من 40% من الميزانية” المطلوبة العام الماضي ،وأكد أن “هذا غير مقبول ،وأنا أفهم أن هناك أزمات أخرى أكثر وضوحا. لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد حاجة ملحة”.
وأعلن في المؤتمر “سمعت قصصا مؤلمة عن فقدان عائلة وأصدقاء ومنازل وسبل العيش لكن وسط هذا اليأس، لمست أيضا تصميم اللاجئين على المضي قدما اذا قدمنا لهم الدعم والفرص”.
تهجير قسري
تقول هناء عبدالمنعم وهي احد ساكني العاصمة الخرطوم “اضطررنا للخروج من منزلنا بحي بري منذ الأيام الأولى للحرب،وذلك بعد ان كانت القذائف تصل الى اسفل سرير غرفتي حيث يقع منزلنا في منطقه تماس ،تجاورها الكثير من المرافق العسكرية وظلت الاشتباكات متواصلة، وقررنا النزوح الى بورتسودان يوم ان دخل علينا عناصر من مليشيات الدعم السريع ،وقاموا بتهديدنا ونهب اموالنا
وتضيف” للكرامة”: تركنا الخرطوم ولم يكن في الحسبان ان نترك هذه المدينة التي تربينا فيها وعشنا فيها لسنوات ابدا.”
بالمقابل تقول أم عبدالله “مجرد التفكير في ترك منزلنا في مدينة ودمدني بولاية الجزيرة كانت فكرة مرفوضة تمام سواء مني أو من أولادي الى ان داهمتنا في يوم من الأيام جماعة “حميدتي “, وقامت بتفتيش المنزل بشكل مرعب تحت ذريعة انهم رصدوا إخبارية تقول بان المنزل فيه ضباط يتبعون للجيش – كمية الرعب والخوف والقلق الذي ارتسم على وجوه ابنائي لم اشهده من قبل وقررت التحلي بالصبر وعدم ترك هذا الموقف يزعزع كياني. بعد يومين عادوا لمنزلنا ،وقاموا بإطلاق الرصاص في الهواء بشكل شديد وهستيري، يومها فقط قررت ترك كل شي والنجاة بأولادي الى اقرب مدينة آمنة”
تحد صارخ
لم تكتف ميليشيات «حميدتي » بممارساتها الإرهابية، حيث اتجهت مخططاتها إلى تغيير الطبيعة الديموغرافية للسودان وهويته وتركيبته السكانية والتاريخية،في المناطق التي تسيطر عليها عبر تهجير السكان بشكل رئيسي.
ولجأت الميليشيات بعد فشلها في السيطرة على الحكم ، إلى استهداف النسيج الاجتماعي السوداني لتفكيكه وتمزيق هويته، للحصول على أتباع وأنصار ومقاتلين جدد، ولأجل تحقيق تلك الأهداف، استخدم «الجنجويد» تغيير الديموغرافيا ،وذلك بتوطين أسر مناصرة لهم ومرتزقة اجانب في منازل المواطنين المهجرين
وتعكس عمليات التهجير المتكررة التي دأبت عليها مليشيا الدعم السريع مدى استهتار المليشيا بالقوانين والأعراف الدولية التي تجرم مثل هذه الأفعال.
ويعرّف القانون الدولي التهجير القسري بأنه إخلاء غير قانوني لمجموعة من السكان والأفراد من الأرض التي يقيمون عليها، وهو ما يندرج ضمن جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، كونها تؤدي إلى إنهاء ارتباط الناس بالحياة والأرض التي نشؤوا فيها وعاشوا عليها وما يترتب على ذلك من مآسٍ ومعاناة ترافقهم طيلة حياتهم.
ووفق ما ورد في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن “إبعاد السكان أو النقل القسري لهم، متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين يشكل جريمة ضد الإنسانية”، كما حظرت المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص، أو نفيهم من مناطق سكنهم إلى أراض أخرى
تغيير ديموغرافي
وقال الناشط الحقوقي هيثم مختار ،إن التهجير القسري الذي تقوم به مليشيات الدعم السريع يعتبر أحد خطر جرائم الحرب التي ترتبكها بحق الشعب السوداني ،موضحا أنها تمارس سياسة تهجير السكان لأهداف مختلفة منها التغيير الديموغرافي ،حيث تقوم باستقدام مجاميع من عناصرها لإحلالهم بدلاً عن السكان الاصليين الذي يعيشون في هذه المدن منذ مئات السنين
وذكر أن مليشيات الدعم السريعة تُدرك أن ليس لها قبول، لذلك تقدم على تنفيذ حملات التهجير القسري ،وتعد سياسة التهجير واحدة من طرق الإرهاب التي تمارسها المليشيا بحق المواطنين وذلك امتداد لأعمال القتل والسلب والنهب الذي تقوم به منذ تمردها على الدولة، وجريمة تضاف لسجلها الحافل بالجرائم والانتهاكات”
وأوضح ، في تصريحات لـ«الكرامة »، عن استخدام «الجنجويد » للأعيان المدنية كالمطارات والمستشفيات ومدارس الأطفال المحمية طبقاً للاتفاقيات الدولية في تخزين السلاح وغيرها من الاستخدامات العسكرية العدائية
ودعأ مختار المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف صريح وواضح إزاء الجرائم النكراء للمليشيا،والشروع الفوري في تصنيفها منظمة إرهابية،وتجفيف منابعها المالية والسياسية والإعلامية،ودعم جهود الجيش السوداني لتثبيت سيطرته على كامل الأراضي السودانية