معارك موازية..!

“الحياد تجاه الطرف الآخر هي أول خطوة لمساعدته” .. د.سمية الناصر ..!

أن تَحكُم دولةً متراميةَ الأطراف أو أن تكون لك القَوامة على أسرةٍ أفرادُها بِضْعةُ أشخاص، كلاهما حالان تشتركان في أوجهٍ عديدةٍ للشبه، أولها الاستعداد لتحمل المسئولية وأولاها توافر الأهلية للقيام بأعباء تلك المسئولية..!

لكن مفهوم الرُّشد “الذي يُلَخِّصه الشرع في الأهلية لاكتساب الحقوق والمقدرة على تحمل الواجبات” يؤطره ذات المجتمع الذي يحتكم إلى الشرع في معظم قضاياه بإطارٍ عُرفيٍ بليد، مفاده تقديم الرجل في الحصول على بعض الحقوق من جهة، وتأخيره في بعض الأحكام التي تستوجب العقاب من جهةٍ أخرى ..!

هذه الحرب عَرَّت مساوئنا وفضحت عيوبنا ووضعت قيم سودانية كثيرة – ظللنا نتشدق بها ونفاخر – على محَك الاختبارات القاسية والتجارب العملية، ثم ظهرت النتائج التي جاءت بياناً بالعمل ..!

بعد تعاقب الفصول على اندلاع هذه الحرب وانعكاس نتائجها الكارثية على معاش الناس وعلاقاتهم الاجتماعية على وجه العموم – والأسرية والشخصية على وجه الخصوص – ظهرت معظم علل ومزالق وإشكالات ومهالك العلاقات النسائية الرجالية في سودان ما قبل الحرب..!

ازدياد معدلات الانفصال الوجداني بين الشركاء في مؤسسة الزواج في ظروف الحرب التي نعيشها هي المعادل الموضوعي لأزمات “الرَّجالة” الطاحنة التي حاقت بعروش الزوجات – قبل اندلاعها بعقود – وأقلقت خدور ربات البيوت القابعات بانتظار رجل البيت الذي يدخل حاملاً رزق أهله وشاهراً صوت قوامته ..!

ليس بكاءاً على لبن الخدور المسكوب وليس تباكياً من مآلات الندية الفكرية التي ظللنا ننادي بها، لكنها تأملات جادة في صور ووجوه أزمة الرجالة التي شاعت وتفشت وضربت بأطنابها في عقر دار الأسرة السودانية الحديثة ..!

إحلال وإبدال تاريخي خطير اضطر المرأة زوجة كانت أو أختاً أو ابنة للعب دور شاق ومزدوج، لكن نشوب هذه الحرب – وما أعقبها من نزوح ولجوء – أجلس معظم النساء العاملات على مقاعد البدلاء وأجبر معظم الرجال علي الاضطلاع بأدوار القوامة التي ما عاد من الممكن أن تلعبها النساء إنابة عنهم..!

الشرع يساوي بين الرجل والمرأة في معظم الأحوال، فالخطأ هو الخطأ، والجنحة هي الجنحة، والجريمة هي الجريمة، والرذيلة هي الرذيلة، بحسب شرع الله الذي خلق الذكر والأنثى وساوى بينهما في المسئولية الأخلاقية والعقوبة الجنائية، والجزاء في الآخرة. لكن العرف يظلم المرأة، ويبارك صور التمييز على أساس النوع..!

العرف الذي تُعاقب بموجبه الأخت على بعض ما يفعله الأخ دون أدنى عقاب، ولذلك فهو يتوقع من زوجته أن تتجاوز عن أخطائه ونزواته كما كان يفعل والداه ..!

والنتيجة بيوت هَشَّة، وأبواب مُغلقة على علاقات مُحتَقِنة، وأمهات وآباء تُعساء يتَملَّقون المجتمع بالمظاهر، ويَتَّقُون شرور أحكامه بالإصرار على تبجيل الأعراف الفاسدة..!

ومجتمع انتقائي في دولة مُفكَّكة، ظلت تتعاقَب عليها حكومات فاشلة، وحُكَّام مُدَّعين، ومسئولين أدعياء. إلى أن جاءت هذه الحرب التي نسأل الله أن تقايض صبرنا على أهوالها بنجاحها في إعادة بناء كل هذا الخراب!.
munaabuzaid2@gmail.com