عندما التقيت (حميدتي) في بيت (أبو آمنة حامد)

بقلم :عماد البشرى

يبدو المقال موحيا بالدهشة من اين لحميدتي ان يكون في بيت ابوامنة حامد شاعر الشرق المتمرد والمثقف المختلف ، لكن للامر سره

التقيت ابوامنه في العام 1997 ونحن طلاب في جامعة الخرطوم ،كان لقاءا مدهشا فمنذ نعومة احساسي وانا تسكنني كلماته المتفردة المنسجمة مع اي وجدان نقي (وشوشني العبير)  و(بهجة او رجع البلد) و(فرحة او حققنا احلامنا) و(بنحب من بلدنا ) و(سال من شعرها الذهب) لكني اتوه في بساطة الفكرة وعمق التناول في (جاري وانا جارو) .

كلها اعمال جعلت من ابوامنة نجيب محفوظ حارة القلب السوداني بتفاصيل الانكسار والانتصار والشهد والدموع في محراب المشاعر

التقيته وكنت متعجبا وانا لم ازر هيا مدينته وقتها كيف لمدينة تعشقها الكتاحة والحرارة القاسية ان تنجب مثل هذا الفارس للكلمة ؟، وسالته اين منزله في هيا ان زرتها يوما ما فاجابني بلطفه الساخر وسيمائه الغريبة (كل هيا بيتي ياولد ، شكلك شافع ماهين! )

احتفيت جدا بهذا التوصيف ومن يومها وانا احلم بزيارة هيا وزرتها لكن كان الالم جواز مروري لها كانت ليلة من ليالي سبتمبر من العام 2023 ونحن في الطريق الى عطبرة والحرب اغلقت الطرق النبيلة واوجدت طرق وعرة لئيمة الملامح والتفاصيل تطيل السمر والتسكع مع العربات حتى ينفض منك كل صبر.

وانا  اتوسد السماء ولفحة باردة تنبئ بليلة قاسية الملامح وفي عنقريب ب(لامخدة) او فراش فقط حقيبتي التي احمل فيها اغراض خفيفة وكتاب وانا افتقد كل شي اسرتي الصغيرة والكبيرة وافتقد ملامحي بين ردهات المايكرفون والكاميرا وتنتابني،الظنون والتساؤلات اذا احدهم يهتف ان هناك خطاب لحميدتي في الجزيرة كان اول خطاب له بعد الحرب اي بعد 4 اشهر ونيف من بدايتها هب كل الناس الى تلفاز في ركن قصي في المقهى وكمباراة في كرة القدم كانت تصلني هتافات الناس واختلاف الاراء البعض شامتا في الجميع على خجل يناصر ذلك الصعلوك حميدتي والاخر حمل كل كراهية الدنيا له وبالفعل تناقش رجلان حتى وصل الامر مرحلة العراك بالايدي وحميدتي يتحدث ويوصف مايدور في عقله من خزعبلات

لم يستوقفن في هذا الاشيئ واحد بعد اربعة اشهر لم اصدق ان التقي حميدتي في شاشة وفي بيت ابوامنة حامد حينها تذكرت عبارته كل هيا منزلي واحسست وقتها دون كل الحضور بسخرية التاريخ والفرق بين هذا وذاك بين رجل جاء من اقصى الشرق يسعي بالجمال مترع بقوميته العربية وناصريته وجمال مفرداته المتمردة على السائد ويهز عرش المشاعر وقدم من تلك المنطقة المنسية للناس اغلى المشاعر وبين ذلك الراعي الذي جاء من اقصى الغرب وقدم للتاريخ اسوا دروس الحقد والغباء وتذكرت رائعة الراحل محمد سعد دياب حين قال

الشرق اتى والغرب اتي

وتلاقت قمم يامرحى

لكن هنا لم تتلاقى قمم بل تلاقت مفارقات التاريخ فالبون شاسع بين منزل هيا ومنزل حميدتي الذي لم يحسم بعد اين هو بالفعل وهل هو سوداني ابا واما ام في الامر سياقات اخرى .

ايا كان ومهما طالت الحرب سيكون حميدتي مثل نيرون عندما حرق روما سيذكر في تواريخ مظلمة تنتهي عند اطفالنا بنهاية الامتحان ويبصق كل طفل على تلك الاحداث اما ابوامنة سيظل منهجا انسانيا متكاملا من الثالثة عشر حتى الممات يظل لحظه حب وتمنيات القياء عندما تحب بت الجيران انت تردد (يابت انا ودالحلة وعاشقك وحياة الله)بكل نبل المشاعر وادبها وسيظل ابوامنةلحظه الزفاف والفرح المباح نردد معه (حققنا احلامنا وكل عاشق عقباله) حتى الحلم بالجمال سيكون حاضرا في حدائقه (كلما عبثت به نسمة مال )

هي حركة التاريخ خلدت بيت ابوامنة رغم الطقس وقسوة الايام لكنها ماتزال تبحث لحميدتي عن بيت لعنه الله والزمه جهنم اينما كان.