الجنيه السوداني.. تدهور دراماتيكي
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو
ماتزال العملة الوطنية “الجنيه السوداني” تتهاوى بشكل مريع أمام “تسونامي” العملات الأجنبية، حيث انخفض سعر الجنيه ووصل إلى مستويات تأريخية ومخيفة أمام العملات الأجنبية، الأمر الذي انعكس سلباً على القطاع المصرفي الذي يواجه اضطرابات اهتزت على إثرها بنية الاقتصاد الوطني المأزوم أصلاً مما شكل ضغوطاً كبيرة على البلاد التي تعاني ظروفاً أمنياً قاهرة منذ الخامس عشر من أبريل 2023م جراء الحرب التي أشعلت فتيلها ميليشيا الدعم السريع.
إجراءات مصرفية:
وفي محاولةٍ منه لوقف التدهور المستمر لقيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الأخرى، أصدر بنك السودان المركزي في مايو 2024م، قراراً قضى بتحديد السحب اليومي من أموال العملاء بالبنوك، ورفع سقف التحويلات عبر التطبيقات المصرفي، وقال محافظ البنك المركزي برعي الصديق حينها، إن البنك رفع سقف التحويلات عبر التطبيقات البنكية إلى 15 مليون جنيه يومياً، مبيناً أن البنك حدد سقف السحب اليومي عبر نوافذ البنوك بـ300 مليون جنيه يومياً، كما حدد السحب اليومي عبر الصرافات الآلية بـ50 ألف جنيه يومياً.
إغلاق حسابات:
وأغلق بنك السودان المركزي عدداً من الحسابات في عدد من البنوك يُعتقد أنها تضارب في العملة بالسوق الموازي، وتوقف 70% من فروع المصارف في المناطق التي تشهد معارك، وتعرضت ممتلكات وأصول عدد من البنوك للنهب والسرقة، ويرى مراقبون أن البنك المركزي نفسه قد ساهم في تدهور العملة الوطنية بتوسعه في تقديم الاستدانة لوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي التي فقدت معظم مصادر إيراداتها بسبب تطورات الحرب، مما ألقى بعبء كبير على البنك المركزي الذي تحمل وحده تبعات الصرف نيابة عن وزارة المالية، التي انخفضت إيراداتها إلى أكثر من 80 بالمئة، بسبب الحرب، حيث تراجع حجم الصادرات والواردات في العام 2023 بنسبة 23 بالمئة، مقارنة بالعام 2022م.
أسباب تدهور الجنية:
وتناول الخبير الاقتصادي بروفيسور عبد العظيم المهل عميد كلية الاقتصاد بجامعة السودان عدة أسباب قال إنها وراء التدهور الدراماتيكي لسعر الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية، من بينها الحرب وتمدد رقعتها وتداعياتها المتمثلة في نهب البنوك والمصارف، وقال بروفيسور المهل في حديثه للكرامة إن تحويل المسروقات إلى دولار أدى إلى زيادة الطلب على الدولار وبالتالي ارتفاع سعره، إضافة إلى توقف عجلة الإنتاج بصورة شبه كاملة، منوهاً إلى ارتفاع سعر الدولار بصورة كبيرة بعد اجتياح المتمردين مناطق الإنتاج في ولاية الجزيرة وتخوم ولاية سنار، وهروب رأس المال الأجنبي والسوداني للخارج وتسييل الأصول وشراء العملات الأجنبية باي سعر، مبيناً أن زيادة عدد اللاجئين السودانيين بالخارج، أدى إلى حرمان السودان من أهم مصدر من مصادر العملة الأجنبية، حيث تذهب 80٪ من تحويلات السودانيين إلى دول اللجوء في مصر ويوغندا وجنوب السودان وإثيوبيا وغيرها.
إدارة اقتصاد الحرب:
ويرى الصحفي والمحلل الاقتصادي الأستاذ عاصم إسماعيل أن ثلاثة عوامل أثرت بشكل مباشر على تدهور الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية أولها عدم وجود التنسيق المحكم ما بين السياسات المالية والسياسات المصرفية، وثانيها ضعف عوائد الصادرات السودانية المختلفة سواءً من النفط أو الذهب أو المنتجات المحلية، وثالثها توقف تحويلات المغتربين التي كانت تصل ما بين 3– 5 مليار دولار سنوياً، وأبان الأستاذ عاصم أن الحكومة لم تستطع أن تدير اقتصاد الحرب وفتحت الباب بمصرعيه أمام السياسات المصرفية التي قال إنها حجّمت مسألة السيولة النقدية ” الجنيه السوداني ” بالنسبة لعملاء المصارف مما جعل الكثير من العملاء يمتنعون عن الإيداع سواءً في بنك السودان المركزي أو البنوك التجارية مما أفقد المصارف السودانية الودائع، وأكد عاصم في حديثه للكرامة أن كل ما تبقى من عملات أجنبية داخل بنك السودان أو البنوك التجارية سحبتها الحكومة لشراء الأسلحة والمعدات الحربية.
مضاربات:
فقد الجنيه السوداني 45 بالمائة من قيمته في البنوك خلال شهر واحد، هكذا ابتدر المحلل الاقتصادي دكتور هيثم فتحي حديثه (للكرامة) مبيناً أن تزايد الفرق بين الأسعار الرسمية وغير الرسمية يشير إلى عدم استقرار السوق أو إلى ارتفاع في مستوى التداول غير الرسمي والمضاربات، مؤكداً أن سعر الصرف الحالي لا يُعطي مؤشراً حقيقياً بسبب عدم استقرار الوضع الاقتصادي، باعتبار أن السعر الحالي يمكن أن يعبر عن مصالح بعض التجار الذين يستفيدون من التحويلات من خلال المضاربة والمتاجرة في العملات خاصة مع تحول كثير من التجار بعد الحرب إلى تجارة العملات والأسلحة والمضاربات، متوقعاً استمرار تدهور قيمة الجنيه السوداني في ظل هذه الأوضاع مع استمرار الحرب.
استمرار الانهيار:
وتوقع دكتور هيثم فتحي استمرار تدهور الجنيه السوداني بشكله المتسارع، مشدداً في الوقت نفسه على أهمية تطمين المواطنين ليقوموا بإيداع أموالهم، مع أهمية توفر احتياطي من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي، منادياً بضرورة أن تعمل الحكومة على ضخ عملات أجنبية في البنوك من أجل تحقيق نوع من الأمان وصولاً إلى السيطرة على سعر الصرف، وإغلاق باب التكهنات، وتوفير العملات للعلاج والسفر والدراسة، بجانب سحب الفائض النقدي من العملة المحلية من السوق المحلي، ومحاصرة انتشار العملات المزيفة التي قال إنها انتشرت بصورة كبيرة وتتميز بدرجة عالية من الاتقان في بعض المناطق، مع وجود طلب عالي للحصول على الدولار مما أدى للارتفاع المتزايد لسعر الصرف، بجانب قلة الصادرات ارتفاع الواردات عبر التجارة الحدودية مع دول الجوار، وقال دكتور هيثم فتحي إن زيادة سعر الصرف سوف تؤدي إلى مزيد من ارتفاع معدلات من التضخم وارتفاع الأسعار ما لم يتم تداركه بقرارات تشجيعية تسهيلات للصادرات، وتحفيز زيادة الإنتاج والإنتاجية خارج مناطق الحرب، مطالباً الحكومة للعمل على التعاون وطلب الدعم من الدولة الشقيقة مع السودان لتثبيت سعر الجنيه مقابل العملات.
لا حلول مرتقبة:
ليس من حلول مرتقبة في القريب العاجل لكبح جماع الدولار وإيقاف تدهور الجنيه السوداني ما لم تتوقف الحرب، يقول الأستاذ عاصم إسماعيل المحلل الاقتصادي ويقترح في حديثه للكرامة بضرورة أن تعمل الحكومة على توفر إيرادات ودعم خارجي يتعلق بالمجهود الحربي يخفف من وطأة الضغط على المعيشة السودانية، مع ضرورة محاربة السوق السوداء التي قال إنها تتحكم في عملية البيع والشراء حيث تقوم الحكومة بشراء الدولار من السوق الموازي، وحذر الأستاذ عاصم إسماعيل من الإجراءات التي اتخذتها البنوك برفع قيمة الدولار إلى حوالي ألفي جنيه، والتي تصل في السوق الموازي إلى أكثر من 2200 جنيه، واصفاً الأمر بالمؤشر الخطير لعدم وجود إيرادات حقيقية لدى البنوك وعدم وجود دعم، وهروب العملات إلى الخارج في ظل الاضطراب الأمني، وأشار الأستاذ عاصم إسماعيل توجه الحكومة إلى شرق أسيا وروسيا وبعض دول أفريقيا، وقال إنها تحركات لاستجلاب إيرادات ودعم للمجهود الحربي ومحاولة تخفيف الضغوط على الأوضاع المعيشية.
مقترحات حلول:
ويطرح الخبير الاقتصادي بروفيسور عبد العظيم المهل عميد كلية الاقتصاد بجامعة السودان مقترحات لإيقاف تدهور الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية منها تكوين مجلس لوزارة المالية من كفاءات واختصاصيين بواسطة رأس الدولة، على أن تكون قرارات هذا المجلس إلزامية لوزير المالية، ويطالب بروفيسور المهل في حديثه للكرامة يإعلان ورقة العملة الوطنية فئة ألف وفئة خمسمائة جنيه غير مبرئة للذمة، مع ضرورة تشجيع المستثمرين الأجانب والمحليين للاستثمار في المناطق الآمنة داخل السودان، مطالباً بضرورة أن تلتفت الحكومة إلى هموم الناس وتلبية رغباتهم وزاد ” ولا يوجد ما يمنع من التفاوض لوقف نزيف الدم السوداني فقد وصل الناس إلى حد رفع الراية البيضاء وعلى الحكومة الشروع فوراً في حل المشكلة بصورة علمية بعيداً عن التعصب والعناد حتى لو أدى الأمر إلى استبيان لمعرفة أراء المواطنين.