السودان وتشاد.. قواسم مشتركة وأزمات متجددة

تقرير: إسماعيل جبريل تيسو

اتفقت مصر وتشاد على ضرورة تركيز الجهود على تشجيع الدول المانحة والمنظمات الدولية المعنية لتفي بتعهداتها في مجال الدعم الإنساني للسودان بالتعاون والتنسيق مع دول الجوار لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية لكافة المناطق السودانية، والعمل على تكثيف التنسيق من أجل التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في أسرع وقت لحقن دماء الشعب السوداني، وكان وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج السفير بدر عبد العاطي قد استقبل بالقاهرة السيد عبد الرحمن غلام الله وزير الدولة وزير الخارجية والتعاون الدولي والتشاديين بالخارج الناطق الرسمي باسم الحكومة التشادية، حيث تبادل الوزيران وجهات النظر بشأن تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في السودان.
توتر العلاقات:
وتعكّرَ صفو العلاقة بين الخرطوم وانجمينا منذ اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل 2023م، والتي كانت قد أشعلت فتيلها ميليشيا الدعم السريع بتمردها على القوات المسلحة السودانية بدعم وإسناد لوجستي مباشر من دولة الإمارات، وفي نوفمبر 2023م اتهم مساعد القائد العام للقوات المسلحة عضو مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن ياسر العطا، الحكومة التشادية بالسماح لميليشيا الدعم السريع اتخاذ أراضيها منفذاً لتمرير المعدات والعتاد العربي القادم من الإمارات عبر مطاري أم جرس وانجمينا التشاديين، وهو الأمر الذي نفته الحكومة التشادية، بيد أن الحكومة السودانية أكدت امتلاكها أدلة وبراهين دفعت بها ضمن شكواها التي تقدمت بها إلى مجلس الأمن الدولي ضد دولة الإمارات.
192 ألف لاجئ:
وتستقبل تشاد منذ اندلاع الحرب في السودان، نحو 192 ألف لاجئ سوداني في مخيم مؤقت قرب مدينة أدري على الحدود السودانية التشادية، وكان الرئيس التشادي الفريق محمد إدريس ديبي قد تفقد في شهر يونيو من العام المنصرم 2023م، أوضاع اللاجئين السودانيين في الحدود التشادية السودانية والذين وصلوا في ظروف إنسانية وصحية بالغة التعقيد، حيث وجه الرئيس محمد ديبي المسؤولين في المنظمات الإنسانية والحكومة والعاملين في المنسقية الوطنية لإيواء اللاجئين والنازحين بتقديم العناية اللازمة للسودانيين المتضررين من الحرب والذين لجؤا إلى تشاد.
تداخل قبلي:
وتعيش على الحدود السودانية التشادية مجموعة من المكونات العشائرية والقبلية المتداخلة والمتصاهرة بين البلدين والتي تلعب دوراً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً مهماً في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، ولعل من أبرز هذه المكونات القبلية وأهمها، قبيلة الزغاوة التي يعيش غالبية أفرادها بين السودان وتشاد، ويتمتعون بمناصب رفيعة في البلدين، فالرئيس الحالي لتشاد الفريق محمد إدريس ديبي ينتمي إلى قبيلة الزغاوة، وينتمي إلى ذات القبيلة في السودان، كلٌّ من حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي قائد حركة جيش تحرير السودان، ودكتور جبريل إبراهيم محمد وزير المالية والتخطيط الاقتصادي رئيس حركة العدل والمساواة السودانية.
علاقات أزلية:
ويؤكد الباحث التشادي دكتور إسماعيل محمد طاهر أستاذ الجغرافية السياسية في الجامعات التشادية أن العلاقات بين الشعوب نشأت من قبل مسميات هذه الدول بحدودها المعروفة، وقال في حديثه (للكرامة) من العاصمة انجمينا إن علاقات تشاد بالسودان قديمة وممتدة ومرتكزة على تداخل إثني وثقافي ولغوي وتجاري، مرتبطة بسلوكيات وأنماط حياة مشتركة، مستنداً إلى ذاكرة التأريخ التي تحكي عن تشاديين لبوا نداء الثورة المهدية وشاركوا في حركة التحرر من الاستعمار البريطاني، مثلما شارك سودانيون في نضال تشاد للتحرير من الاستعمار الفرنسي، وتناول الباحث دكتور إسماعيل محمد طاهر التلاقح الديني والعقائدي المتصل بين الشعبين التشادي والسوداني، منوهاً إلى ارتباط الكثير من السودانيين بالطريقة التيجانية، وارتباط الكثير من التشاديين والسودانيين بمراكز التعليم في البلدين مما يعكس تقارب الشعبين في التفكير والرؤية المشتركة، مؤكداً وجود خلط في التركيبة السكانية والإثنية من قبل ظهور الدولة بشكلها الحديث والتي ظهر معها قدر كبير من الحركة التجارية والاقتصادية والتبادلية والمعرفية والتداخلية التي تمخضت عنها حركة تصاهر انتجت مجموعات بشرية تعيش في قرى ومدن ومناطق داخل السودان وداخل تشاد، مبيناً أن الشعوب هي المحرك الأساسي لانتعاش علاقة البلدين وهي المثبت والمكافح من أجل استقرار هذه العلاقة التي قال إنها أكبر من أن تُختزل في خلاف سياسي شكلي سينتهي طال الزمن أو قصر.
استعادة العلاقة:
وعلى ذات الخطى يمضي الصحفي الأستاذ عاطف مصطفى الذي شدد على أهمية استعادة بريق العلاقات الثنائية بين السودان وتشاد في ظل التقارب الحميم الذي ظل يربط شعبي البلدين بحكم الجوار والتداخل القبلي والعلاقات الاجتماعية، وقال عاطف في حديثه (للكرامة) من العاصمة انجمينا إن العلاقات بين حكومة البلدين مرت بالكثير من المنعطفات السياسية والانكسارات والتوترات الأمنية، ولكن علاقات البلدين سرعان ما تعود إلى سابق عهدها، مؤكداً أن تأرجح العلاقات السياسية لم يؤثر على علاقة الشعبين وتعاطف كلٍّ مع الآخر ، خاصة في ظل الأزمات التي تضرب البلدين على شاكلة ما يجري حالياً في السودان، إذ لجأ الكثير من السودانيين إلى الجارة تشاد لارتباط وجداني دفعهم إلى اتخاذ هذه الخطوة، وأشاد عاطف بالحفاوة والترحاب الكبير الذي وجده السودانيون من الشعب التشادي الذي تعامل من منطلق وجداني وإنساني مع إخوتهم السودانيين رغم ضخامة العدد الذي وصل إلى تشاد.
تأثيرات الحرب:
ويؤكد الباحث التشادي دكتور إسماعيل محمد طاهر أن الحرب الجارية حالياً في السودان قد انعكست سلباً على الحكومة التشادية عطفاً على تدفق اللاجئين الذين يستنزفون الدولة من حيث الإنفاق والصرف على الاحتياجات الضرورية للمتأثرين، ولكنه أكد أن المواطن التشادي تعاطف مع أخيه السوداني وتعاطى معه بترحاب كبير وقاسمه ما يستطيع من احتياجات، وكشف دكتور إسماعيل محمد طاهر عن بعض التأثيرات التي أحدثتها الحرب على التعاون التجاري بين البلدين باعتبار أن تشاد تمثل منفذاً للسودان إلى غرب أفريقيا، فيما يمثل السودان معبراً لتشاد إلى العالم عبر ميناء بورتسودان بالبحر الأحمر، هذا فضلاً عن تأثر التجارة الحدودية في إقليم دارفور حيث يتم تداول بعض المنتجات، ولم يخفِ دكتور إسماعيل تخوفه من التأثيرات الأمنية للحرب الدائرة في السودان على تشاد باعتبار أن هذه الحروب التي تقع في المنطقة قد يكون لها امتدادات وتداعيات من خلال نشاط بعض المتفلتين الذين يقومون بزعزعة الاستقرار السياسي والوضع الأمني العسكري ولكنه لا يؤثر على تداخل الشعوب واندماجهم مع بعضهم.
خاتمة مهمة:
على كلٍّ فإن ما يجمع السودان بتشاد أكبر مما يفرق بينهما في التأريخ والجغرافية والمصير المشترك، وعلى النخب المستنيرة في البلدين أن تجتهد في سبر أغوار المشتركات التي تربط شعبي البلدين والبحث في سبل تعزيزها وتقويتها وتطويرها ودفع القيادة السياسية في البلدين إلى الارتهان للمصالح المشتركة التي تربط الخرطوم بانجمينا من أجل علاقات جوار متميزة تقوم على حماية الظهر والإيثار على النفس لصالح الآخر بعيداً عن اللهث وراء الأجندة الخارجية، وقد أفرزت الحرب الجارية في السودان حالياً دورساً مستفادة تأثرت بها تشاد سياسياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً، والعكس صحيح، ذلك أن البلدين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

اقرأ أيضا