غرف (القحتجنجويد)..التعويض بالحرب النفسية
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو
كشفت الأحداث والمعارك التي شهدتها مدينتا سنار وسنجة خلال اليومين الماضيين، حجم وشراسة الفرقعات الإعلامية والحرب النفسية التي تنتهجها الغرف المنسوبة للقحاتة والجنجويد في بث السموم ونشر الشائعات وسط المواطنين، بالتركيز على إعلان انسحاب الجيش من مواقعه بغرض إثارة البلبلة والزعزعة حتى يغادر المواطنون منازلهم وبيوتهم، لتكون عرضة للنهب والسلب، من قبل الخلايا النائمة و”الشفشافة” الذين يتحركون بمجرد انطلاق الرصاصة الأولى من القوة المهاجمة في سماء المدينة المُداهمة.
الخلايا النائمة:
وتقول مصادر متطابقة من داخل سنجة في حديثها للكرامة إن ميليشيا الدعم السريع دخلت إلى المدينة عن طريق أبناء سنجة أنفسهم من القحاتة والعملاء والخونة والطابور الخامس، الذين سربوا معلومة خلو سنجة من الجيش بعد خروج قوات الفرقة 17 مشاة وانضمامهم إلى القوات المعنية بحماية مدينة سنار، وحصار ميليشيا الجنجويد المتحصنة من وراء جدر داخل قرى بمنطقة جبل موية، فتحركت الميليشيا المتمردة بقيادة المقدم البيشي ابن المنطقة، وأحكموا قبضتهم على قيادة الفرقة 17 مشاة، لتتحرك بموجب هذه الخطوة الخلايا النائمة والشفاشفة والمتفلتون الذين مارسوا عادتهم في النهب والسلب.
ترويع وتهجير:
ورُوّعت مدينتا سنجة وسنار خلال اليومين الماضيين جراء الحملة التي نظمتها الغرف الإعلامية التابعة للقحاتة وميليشيا الدعم السريع، حيث فرّ عدد مهول من المواطنين بجلدهم نحو المدن والقرى المجاورة لمدينتي سنجة وسنار كالدندر وأبو حجار، وود النيّل وكساب وغيرها، هذا وقد وصل عدد من المواطنين الفارين إلى تخوم مدينة الدمازين حاضرة إقليم النيل الأزرق، حيث ازدحمت منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية بصور ومشاهد مأساوية لحالة نزوح واسعة لمواطنين يقطعون مسافات طويلة سيراً على الأقدام، منهم أطفال ونساء وعجزة ومسنون، ومنهم مرضى تحملهم كراسي متحركة، ويقول شهود عيان إن كثيراً من هؤلاء النازحين والفارين من جحيم النار في سنجة وسنار، تعرضوا لعمليات نهب وسلب من متفلتين قطعوا عليهم الطرق.
فرح القحاتة:
وضجّت عدة صفحات على منصات التواصل الاجتماعي منسوبة لميليشيا الدعم السريع وداعميهم من القحاتة، بكتابات ومدونات ينضح ماعونها بفرح كبير جراء سقوط مدينة سنجة في أيدي ميليشيا الدعم السريع، حيث سخرت هذه المواقع من ما وصفته بضعف الجيش وعدم قدرته على التصدي لعدد 7 تاتشرات و40 دراجة نارية اجتاحت المدينة وجه النهار، فانسحبوا أمامها وسلموا لهم سنجة تسليم مفتاح مثلما حدث في مدينة ود مدني، وذهبت الغرف الإعلامية للقحاتة والجنجويد أبعد من ذلك بتوعد الجيش بالهزيمة واستمرار توغل الميليشيا وإسقاط المدن واحدة تلو الأخرى حتى الوصول إلى مدينة بورتسودان، وسخرت غرف الجنجويد والقحاتة من ما وصفته ببيع الوهم والأمل الكاذب الذي يمارسه داعمو الجيش.
زعزعة سنار:
وكانت مدينة سنار قد شهدت يوم الثلاثاء الماضي ذات محاولة إثارة البلبلة وزعزعة استقرار سكان المدينة من خلال نشر الغرف الإعلامية للقحاتة وميليشيا الدعم السريع معلومات وصوراً ومقاطع فيديو تشير إلى دخول ميليشيا الجنجويد إلى مدينة سنار، حيث انتشرت هذه الأخبار بسرعة مذهلة وسط المدينة مما أثار هلع وفزع المواطنين الذين حزم الكثير منهم ما خفّ وزنه من أمتعة واحتياجات ضرورية، وغادر مدينة سنار إلى مناطق مجاورة، ومنهم من استقر به المقام في مدينة سنجة حاضرة ولاية سنار، ولم يعودوا حتى بعد أن طمأنت لجنة أمن ولاية سنار المواطنين بتدمير الميليشيا التي حاولت التسلل إلى مدينة سنار.
حملة مدعومة:
وانتشر للخبير العسكري اللواء متقاعد عادل حسن حميدة تسجيلا صوتيا في منصات التواصل الاجتماعي يتناول أبعاد الحملة الإعلامية المناوئة للجيش والتي تديرها غرف القحاتة وداعمي ميليشيا الدعم السريع من الخونة والعملاء والمرتزقة، حيث يقلل اللواء عادل حميدة من هذه الحملة الشرسة التي تدعمها دولة الإمارات وتدار بمهنية حالية حسب وصفه، مبيناً أن الحملة تحاول دقّ إسفين في علاقة الموطن بقواته المسلحة، وذلك من أجل زعزعة ثقة المواطن في الجيش، وتفكيك قاعدة التلاحم والتكاتف التي أفرزتها الحرب وربطت ما بين الجيش والشعب” جيشٌ واحد شعبٌ واحد “، وأكد اللواء حميدة أن وجود دولة السودان رهينٌ بوجود القوات المسلحة، وأن تثبيت الوطن مرهونٌ بانتصار القوات المسلحة.
ويؤكد الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة العميد ركن نبيل عبد الله أن الحرب الإعلامية ضد القوات المسلحة بدأت مبكراً جداً باستغلال ظروف التغيير في البلد وطرح الدعم السريع كبديل للقوات المسلحة بإيعاز من داعمي المليشيا الحاليين في الخارج، وقال نبيل في حديثه (للكرامة) امس إن القوات المسلحة كانت تلاحظ تسخير ميزانيات وإمكانيات كبيرة وتحالفات مع الدعم السريع من أجل تنفيذ هذه الحملات الإعلامية التي تطورت إلى عمليات لخلخلة المجتمع وهتك النسيج الاجتماعي بين مكونات السودان من خلال افتعال وخلق المشكلات القبلية ومن ثم تطرح المليشيا نفسها كوسيط لعقد المصالحات وكمنقذ، وأبان نبيل عبدالله أن الحملات الإعلامية المصحوبة بالإجراءات بلغت ذروتها قبيل الحرب، وازدادت كثافتها مع دخول الحرب مراحل متقدمة حيث أخذت هذه الحملات الموجهة تأخذاً منحىً جديداً باستهداف ميليشيا الدعم السريع للمدن في محاولة منها لهزِّ ثقة المواطنين في الدولة وقواتها المسلحة من ناحية، ومن ناحية كان يخدمون أغراضهم بتفريغ المدن تحت وطأة الهلع لنهب وسرقة الممتلكات العامة والخاصة والاستفادة من الأعيان المدنية لخدمة أهدافهم العملياتية.
حرب نفسية:
ويقول الباحث والإعلامي الأستاذ الركابي حسن يعقوب إن ميليشيا الدعم السريع المتمردة عمدت إلى استخدام الحرب النفسية والدعاية السوداء بعد أن مُنيت بهزائم متلاحقة في ميدان المواجهة العسكري، مشيراً في حديثه (للكرامة) إلى لجوء الدعامة إلى حيلة نشر الشائعات وتصميم رسائل دعائية مفبركة ومُعدة مسبقاً تتحدث عن انتصارات وهمية تزعم أنها حققتها، ونوّه الركابي إلى ملاحظة مهمة حول تركيز الغرف الإعلامية للجنجويد على بث صور وفيديوهات و تسجيلات وملصقات في السوشيال ميديا، تنتقد قيادات القوات المسلحة بزعم تقصيرهم في حماية المواطنين، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك باتهام هذه القيادات بالخيانة والانسحاب المتعمد عن بعض المدن وترك المواطنين في مواجهة الميليشيا.
خطة خبيثة:
ويتناول الباحث والإعلامي الركابي حسن يعقوب في حديثه للكرامة اهتمام قادة ميليشيا الدعم السريع المتمردة في الآونة الأخيرة بالهجوم العشوائي على القرى والبلدات وبعض المؤسسات والأعيان المدنية، وتوثيق هذه الهجمات ومن ثم بثها في الأسافير، زاعمةً سيطرتها على هذه المواقع، التي سرعان ما يفرِّون منها ليلاحقهم الجيش ويقضي عليهم ويأسر بعضهم، مبيناً أن ميليشيا الدعم السريع تستهدف من وراء هذه الأفعال تنفيذ خطة استراتيجية خبيثة تقضي بنشر الرعب والفزع في نفوس المواطنين ليغادروا مناطقهم ويصبّوا جام غضبهم على الجيش بفرية عجزه عن الاضطلاع بمهمته في حمايتهم، وهو أمرٌ مقصود به زعزعة ثقة المواطن في قواته المسلحة، وإحداث خلخلة في جدار التأييد الشعبي للجيش.
خاتمة مهمة:
على كلٍّ يبدو أن مليشيا الدعم السريع وداعميها من القحاتة والطابور الخامس قد وجدوا ضالتهم في ولاية سنار باستهداف مدينة سنجة وتهديد مدينة سنار، وبث الرهبة والرعب في قلوب المواطنين، وهو أمرٌ يتطلب وعياً كبيراً وتفهماً من قبل سكان المنطقة بالنظر في مرآة الدروس والعبر التي قدمتها الفاشر في الثبات وكسر شوكة الخلايا النائمة والدفاع المستميت عن المدينة التي أصبحت مقبرة لكبار قادة الميليشيا المتمردة، والعاقل من اتعظ بغيره.