جرائم المليشيا: الكشف عن أكثر من”100″ مقبرة جماعية لضحايا الحرب
- المقابر الجماعية .. جرائم المليشيا المفجعة
- منازل ومساجد وساحات وملاعب تحولت إلى مقابر جماعية
- المليشيا أرتكبت مجازر بشرية في الخرطوم والجزيرة ودارفور
- أكوام التراب تخفي قصصاً لمئات الأرواح التي ازهقها الجنجويد
تقرير: رحمة عبدالمنعم
في مشهد يعيد إلى الأذهان صور الحروب الأكثر دموية ، تستمر مدن السودان التي هاجمتها مليشيات الدعم السريع في كشف جراحها للعالم ، تحت أكوام التراب تخفي المدن قصصاً لمئات الأرواح التي ازهقها الجنجويد ،قصص لم ترو بعد ، عن أحلام قتلت قبل ان تزهر،وحيوات انتهت قبل اوانها ،وأن كل شبر في مدن الخرطوم والجزيرة ودرافور قد يكون مأوى لروح رحلت أوقصة لم تحكى بعد، حيث الدمار يعانق الأفق ،تروي الشوارع الموحشة وساحات كرة القدم التي تحولت لمقابر جماعية قصة مدن تجرعت مرارة المجازر البشرية
مقابر جماعية
وكشفت تقارير محلية ودولية تحصلت عليها “الكرامة ” عن أكتشاف أكثر من “100” مقبرة جماعية لضحايا الحرب في ولايات الخرطوم والجزيرة ودارفور
وشهدت بعض أحياء العاصمة في الأسابيع الأولى للحرب اشتباكات مباشرة بين الجيش ومليشيات الدعم السريع المتمردة قتل إثرها آلاف المدنيين، ولم يتمكن المتطوعون في دفن الموتى من الحصول على ممرات آمنة لنقل الجثامين إلى المقابر.فقاموا بدفن الموتى في قبور جماعية منتشرة على الطرقات والساحات في العاصمة الخرطوم
وتحولت ساحة عامة قرب شارع عبيد ختم شرق العاصمة حاليا إلى مقابر لعشرات الجثث التي دفنت في هذا الموقع، حسب ما أظهر صور أُخذت عبر “الأقمار الاصطناعية” من نشطاء سودانيين.،و أظهرت الصور وجود ما لا يقل عن 40 إلى 50 مقبرة في هذه الساحة
ودُفن أهالي مدينة أمدرمان شُهدائهم الذين قُتلوا في مواجهات حرب الخامس عشر من أبريل في مقبرة جماعية لكثرة الاعداد،و ان معظم الضحايا كانوا من آحياء الثورة 11 والقمائر والخدير،بينما أكد ناشطون حقوقيون عبر منصات التواصل الإجتماعي عن وجود أكثر من 20 مقبرة جماعية في مدينة امدرمان
وكانت لجان مقاومة بانت شرق قد نشرت في حسابها على” فيسبوك” صورًا لفناء دار لجان الخدمات بالحي، والذي تحول إلى مقبرة جماعية بعد أن فرضت الدعم السريع حصارًا على المنطقة دام لتسعة أشهر.
وأوضحت صور حديثة بالأقمار الإصطناعية لمدينة الخرطوم، وجود مقابر جماعية داخل نادي الهلال بامدرمان، بالمساحة الموجودة شمال الملعب الرديف للنادي.
الأقمار الصناعية
وأظهرت صور الأقمار الصناعية تنامي وتوسع المقابر الجماعية في إقليم دارفور غرب السودان، جراء الحرب المستمرة منذ منتصف العام الماضي بين قوات الجيش و مليشيات الدعم السريع.
وشهد الطرف الجنوبي من دارفور توسع مقبرة مخيم زمزم للنازحين المزدحم، الذي يؤوي مئات الآلاف من الأشخاص بمعدل 2.5 مرة في النصف الأول من عام 2024 عما كانت عليه في النصف الثاني من 2023. وتوسعت عدة مقابر أخرى بسرعة في أماكن متعددة من دارفور، التي دمرتها الحرب، بحسب ما أوردت وكالة رويترز،
وأفادت بأن عدد المقابر الجماعية التي توسعت بشكل سريع خلال الأشهر القليلة الماضية بلغ نحو 14 في خمسة مجتمعات بأنحاء دارفور، فيما نمت مساحة المقابر الجديدة بمعدل أسرع بثلاث مرات في النصف الأول من 2024 مقارنة بالنصف الثاني من العام الماضي
وفي وقت سابق ،قال مكتب الأمم المتحدة المشترك لحقوق الإنسان أنه تلقى تقارير “موثوقة” عن وجود ما لا يقل عن 13 مقبرة جماعية في الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور والمناطق المحيطة بها
واوضح في منشور على منصة “إكس” (تويتر سابقا)- إن المقابر المكتشفة كانت نتيجة هجمات شنتها قوات الدعم السريع ومليشيات عربية مسلحة على مدنيين، مشيرة إلى أن معظم الضحايا من عرقية المساليت.
وفي بداية شهر يونيو الجاري ، شيع أهالي منطقة ودالنورة بولاية الجزيرة ضحايا الحرب من المدنيين ودفنوهم بشكل جماعي، ونشر ناشطون على مواقع التواصل مقاطع فيديو تظهر تشييع عشرات القتلى من مجزرة ود النورة، ودفنهم في مقبرة جديدة بميدان كبير وسط الأحياء السكنية.
مآسي الحرب
وفي ولاية الخرطوم، حيث الدمار يعانق الأفق ، تروي الشوارع الموحشة والمقابر الجماعية قصة مدينة تجرعت مرارة الحرب، الجثامين المتحللة، التي تُركت لتشهد على الفظائع، تنتشر في كل مكان، وكأنها تناجي الحياة التي غادرتها بصمت،
ويقول عبدالله موسى، الذي يعمل ضمن فرق المتطوعين،و يقف شاهدًا على هذا الخراب الإنساني، وصفه للوضع لا يخلو من الألم: “كارثي”، هكذا يقول، وهو يتحدث عن رائحة الموت التي تغزو كل زاوية وتنتشر في الأزقة والساحات، تلك الرائحة التي تُذكّر بأن الموت كان هنا، وما زال.
يقول موسى لـ”االكرامة”:وجدنا مقابر جماعية في الساحات والمنازل والمساجد في منطقة امدرمان وبحثنا عن الشهداء لم يتوقف، عشرات القتلى المجهولين من النساء والأطفال الذي نعتقد أنهم مجهولين لأن ذويهم سبقوهم إلى الشهادة فلم يعد هناك من يسأل عن مفقودين بعد أن فقدت أسر كاملة.
وتابع موسى، عدد كبير من الجثث وجدنا عليها اثار تعذيب، وعدد آخر من الجثث كان مقيد الأمر الذي يدل أنه كان مقبوضًا عليه وتمت تصفيته على يد المليشيا، هذا بالإضافة إلى عدد من الجثث وجدناها مشنوقة داخل المنازل
القانون الدولي
ويرى حقوقيون إن استمرار مثل هذه الكوارث الإنسانية يجب أن يدفع المجتمع الدولي إلى التحرك الفوري لحماية حقوق الإنسان في السودان ومحاسبة مليشيات الدعم السريع على هذه الجرائم الشنيعة
وعرفت الأمم المتحدة المقبرة الجماعية بأنها موقع دفن يحتوي على ثلاث أو أكثر من جثث بشرية متعددة ،قد يتم اولا يتم التعرف عليها قبل الدفن
وعادة ما يتم إنشاء المقابر الجماعية بعد وفاة أو قتل عديد من الأشخاص ويتم دفن الجثث بسرعة لمخاوف تتعلق بالإعلام أو بنشر الجريمة على الملأ، وقد تظهر المقابر الجماعية خلال النزاعات الكبرى مثل الحرب والجريمة المنظمة، وكذلك في المجاعة أو بعد وقوع وباء أو كوارث طبيعية.
وفي اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها المؤرخة في الـ11 من ديسمبر 1946، أعلن أن الإبادة الجماعية جريمة بمقتضى القانون الدولي، تتعارض مع روح الأمم المتحدة وأهدافها ويدينها العالم المتمدن، وقد ألحقت في جميع عصور التاريخ خسائر جسيمة بالإنسانية.
وجاء في المادة الأولى “تصادق الأطراف المتعاقدة على أن الإبادة الجماعية، سواء ارتكبت في أيام السلم أو أثناء الحرب، فهي جريمة بمقتضى القانون الدولي، وتتعهد بمنعها والمعاقبة عليها”. وحددت المادة الثانية أن هذه الاتفاقية تعني أياً من الأفعال التالية المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية.
أما المادة السادسة فجاء فيها أن الأشخاص المتهمين بارتكاب الإبادة يحاكمون أمام محكمة متخصصة من محاكم الدولة التي ارتكب الفعل على أرضها، أو أمام محكمة جزائية دولية تكون ذات اختصاص إزاء من يكون من الأطراف المتعاقدة قد اعترف بولايتها.
حقوق الإنسان
وقال الناشط الحقوقي الطيب عبدون : ان المقابر الجماعية التي اظهرتها الاقمار الصناعية ومن قبل بثها ناشطون على مواقع التواصل الإجتماعي تمثل انتهاكاً لحقوق الإنسان،و هي عار على البشريةو،مثل هذه الأحداث تشكل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان والقوانين الدولية، فالمقابر الجماعية تعكس حجم العنف والقتل الذي يشهده الشعب السوداني، وسنظل ندعو إلى ضرورة محاسبة مليشيات حميدتي على هذه الجرائم البشعة
وأضاف عبدون، لـ” الكرامة”، ما يحدث يشكل واقعًا مريرًا يجب مواجهته بجدية، وتعتبر هذه المقابر انتهاكًا واضحًا لحقوق الإنسان وتندرج ضمن جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي الإنساني، مؤكدًا ضرورة محاسبة المليشيا دولياً على تلك الجرائم وألا يقف العالم صامتًا كما يحدث الآن، على جرائم الجنجويد
وتابع ،: ينبغي تقديم الدعم والرعاية اللازمين لأسر الضحايا وضمان حقوقهم المادية والمعنوية، كما يجب على المجتمع الدولي زيادة الوعي بأوضاع حقوق الإنسان في السودان وضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لحمايتها.