لا تُمكرثوا أقلامنا..!
“قيمة الإنسان شجرة وعي الديمقراطية أهم عناصر تمثيلها الضوئي”.. الكاتبة..!
الإعلامية الأمريكية الشهيرة “أوبرا وينفري” شخصية ثورية عظيمة حاربت العنصرية واستثمرت نجاحها المهني الباهر في شجبها والتنديد بكافة صورها، ثم انتصرت عليها بعد أن كانت إحدى ضحاياها..!
لكنها – في معرض ثورتها على العنصرية – اكتسبت عنصريةً مضادة، باعتبار أن لكل فعل ردة فعل مساويه له في القوة ومعاكسة له في الاتجاه، بحسب أحد قوانين الحركة التي وضعها السيد نيوتن ..!
الذين يقودون تيار المكارثية الجديدة في سودان ما بعد الحرب معظهم مثل أوبرا وينفري، يحبون هذا السودان على طريقتهم، أو على طريقة الدب الذي هشم رأس صاحبه وهو يحاول قتل ذبابة حطت عليه..!
معظم الناس في بلادنا حكاماً كانوا أم معارضين، أباطرةً كانوا أم ثائرين، يشقُّ عليهم قبول – أو حتى احترام – حق الآخر في الاختلاف عنهم، باتخاذ الموقف الذي يقنعه وإن كان لا يرضيهم ..!
ثورة الإنسان على كل ما لا يحفظ كرامته حق إنساني يستحق الاحترام، والمطالب العادلة للشعوب الحرة أنهارٌ تستحق أن تجري كيفما شاءت وأنَّى شاءت، ولم يحدث قط – عبر التاريخ – أن اندلعت أي خلافات سياسية قال فيها الشعب كلمته بالإجماع..!
غلبة المواقف تأتي دوماً كنتيجة راجحة لصدارة الأغلبية، والأغلبية في هذا السودان ضد اادعم السريع وضد من يحالفه، هذه حقيقة لا ينكرها إلا جاهل أو مكابر ..!
استبداد الحكام السابقين لا يعني أن يتحول المعارضون لهم بعد نجاح الثورة عليهم إلى أباطرة لاحقين يصدرون أحكام الإدانة بموالاتهم ويمنحون صكوك الغفران بالبراءة منها، ويكيلون الاتهامات للصحافة الحرة..!
إذ لا فرق بين سلوكهم – والحال كذلك – وسلوك من ثاروا عليهم. السابقون أسقطتهم تلك الثورة واللاحقون فضحتهم هذه الحرب..!
ومن لا يؤمن بوجود الصحافة الحرة فليرجع إلى تاريخها، وليقرأ مثلاً مقال إميل زولا الشهير الذي تضمن رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية الفرنسية قبل نحو أكثر من قرن وربع القرن..!
المقال قامت بنشره أهم الصحف الباريسية في صفحتها الأولى، على الرغم من كونه يتّهم أعلى قيادات الجيش الفرنسي بمعاداة السامية وتكبيل العدالة بحكمها على ضابط يهودي بالسجن المؤبد ظلماً بعد أن تمّ اتّهامه زوراً بالتجسس.
وقد غيّر ذلك المقال “مجرى المحاكمة جذرياً وإلى الأبد، فانقسم الشعب الفرنسي بأكمله بين مؤيد ومعارض، وتمّ اتّهام زولا بالتشهير، وقدم لمحاكمة جنائية وحُكم عليه بالسجن، ففر من البلاد وعاد إليها بعد سقوط الحكومة التي تمت إدانته بالسجن في عهدها..!
وكان من آثار مقاله ذاك أن عرضت الحكومة الجديدة على الضابط اليهودي المظلوم عفواً مقابل اعترافه بالذنب أو أن تُعاد مُحاكمته، فقبل العفو رغم براءته خوفاً من الإدانة ظلماً من جديد..!
لكن الصحافة الحرة أكملت رسالتها وتمت تبرئة الرجل بعد سنوات من إطلاق سراحه، وبقي ذلك المقال في أرشيف الصحافة العالمية شاهداً على الدور العظيم للسلطة الرابعة..!
munaabuzaid2@gmail.com