الامين…حكاية رجل دفن ثلاث ابناء في الصحراء

وتتواصل فواجع التهريب…
الامين…حكاية رجل دفن ثلاث ابناء في الصحراء.!
اعدها للنشر: احمد دندش
لملم المواطن السوداني الامين احمد ماتبقى من مقتنيات وحاجيات ضرورية في حقيبته قبل ان يتأبط ابناءه الثلاثه احمد ومحمد ومجد الدين في رحلة فرضتها ظروف الحرب لدولة مصر عبر (التهريب) تلك الرحلة التي لم يكن يتوقع الامين ان تكون بكل تلك القسوة والبؤس والالم.
(١)
والامين احد السودانيين الذين اضطروا لمغادرة ديارهم بسبب الحرب التي دقت ناقوسها في الخرطوم ابريل العام الماضي، حيث وجد الامين رب الاسرة نفسه امام امتحانات صعبة للغاية اولها البقاء والصمود وسط النيران والدانات العشوائية، او الانتقال لولاية آمنة وبدء حياة جديدة هناك، او الهجرة بطريقة غير شرعية لدولة مصر ومحاولة البدء من هناك وفي البال دراسة الابناء التي كانت في قمة اهتماماته واولوياته.
(٢)
رب الاسرة المكلوم، اختار الخيار الاخير وبدأ في ترتيب نفسه لرحلة طويلة شاقة محفوفة بالمخاطر من كل جانب، لكن حلمه بان يجد لابنائه مستقبلا افضل كان اقوى من مخاوفه، تلك المخاوف التي كان يحاول جاهداً اخفاءها عبر رسم ابتسامة امام ابنائه الذين ايضاً كانوا يستمدون منه الطمأنينة والثبات، ويحلمون بغد افضل.
(٣)
منشورات ورسائل وتنبيهات عديدة اصطدم بها الامين وهو يضع حقيبته على السيارة التي ستقلهم عبر الصحراء للحدود المصرية، تلك التنبيهات والمنشورات التي تحذر من خطورة الهجرة غير الشرعية او العشوائية لمصر عبر الصحراء نظراً لحرارة الطقس المميتة والمصاعب الاخرى، تلك التنبيهات التي اقلقت الامين جداً، لكن ماذا يفعل..؟…لايوجد امامه اي سبيل سوى المخاطرة من اجل ابنائه، وقد كان.
(٤)
قطع الامين وابناؤه مسافة طويلة، برغم اشتداد سخونة الاجواء والعطش الذي ضرب الحلوق واحالها الى كتل يابسة، وبرغم كل ذلك، كانت الاسرة تتشبث ببعضها البعض وكلها في امل في الوصول قريباً للحدود ومن ثم بداية حياة جديدة و….
حدثت الفجيعة، حيث فقد الامين ابنه الاوسط محمد في الساعة الرابعة في اليوم الاخير من الرحلة، ليقوم بدفنه هو واخوته وسط الدموع والصدمة العنيفة، ولكن لان الاقدار غالبا ماتقسو بشدة فقد باغتت الصدمة العنيفة الامين وهو يفقد ابنه الاكبر احمد بعد ساعتين فقط من فقدان الاول، ليقوم بدفنه ايضاً قبل ان يصل لاسوان برفقة ابنه الاخير مجد الدين وللاسف كانت الاقدار اكثر اصراراً ليرحل اخر ابنائه ويودع الدنيا بعد الوصول متأثراً بالاجهاد والمرض، ليقوم الامين بالعودة ودفنه مع اخوته قبل ان يصل لمصر وحيداً يحمل آلماً ووجعاً ربما كان كفيلاً بأن يشطره لنصفين.
(٥)
الامين كان ثابتاً وصابراً خلال مقابلة اجرتها معه قناة (الحدث) امس الاول من مقر اقامته ب(عين شمس)، حيث روى التفاصيل الاليمة لماحدث، وقدم نصيحة غالية لكل من يفكر في ان يسلك ذات الطريق الملغوم ويكرر بأسف: (لو عاد بي الزمان لما اقدمت على هذه الخطوة)، قبل ان يستغفر الله ويدعو لابنائه بالرحمة وسط دموعه التي كانت لوحدها كفيلة بان تجعلك تدرك اي صدمة واي حزن واي الم ذاك الذي يعتصر قلب الرجل والذي فقد ابناءه الثلاث في آن واحد.!
(٦)
قصة الامين وفجيعته ومصابه العظيم، ربما كانت من ضمن عشرات القصص الاليمة التي كان مسرحها الصحراء القاسية، والتي تبتلع بلا رحمة الصغار والكبار معاً، ذلك الامر الذي يجعل من الضرورة بمكان التريث والتفكير قبل الاقدام على تلك الخطوة، مع تسليمنا التام بالقضاء والقدر.