ليس منَّا..!
“إن لم تزد على الحياة شيئاً فأنت زائد عليها”.. مصطفى صادق الرافعي..!
من الدروس المستفادة من حكايات الثورة المصرية والجديرة بالوقوف فالتأمُّل، ومن ثم الاعتبار، تلك الظروف التي صاحبت عودة الدكتور محمد البرادعي قبيل اندلاع ثورة يناير والإشكالات التي أعقبت شروعه في الاشتراك بالتغيير، وما انتهى إليه من اتهام بالعمالة ووصم بالخيانة..!
أما لماذا الدكتور البرادعي تحديداً، فلأنه كان يمثل – على وجه العموم- ذات الفكرة التي يمثلها العائدون من الخارج بعد انتصار الثورة – حمدوك مثالاً – للمُشاركة في بناء التغيير بالسودان..!
وأعني بالفكرة موقف القابعين بالداخل وعلى رأسهم المثقفون والسياسيون الذين عارضوا النظام السابق من فكرة “عودة جودو”..!
الآمال التي يعقدونها على الوطنيين القادمين من دول العالم الأول والأشواق التي يبذلونها للوقوف على طرائق حكم وفنون إدارة جديدة تشبه رصانة ونزاهة وديناميكية وجودة العالم الأول ..!
ثم بعض التفاصيل التي قد يعثرون عليها أو يتعثرون بها في معرض حماستهم لاستيراد فنون وطرائق التغيير عبر وطنيين أفذاذ جمعوا الحسنيين “الكفاءة المهنية والجدارة السياسية من جهة والاتصال المباشر بالكيانات المهنية والمؤسسات التنفيذية العملاقة في دول العالم الأول من جهة أخرى”..!
في كتابه “عشت مرتين” يروي الإعلامي المصري الراحل “حمدي قنديل” بعض المواقف التي صاحبت اقترابه من الدكتور البرادعي ثم ابتعاده عنه لأسباب من السياسة وأسباب من الكياسة. وعلى الرغم من تكذيبه لشائعة حصول البرادعي على الجنسية النمساوية وشائعة كونه عميلاً للولايات المتحدة، إلا أنّ ذلك لم يمنعه من انتقاده في مواقف عديدة..!
منها تجاهله لثلاثة آلاف شاب وقفوا لمدة ثلاث ساعات لاستقباله رغم تأخُّر الطائرة وظلّوا ينادونه باسمه، لكن سيارته لم تتوقف للحظة لتحيتهم. ومنها ذكره لمعلومة مغلوطة مفادها أن الرئيس عبد الناصر قام بدفن الإخوان المسلمين أحياءً. ومنها اعتماده على شبكة الإنترنت للتواصل مع مريديه وسفره المتكرر متعللاً بأنّ شبكة الإنترنت قد ألغت المسافات..!
ومنها فشله في التواصل الإنساني مع مؤيديه، فهو لا يتواصل معهم إلا من خلال شقيقه، وهو رغم تأخُّر الاجتماعات المسائية في منزله لم يكن يعرض على ضيوفه شيئاً من الطعام ولا حتى “ساندوتش فول”. ومنها كذبه بالقول بأنّ هذا “متفق عليه” وهو ليس كذلك. ومنها رفضه المُساهمة في دفع إيجار شقة تكون مقراً لاجتماعات مُؤيِّديه. ومنها خيانته للأمانة التي علقها عليه أنصاره بتقديم استقالته..!
خلاصة القول عند حمدي قنديل الذي كان من مُؤيِّدي البرادعي هي وصفه إياه في نهاية الأمر بالآتي “البرادعي كما عرفته متردداً، كاذباً، أنانياً، لا يتحمّل المسؤولية، لا يقبل رأياً آخر، البرادعي ليس منَّا”..!
أما خلاصة القول عندي فهي “ليس منا” هذه لأنني أعتقد أنّ البرادعي – بعيدٌ عن كونه صالحاً أو طالحاً – كان يتعامل بالبرود الأوروبي، والحذر الأوروبي، ويقيس المسافات بينه والناس بالمعايير الأوروبية. بينما لكل بقعة على ظهر البسيطة خصوصيتها الإثنية والتاريخية والجُغرافية والثقافية، وعليه فلا يمكن أن نحكم على الدائرة بقواعد المربع ثم نتوقّع أن ينجح القياس..!
إن أول وأولى موجبات القبول الرسمي والشعبي لأي سياسي كان مغترباً – ثم عاد ليخدم وطنه – هي أن يتواضع، وأن يتواصل، وأن يتشعبن، والأهم من ذلك كله أن يكون وطنياً ومنتجاً وغير تابع لأي أجندة. خارجية، وإلا فقد موجبات النصرة، وأضاع أسباب القبول..!
munaabuzaid2@gmail.com