متفقٌ عليه..!

“الاستعمار هو نتيجة حتمية لانحطاطنا”.. مالك. بن نبي..!

كان من المفترض أن تكون الحلقة الثانية من برنامج “هناك فرق” الذي كنت أقوم بإعداده وتقديمه على قناة النيل الأزرق – قبل نحو عامين – عن “فض الاعتصام”، وكان من المفترض أن يكون ضيفاها الأستاذ “نبيل أديب” رئيس لجنة التحقيق في فض الاعتصام، والمهندس “صديق يوسف” القيادي بالحزب الشيوعي ..!
لظرفٍ ما اعتذر الأستاذ “نبيل أديب” قبل موعد الحلقة بنحو أربع عشرة ساعة، فآثرتُ أن أستثمر حضور المهندس “صديق يوسف” في الحديث عن المؤسسية والديمقراطية والمواقف السياسية للأحزاب السودانية “الحزب الشيوعي مثالاً”..!
بدأ الحديث عن “بدر شاكر السياب” في العراق، و”شيبون” في السودان،  ومقالات “صلاح أحمد إبراهيم” المبعثرة بين دار الوثائق ومكتبة الكونغرس، ونصه الشعري الشهير” دوريان جراي” .. إلخ.. ثم سألت العم “صديق” عن حروب اغتيال الشخصية التي يقول البعض إن الحزب يشنها على كل من يقول بغم..!
وسألته عن موقفهم من الوثيقة الدستورية، وعن أخبار الانشقاقات داخل الحزب، وعن مدى استعدادهم في حال قيام انتخابات، وعن الأحزاب التي قامت بخلع خيامها وغادرت قبل فض الاعتصام..!
وكيف يقرأ هو أسباب ومظاهر الفجوة بين الأحزاب والشارع السياسي في تلك الفترة ، وعن علاقتهم بالشباب الذي يتظاهر في الشوارع قبل الثورة وبعدها، ولماذا خذلت الأحزاب السودانية الشباب الثائر وبددت أحلامه وانشغلت بالخلافات السياسية بعد الثورة..!
وأين هم من تدشين برنامج استراتيجي لإعداد القادة الجدد، ولماذا يصرون على تكرار ذات المواقف ويتوقعون نتائج مختلفة. ولماذا يكتفون بترديد ذات الشعارات التي خذلتهم وانطفأ بريقها ولم تعد تعني شيئاً لأجيال لاحقة فقدت ثقتها تماماً بنزاهة السابقين وجدواهم ..!

وقد أجاب المهندس “صديق يوسف” على كل الأسئلة بمنتهى الدقة والترتيب والموضوعية، وبل مراوغة أو اختصار أو إطناب. وهذا هو النهج الصارم لمعظم الشيوعيين، بعيداً عن ماهية طرحهم أو مضمونه السياسي..!

معظمهم يتفقون على الالتزام بما يرونه صواباً ويدفعون أثمان مواقفهم السياسية – أخلاقيةً موضوعيةً كانت أم متطرفة – عن طيب خاطر، حتى وإن لزموا في سبيل ذلك ما لا يلزم..!

على ذات النهج الصارم والوضوح السرمدي ساق الحزب الشيوعي في معرض اعتذاره عن المشاركة في مؤتمر تقدم من الأسباب المبدئية والموانع الأخلاقية ما يجعل اتفاقه مع تلك التنسيقية – في أي شأن يخص هذه الحرب – عصياً ومستعصياً..!
الإنجاز الذي يحسب لتقدم هو أن موقفها من هذه الحرب هو السبب في أنه ولأول مرة في التاريخ يتفق الإسلاميون في أقصى اليمين والشيوعيون في أقصى اليسار – فضلاً عن السودانيين اللا منتمين سياسياً – على عدم الاعتراف بمصداقية وجدارة ذات الكيان السياسي..!

ذات الكيان الذي تشبه حاله حال العجوز التي فرحت باشتعال النيران في كوخها لأنها ستخلصها من بق الفراش، فاستبشرت بالخراب وهللت “كيتاً على المارقوت”!.

munaabuzaid2@gmail.com