الوثيقة الدستورية .. جدل السياسة والقانون
ما بين الشرعية وتعزيز القبضة العسكرية..
الوثيقة الدستورية .. جدل السياسة والقانون
اتفاق على ضعف الوثيقة وضرورة التعديل..
مطالبات بالرجوع إلى دستور2005م، بدلاً من صياغة وثيقة جديدة..
الكفاءات مطلب المرحلة من أجل تهيئة المشهد لانتخابات نزيهة وشفافة..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو
يعتزم السيد رئيس مجلس السيادة الانتقالي، القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، إلغاء الوثيقة الدستورية، والإعلان عن وثيقة أخرى جديدة تكون مرشدأً ومرجعاً لإدارة شؤون البلاد خلال الفترة المقبلة، حيث يتم بموجب الوثيقة الدستورية التي تجري عملية صياغتها، تعيين رئيس وزراء مستقل، ليقوم بدوره بعملية التشاور والتحاور مع المعنيين بالأمر من أجل التوافق على تشكيل حكومة جديدة.
إلغاء وتجديد:
وكان الفريق أول ركن ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة، عضو مجلس السيادة الانتقالي قد أعلن يوم السبت الماضي أن رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان سيلغي الوثيقة الدستورية الحالية ويطرح وثيقة أخرى يتم التوافق عليها لإدارة الفترة التأسيسية للحكم الانتقالي الديمقراطي، حيث يؤطر الإعلان الدستوري الجديد لإعادة صياغة مجلس السيادة الانتقالي وتعيين رئيس وزراء مستقل ليضطلع بعملية التشاور من أجل تشكيل حكومته من كفاءات وطنية مستقلة”، إضافة إلى أطراف عملية السلام الموقعين على اتفاق سلام جوبا من حركات الكفاح المسلح الذين تمت إضافتهم إلى الوثيقة الدستورية التي تم تعديلها في أكتوبر 2020م.
توقيع الوثيقة:
ويعود تأريخ الوثيقة الدستورية إلى 17 أغسطس من العام 2019م، حيث شهد هذا اليوم توقيع كلٍّ من المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير ( الحاضنة السياسية لثورة ديسمبر 2019 ، وثيقتي “الإعلان الدستوري” و”الإعلان السياسي”، بشأن هياكل وتقاسم السلطة بين العسكريين والمدنيين خلال الفترة الانتقالية في احتفالية كبيرة بحضور رؤساء دول وحكومات وشخصيات من عدة دول، حيث وقع عن قوى الحرية والتغيير الأستاذ أحمد ربيع، فيما وقع عن المجلس العسكري، قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، فيما وقع شاهداً على هذا الاتفاق كلٌّ من رئيس الوزراء المصري، ورئيس المفوضية الأوروبية.
تطورات وتعديلات:
ولما كانت الفترة الانتقالية قد اتسمت بالكثير من التعقيدات الأمنية والتطورات السياسية، فقد انعكس ذلك على الوثيقة الدستورية التي تعرضت هي الأخرى لتطورات وأدخلت عليها تعديلات عقب التوقيع على اتفاق سلام جوبا في أكتوبر ٢٠٢٠م حيث اعتبر هذا الاتفاق جزءً لا يتجزأ من الوثيقة الدستورية وتمت المصادقة على ذلك من قبل مجلسي السيادة الانتقالي بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، ومجلس الوزراء بقيادة دكتور عبد الله حمدوك، وتمثلت أبرز التعديلات التي أدخلت على الوثيقة الدستورية في تشكيل “مجلس شركاء الفترة الانتقالية” والذي يختص بالفصل في الاختلافات التي قد تنشأ بين الأطراف السياسة المختلفة، بجانب بدء حساب الفترة الانتقالية، التي كانت محددة بـ39 شهراً.
فشل الوثيقة:
وعلى مدار أربع سنوات حسوما، هبت الكثير من الرياح والأعاصير، وارتفعت الأمواج التي حالت بين توافق واتفاق شركاء الفترة الانتقالية من المكونين المدني والعسكري، لتكون سفينة الوثيقة الدستورية، ضحية تلاطم هذه الأعاصير والأمواج التي تلاعبت بها وأفشلت مساعيها في الاستواء على الجودي، ومحاولة الوصول بالسودان إلى شاطئ للأمن والأمان، بحيث تتبلور مقاصد ثورة ديسمبر وتتحقق أهدافها الداعية إلى الحرية والسلام والعدالة.
حراك قانوني:
وأثارت إرهاصات إلغاء الوثيقة الدستورية وتبديلها بوثيقة أخرى، حراكاً سياسياً وقانونياً واسعاً في المشهد السوداني، ابتدره الرئيس السابق للجنة القانونية لتحالف قوى الحرية والتغيير ورئيس اللجنة الوطنية للتحقيق في مجزرة فض الاعتصام الخبير القانوني نبيل أديب الذي قال إن الوثيقة الدستورية هي دستور الفترة الانتقالية وما زالت كذلك، مشدداً على عدم إلغاءها الا بواسطة سلطة تأسيسية فرعية وهي حسب نص الوثيقة الدستورية المجلس التشريعي الانتقالي.
لا إلغاء إلا إذا:
ويمضي في ذات الاتجاه أستاذ القانون العام بجامعة جوبا دكتور يس حسن محمد عثمان، الذي أقرّ بعدم إمكانية إلغاء الوثيقة الدستورية إلا بواسطة الآلية التي أنشأتها، أو عن طريق استصدار أمر طوارئ مؤقت يتم تجديده كل فترة ينص على تجميد العمل ببعض بنود الوثيقة لحين التوافق على كتابة دستور جديد للبلاد، وقال دكتور يس في حديثه للكرامة إن الوثيقة الدستورية نفسها لم تتبنى طريقة تعديلها أو إلغائها، وليس من بين الوسائل التي تُلغى بها قرار من رئيس مجلس السيادة.
تعليق الوثيقة:
وتعرضت الوثيقة الدستورية الحالية والمتعلقة بإدارة المرحلة الانتقالية، إلى عملية تجميد انتظمت بعض بنودها، وذلك على خلفية الإجراءات التي كان قد اتخذها القائد العام للقوات المسلحة رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في أكتوبر من العام 2021م، عندما أعلن حالة الطوارئ التي فضّ بموجبها الشراكة السياسية مع تحالف قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي، حيث قضت حالة الطوارئ بحلّ مجلس السيادة الانتقالي، ومجلس الوزراء الذي كان يرأسه دكتور عبد الله حمدوك ويهيمن عليه وزراء من تحالف قوى الحرية والتغيير.
العودة لستور 2005:
ويؤمن نائب رئيس حزب التحرير والعدالة عثمان فضل واش على أهمية تعديل الوثيقة الدستورية الحالية التي قال إنها ولدت مشوهة، وفشل المعنيون بها في تطبيق ما تضمنته بنودها التي صُممت لاجتياز مرحلة الانتقال، وأبدى واش في حديثه للكرامة أسفه على التقاطعات والتجاذبات التي صاحبت الوثيقة الدستورية، بدخول ميليشيات وكيانات ضعيفة أضعفت من بنية الوثيقة، مشدداً على ضرورة العودة إلى دستور ٢٠٠٥ باعتباره كان متوافقاً عليه من غالبية القوى السياسية، بدلاً من صياغة وثيقة جديدة، باعتبار أن دستور ٢٠٠٥ عالج الكثير من المشكلات على حد تعبيره.
تعديل وكفاءات:
ويؤكد القانوني والصحفي والناشط السياسي تاي الله محمد سليمان على ضرورة تعديل الوثيقة الدستورية لتكون مخصصة لفترة انتقالية من كفاءات قانونية لإعادة هيكلة السلطة القضائية والنائب العام، بالإضافة إلى كفاءات اقتصادية معنية بانعاش الاقتصاد السوداني على المدى القريب، وطالب تاي الله في حديثه للكرامة بوضع خطة للمدى البعيد تنفذها حكومة كفاءات وطنية وليست حزبية تعمل على تهيئة البيئة السياسية لانتخابات حرة، مشدداً على أهمية تحييد كل من شارك في الفترة الانتقالية لكي لا يشارك في الانتخابات لضمان النزاهة والشفافية.
على كلٍّ يبدو أن مشروع الوثيقة الدستورية الجديدة سيضع البلاد أمام تحديات جديدة ويطرح الكثير من الأسئلة المتعلقة بكيفية تجاوز تداعيات الحرب، والاستفادة من المزالق التي شهدتها الفترة الانتقالية بسبب ضعف الاحتكام إلى الوثيقة الدستورية، مع أهمية البناء على الجوانب الإيجابية المتعلقة بصياغة دستور يحقق الحد المعقول من التوافق والقبول ليقود البلاد إلى تأسيس دولة الحرية والسلام والعدالة التي يتساوى أمامها الجميع.