(الحرب) .. ترتيب مواقع الفنانين في (قلوب) الشعب!
قراءة: أحمد دندش
الحرب بلا ادنى شك ستغير الكثير من الثوابت التي رسخت لسنوات طويلة، وربما ستأتي بمستحدثات جديدة فرضتها ذات ظروف الحرب والتي بلاشك هي ظروف استثنائية ومختلفة تماماً عن اي ظروف طبيعية اخرى.
(١)
الوسط الفني، سيكون احد الاضلاع التي ستشهد تغييراً كبيراً مابعد الحرب، سواء في شكل الاغنيات، او الالحان، او حتى الترتيب العام و(روليت) الفنانين ومواقعهم، وهذه
الجزئية الاخيرة تحديداً بدأت التغييرات تظهر عليها مؤخراً وحتى قبل انتهاء الحرب فعلياً.
(٢)
عدد كبير من الفنانين توهجت نجوميتهم خلال الحرب وصعدت اسهمهم الى سقف عال جداً، مما ينبئ بان المستقبل مابعد الحرب سيكون لهم، وسيحتلون بارتياح مواقع مميزة في الترتيب العام للفنانين في السودان بشكل عام، واول اولئك الفنانين الفنان الكبير كمال ترباس والذي انتشله صموده في امدرمان من المواقع العادية في الترتيب الى المقاعد الوثيرة، فظهور ترباس في سلاح المهندسين وهو يحتفل مع الجيش بانتصاراته اسهم الى حد كبير في نقل ترباس من خانة الفنانين المثيرين للجدل الى خانة الفنانين الصامدين في الحرب مع الشعب، وهي نقلة كبيرة ونوعية جداً ستدعم ترباس بشكل كبير.
(٣)
الفنانة ندى القلعة من الفنانات اللائي تربعت وبارتياح على عرش الاهتمام وحازت على ارفع اوسمة الوطنية بوقفتها، والمتابع لمسيرة ندى سيجد اختلافاً مابين الموقع الذي تجلس عليه الان بعد الحرب ومابين موقعها قبلها ، والموقع هنا لانعني به الجماهيرية او التميز، بل احتلال قلوب الشعب، فمواقف ندى ودعمها اللامحدود للجيش منحها التميز والاختلاف عن سائر الفنانين، حتى المختلفين معها فنياً اتفقوا على مواقفها تلك وبالتالي كسبت ندى جمهوراً جديداً يضاف الى جمهورها العريض.
(٤)
الفنان عاطف والسماني والفنان طه سليمان ايضاً من الفنانين الذين انتقلا بسرعة رهيبة لقمة الاهتمام والمتابعة والسيطرة على قلوب الشعب وذلك بسبب مواقفهما في دعم الاحياء التي يقطنون بها، حيث رفض طه سليمان مغادرة شمبات حتى اشتد عليه مرض والدته واضطره للمغادرة لمصر، اما عاطف فلازال باقياً في امدرمان مستنفراً ضمن صفوف الجيش وحامياً لارض الوطن بصوته وبالبندقية، ليمثل ايقونة حقيقية للفنان في زمن الحرب، هذا اضافة للفنان الشاب امجد باقيرا والذي لازال يقاتل ضمن صفوف القوات المسلحة بامدرمان حاملاً بيده اليمنى السلاح وبيده اليسرى المايكروفون يغني للصامدين هناك اغنيات الوطن والانتصار.
(٥)
وطالما قادنا الحديث عن الصمود والثبات، فاننا لن ننسى على الاطلاق الفنان الكبير ابوعركي البخيت والذي رفض مغادرة منزله وظل داعماً لاهل حيه الامدرماني العريق ود البخيت، وعركي يشبهه الكثيرون بانه (الجنيه الذهب) فهو لايفقد على الاطلاق بريقه او قيمته في سوق التبادل الحياتي وبورصة الظروف، هو ثابت وشامخ كالجبال في كل المواقف التي تستدعي ذلك، ليمثل علامة فارقة ورقماً لايمكن الوصول اليه حالياً في عالم الفن.
(٦)
(الاخوين) احمد وحسين الصادق ايضاً حافظا بذكاء كبير على مكانتهما في دواخل الشعب السوداني وذلك برفضهما القاطع للغناء لحين تحرير الوطن من دنس التمرد، قبل ان يباغتا الجميع مؤخراً ويقوما باطلاق مبادرة اعادة تأهيل مستشفى النو الامدرماني، تلك المبادرة التي عبرت وبشكل واضح عن حجز الاخوين لمساحات واسعة داخل الساحة الفنية في المستقبل..
(٧)
الفنانة عابدة الشيخ ايضاً عادت من جديد لتصبح ايقونة حقيقية لنضال المطربات السودانيات في الحرب، فعابدة لازالت داخل امدرمان صامدة تحمل السلاح وترهن روحها فداء لهذا الوطن مما يؤكد قيمتها الكبيرة داخل الساحة الفنية كفنانة تعرف جيداً ماهية الرسالة الفنية.
(٨)
عدد من الفنانون سجلوا مواقفا ورأيا واضحا في هذه الحرب، ونجحوا بذلك في الحفاظ على مواقعهم ومساحاتهم المستقبلية منهم الفنانة ميادة قمر الدين والتي كانت من اوائل الفنانين الذين اعلنوا وبوضوح انحيازهم للقوات المسلحة وقامت باطلاق اغنيتها الشهيرة (ملوك القل) والتي تعتبر من اوائل الاغنيات الداعمة للجيش بوضوح بعيداً عن الدبلوماسية او التطبيب، وكذلك جمال فرفور والذي اعلن وبوضوح دعمه المباشر واللا محدود للجيش، اضافة الى احياءه لحفل خيري قبيل اشهر دعماً للصامدين في منطقة بحري، هذا بالطبع الى جانب الشاب المجتهد مازن حامد والذي قام باحياء حفل ضخم خيري من تنظيم رتينة لدعم المطابخ المركزية ذلك الحفل الذي يستحق ان ينال لقب (الحفل الخيري الاكثر شفافية وتأثيراً).
(٩)
بالمقابل، انهارت اسهم عدد كبير جداً من الفنانين الذين كانوا قبل الحرب ملء السمع والبصر، وذلك ليس بسبب غنائهم او احيائهم لحفلات في مثل هذه الظروف ولكن لغيابهم الغامض عن اتخاذ موقف حقيقي داعم للشعب وللمواطن في مثل هذه الظروف العصيبة، اولئك الفنانون الذين سيجدون صعوبة كبيرة جداً في المستقبل في استعادة اراضيهم من جديد، بل سيجدون صعوبة في تقبل الشعب لهم ومنحهم ادنى مساحات اهتمام، فقد غابوا في ميقات الحوجة الحقيقية ولن يكون لهم متسع بالطبع في مواقيت الفرح ومواكب السعادة التي ستعقب الانتصار.
(١٠)
بالمقابل لن ننسى تضحيات عدد كبير من العازفين في هذه الحرب، يتقدمهم الشهيد مجدي كرري والذي لاقى ربه وهو يدافع عن هذه الارض الطاهرة، الى جانب عدد كبير من العازفين منهم ايضا محمد ضرار والذي لازال يقاتل في صفوف القوات المسلحة حامياً للارض والعرفض، لتؤكد قبيلة الموسيقيين السودانيين انها على العهد وانها بالفعل تحمل (احساسا) متعاظما بهذا الوطن..