محاكم طوارئ بالخرطوم.. الكلفة الباهظة للأمن

الكرامة: هبة محمود

بعد نحو أكثر من عام من اندلاع القتال في الخرطوم منتصف ابريل من العام الماضي، تعتزم السلطات الأمنية بالولاية، استصدار قرار يفرض حظر التجوال ليلا وتشكيل محاكم طوارئ، لمحاربة الجريمة والقضاء على الظواهر السالبة و السرقات.
وياتي القرار المتوقع بعد تنامي عصابات النهب وتهديد المواطنين، وسلبهم مدخراتهم داخل الولاية، جراء الانفلات الامني بسبب الحرب، وسط تحديات كبيرة لعمل السلطات الأمنية.
وفيما تباينت ردود الفعل حول القرار المرتقب، يصبح السؤال الأكثر الحاحا، حول جدوى القرار وتاثيراته وانعكاساته وعلاقته باقتراب تحرير الخرطوم، ومساهمته كذلك في مواكب عودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم؟
فاتورة الأمن
فاتورة باهظة الثمن، اضطر الآلاف من  السودانيين لدفعها منذ اندلاع الحرب في الخرطوم والجزيرة ودارفور، جعلتهم يبحثون عن ملاذ أمن، يكفل لهم حياة كريمة آمنة، في ظل الانتهاكات التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع والتي حولت تلك المدن إلى، بيئة خصبة ينشط فيها اللصوص والنهابة وقطاع الطرق.
ووسط تفاصيل الحرب الدامية، كان الأمن هو القاسم المشترك بين الجميع، كما أنه كان الفاتورة الباهظة الأغلى ثمنا، التي تم دفعها بعد سلسلة طويلة من الانتهاكات الإنسانية.
وفيما يعتقد كثير من المواطنين ان القرار المزمع للسلطات الأمنية داخل ولاية الخرطوم، بفرض حظر التجوال وإنشاء محاكم رادعة، تأخر كثيرا بعد أن قضت هذه العصابات على الأخضر واليابس خلال عام الحرب، الا انه وفق مختصين يعتبر شارة جيدة للمشهد في الولاية ينبئ بدحر التمرد، واستقرار الأوضاع في المناطق المحررة.
دور استثنائي
ويرى خبراء مختصون ان الأجهزة الشرطية الان دورها الحقيقي قد بدأ بالفعل، في ظل انهزام التمرد، مؤكدين على مواجتها تحديات كبيرة، تحتم عليها أن تكون أكثر قوة وأكثر مهنية و بذل جهد خارق في ظل حالة السيولة الأمنية.
وبحسب المتحدث السابق للشرطة العميد إدريس عبد الله ان ثمة جملة من التحديات تواجه الدولة السودانية بعد أن إنتهاء الحرب، الأمر الذى يتطلب وعى المواطن وتفهم الدولة للحالة الأمنية التى تعيشها البلاد الآن وفى المستقبل القريب كأثر مباشر للحرب ..
مؤكدا خلال افادات ل”الكرامة” ان الأمن بمفهومه الشامل “جنائي، وقائى، اقتصادي، مجتمعى” دون مواطن واعٍ ومدرك للقرارات التى ستصدرها السلطات المختصة فى ربوع السودان وفى ولاية الخرطوم على وجه الخصوص من حظرٍ للتجوال حسبما يتم تقديره وإجراءات التفتيش والضبط والإحضار وبسط هيبة الدولة، إن لم يدركها المواطن ويتفهمها ويتعاون مع أجهزته الأمنية، قد تؤدى إلى إفشال الدور الأمنى الإستثنائى الذى تتطلبه هذه المرحلة الإستثنائية.
مؤشر جيد
في مقابل ذلك قللت مجموعات من قيمة القرار، ورأت ان استمرار الحرب يعيق من تنفيذه على أرض الواقع، معتبرين ان السلطات الأمنية تنفذ مهامها في حدود المناطق المحررة من امدرمان فقط بينما تنشط العصابات في نطاق واسع من الولاية، في مناطق بحري وشرق النيل وغيرها من مختلف المحليات.
واعتبرت هذه المجموعات ان مثل تلك القرارات لا تعتبر محفز لعودة المواطنين إلى دورهم ومنازلهم، لانو العودة مرتبطة بانتهاء الحرب وإعلان الحيش الإنتصار على مليشيا الدعم السريع.
ورغم دعوات العودة الطوعية للسودان، الا ان كثير من المواطنين يتخوفون من العودة إلى ديارهم في ظل استمرار الحرب تخوفا من حالة الانفلات الامني والانتهاكات التي تمارسها المليشيا.
لكن ووفق الخبير الشرطي، العميد معاش شرطة شنان محمد الخليل، فان القرار في حد ذاته يعني ان هناك انتشار كبير للقوة الأمنية، وهو ما يعتبر مؤشر جيد ينبئ عن مضي الأوضاع بشكل ممتاز وانحسار التمرد.
مؤكدا ل (الكرامة) ان السرقات الان التي يمارسها التمرد هي ليست سوى رد فعل على انهزام المليشيا التي تسعى لإطالة أمد الحرب.
وتابع في ظل انعدام الوجود الحقيقي الآليات يصبح مطالبة الأجهزة الأمنية بالتتمدد ومحاصرة البؤر السرطانية امر واجب
تنامي عصابات النهب
والسبت كشفت مصادر خاصة ل” الكرامة”  عن قرار وشيك يفرض حظر التجوال ليلا بولاية الخرطوم بعد أن تنامت عصابات النهب وتهديد المواطنين ليلا وسلبهم مدخراتهم.
وتوقعت المصادر ان يبدأ حظر التجوال من الحادية عشر ليلا وحتى الخامسة صباحا.
ورفعت في المقابل ولاية الخرطوم ولجنة أمنها توصية للجهاز القضائي بطلب تشكيل محاكم طوارىء للمساهمة في محاربة الجريمة والقضاء على الظواهر السالبة والنشاط الهدام السرقات.
وكانت الخلية الأمنية التي تم تشكيلها مؤخرا وتضم كل القوات النظامية قد استطاعت القضاء على أسواق دقلو بامدرمان مما اضطر اللصوص إلى تحويل نشاطهم إلى الليل حيث تباع المنهوبات في جنح الظلام.
قرار مشجع
ويرى العميد معاش شرطة شنان محمد الخليل، أن القرار المتوقع استصداره سيكون مشجع لعودة المواطنين إلى المناطق المحررة والى ديارهم، مؤكدا ل الكرامة ان بقية المناطق الأخرى ما زالت مناطق عمليات وتخضع لتقدير قيادة الجيش ومتى ما انتهت المعركة تظهر قوات الشرطة.
وفي ذات المنحى يؤكد المتحدث الرسمي السابق للشرطة إدريس عبد الله ل ” الكرامة ” على أهمية الدور الشرطي والتحديات التى ستواجهها خاصة عقب الحرب.
مشيرا إلى ان السلطات الأمنية سوف تجد تنوعاً فى الجريمة وإختلافاً فى أساليبها كأثر مباشر الحرب وحتى لا تتشكل جماعات رفض قد تؤدى إلى إفشال الدور الأمنى الإستثنائى الذى تتطلبه هذه المرحلة الإستثنائية فلابد من تعاون المواطنين.
وزاد: هناك تحديات كبيرة ستواجه السلطات الأمنية منها إزدياد حالة السيولة الأمنية المتوقعة بعد إنتهاء الحرب لتكون أكثر تعقيداً إن لم تُقابل بالحسم والإجراءات القانونية الرادعة والقرارات الإدارية القوية ، كما أن الوضع الإقتصادى المتردي وإنتشار البطالة قد يؤدى إلى صراعات ونزاعات حول الموارد المحدودة فضلاً عن ضعف الخدمات الأساسية المتوقع أو إنعدامها بالكلية أو بصورة جزئية سيشكل ضغطاً على الشُرطة والأجهزة الأمنية.
وتابع: لكل ذلك ولغيره الأمر يستوجب إجراءات وتدابير فوق العادة شريطة أن يلعب الإعلام الأمنى وإعلام الدولة الرسمى دوراً بارزاً ووطنياً فى إرسال الرسائل الأمنية  التوعوية والإرشادية والتحذيرية مع تبيان ما هو مطلوب من المواطن القيام به على وجه التحديد .