كباشي والحلو .. اتفاق للتاريخ
مازال الفريق أول ركن شمس الدين كباشي يدلل على وجوده القوي في المشهد بأفعال مؤثرة ، غالباً ما تحدث الفارق، وتؤكد أن الرجل مدخر بالفعل للمهام الكبيرة، وأنه سيظل دوماً (الرائد)، بل (الفريق الذي لا يكذب أهله) في السودان.
بالأمس، أهدى كباشي، الشعب السوداني اتفاقاً جديداً مع رئيس الحركة الشعبية شمال عبد العزيز الحلو، وفتح مساراً ظنّ الناس أنه سيظل مُغلقاً، حقن بموجبه جبال النوبة بـ (مصل العافية) وجنب أهلها ويلات الجوع والمسغبة بعد أن حاصرهم سوء الحال وأطبقت الحرب عليهم من كل جانب، وساءت أوضاعهم الإنسانية للحد البعيد.
ظهر كباشي بالأمس، مُيمِّماً شطر قبلته الوطنية التي ما حاد عنها، لإبرام موعد جديد مع السلام والحياة في جبال النوبة، وتجنيب أهله وأهلها مآسٍ إنسانية كثيرة أنتجتها الحرب في مناطق الحكومة والحركة، ومع وجود الجنجويد كذلك في رقعة حبست أنفاس المواطنين، وجعلتهم مُوزّعين ما بين الموت والمرض والإحباط واليأس من أية حلول على الأرض، منتظرين رحمة السماء.
تتجسّد قيمة الاتفاق الذي وقّعه كباشي مع الحلو أمس، في أنه قابلٌ للديمومة باعتبار أنه بين جنرالين، وقد كان عهدنا بالاتفاقات الماضية أنها تُبرم بين سياسيين في أغلب الحال، خاصةً من جانب الحكومة، وتتعرّض لانتهاكات متبادلة من الجيشين، وتنتهي إلى حالة صفرية سُرعان ما تعود بالحال إلى أسوأ من المربع الأول.
ثاني هذه الأسباب، إنّه مُوقّعٌ بين اثتين من أبناء الجبال، تظل همومهما الإنسانية مشتركة وإن تباعدت المعسكرات والانتماءات، لأنّها مرتبطة بإنسان الأرض الذي يتضرّر كثيراً من خلافات المواقف السياسية.
ثالث ما يبعث على أهمية الاتفاق وقدرته على الاستمرار أن الجانبين أدركا وجود طرف ثالث يهدد المنطقة وإنسانها ويحاول أن يستوطن أرضه ويمارس عليه حملات التطهير والإبادة، ويبدو أنّ الطرفين استلهما تجربة صمود أبناء النوبة في الجيش الشعبي واتحادهم مع القوات المسلحة في الدلنج وإلحاق الهزيمة التاريخية بالجنجويد في أبرز ملاحم السودان التاريخية، نعم قد يختلف كباشي مع الحلو في علمانية الدولة مثلما حدث من قبل، وفي الأفكار وطرائق الحكم، ولكنه سيتفق معه بالتأكيد على أهمية أن يعيش مواطن جبال النوبة حراً كريماً يظله السلام الدائم.
نعم، سيضمن الاتفاق توصيل المواد الأساسية من تموين وغذاءات وأدوية ووقود وغيرها للمواطنين، بعد أن استحكم الحصار وساءت وتدهورت الأوضاع للحد البعيد.
اتفاق (كباشي – الحلو) سيؤدي بالفعل لكسر العزلة على جنوب كردفان بفعل إغلاق الطريق الرئيس ،(الدبيبات – الدلنج – كادُقلي) ، وسيفتح المسارات المغلقة في مناطق الجيشين، ويعيد التواصل بين أطراف الجبال، ويسهم في تدفُّق العون الإنساني، وكتابة النجاة للمناطق التي تأذّت كثيراً في مناطق الجيشين.
نعم، سيفضي الاتفاق إلى تعزيز التواصل بين المواطنين في مناطق سيطرة الحكومة والحركة الشعبية، وسيفتح قنوات الحوار المنتج حول التحديات والتهديدات التي تواجه المنطقة بواسطة مليشيا الدعم السريع، وربما يتطور الأمر إلى ضغط شعبي على الجانبين بتطوير الاتفاق إلى شامل ينهي معاناة إنسان جبال النوبة.
سيفضي الاتفاق بالطبع إلى تنسيق الجهود والمواقف بين الجيش وقوات الحلو لقتال مليشيا الدعم السريع في جنوب كردفان، وسيطور من التعاون في مواجهة المليشيا بعد أن فشلت محاولات كانت مبذولة لإيجاد تحالف بين بندقيتي الحلو وعبد الرحيم دقلو.
برافو سعادة الفريق أول كباشي على هذا الاختراق في جبهة مهمة، هذا صنيعٌ يؤكد علو الكعب الوطني للجنرال كباشي الذي ظل يرد على شانئيه دائماً (بيان بالعمل)، وشكراً للجنرال الحلو على إدراكه للمخاطر وانحيازه للتواصل والاتفاق مع الجيش في هذه المرحلة المُهمّـة من تاريخ الشّعب السُّوداني.