انقطاع الرواتب.. محنة العاملين بالدولة

تقرير: رحمة عبد المنعم

يعاني الآلآف من الموظفين الحكوميين في السودان جراء الحرب فقراً مدقعاً مع عدم صرف رواتبهم لما يقارب العام، ويعتبر ذلك من اسوأ انماط الانتهاكات واكثرها ثاثيراً على المجتمع، فالعاملون يعجزون عن توفير ادنى المتطلبات اليومية مما ينعكس سلباً على حياتهم وأسرهم والمجتمع بأسره، وتقول تقارير صحفية إن (859) ألف موظف وعامل في المركز والولايات لم يصرفوا رواتبهم منذ (10) أشهر!!.
أوضاع مأساوية
لم يكن يتوقع محمد الطيب الموظف الحكومي بمحلية جبل اولياء في ولاية الخرطوم، ان تحيله حرب 15 ابريل إلى عاطل عن العمل يبحث عن مصادر دخل جدبدة، كان أحدثها أن فتح محل صغير للخضار بسوق عطبرة في ولاية نهر النيل التي نزح إليها، فهو قد فقد وظيفته الإدارية في المحلية منذ 15 ابريل 2023م.
وقال الطيب في حديثه لـ(الكرامة): “بعت كل ما تمتلك اسرتي الصغيرة من مدخرات من ذهب وموبايلات، لتامين قوت يومنا بعد ان تركت منزلي بحي “ابو ادم ” هرباً من ويلات الحرب.
وأضاف: “اصبحت عاطلاَ عن العمل، واعاني من ظروف قاسية، وهذا حال كل الموظفين الحكوميين الموقوفة رواتبهم، في وقت ارتفعت فيه أسعار المواد الاستهلاكية ارتفاعا جنوبيا، والأسر تحتاج لمتطلبات يومية بينما لا تتوفر سيولة مالية لديها بعد ان فقدت مداخيلها الشهرية واستنفدت كل مدخراتها وتراكمت ديونها تراكما- حد قوله.
وتابع الطيب: الامور تزداد سوءاً يوم بعد يوم، وهذا عام كامل بدون راتب، نعيش على الارباح البسيطة من بيع الخضار، في ظل التزامات كثيرة، ومالك البيت يطالب بايجاره، وبعض من افراد اسرتي مصابون بامراض تتطلب دواءا شهريا، نحن نعاني من اوضاع ماسأوية ولكن وزراة المالية لا تلتفت لحالنا.
وترى ام خالد وهي معلمة بإحدى المدارس الحكومية، أن قطع الرواتب عن موظفي الدولة المدنيين حرب أشد فتكاً وضرراً من حرب المسيرات والقذائف القاتلة، وقد احال قطع الرواتب حياة الموظفين إلى جحيم لا يطاق، وقذف بهم في دوامة الفقر والجوع.
وقالت ام خالد لـ(الكرامة): إن “انقطاع الراتب ادى لتدهور حالة المعلم الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، وبالنسبة لي فإن انقطاع الراتب اثر على وضعي المعيشي، وتحولت من معلمة لبائعة ماكولات شعبية، إذ بالكاد نعيش على الكفاف، ففي حالة المرض نضطر للاستدانة أو البحث عن مساعدة من الاصدقاء”.
وأضافت: “بالإضافة إلى ذلك حياتنا اصبحت مهددة، إذ نصرف ما نحصل عليه من شغل السوق بقلق ونظل نفكر كيف سنتمكن من العيش بعد ذلك”.
المالية توضح
وقالت مصادر رفيعة بوزارة المالية، إن المشاكل الراهنة أثرت سلباً على النشاط الاقتصادي وافقدت الخزينة العامة أكثر من 90% من الإيرادات بالخرطوم.
وأوضحت أن الإيرادات المتحصلة ضعيفة جدا ويتم صرفها وفقا لموجهات اللجنة العليا للطوارئ والتي تتمثل في سداد رواتب القوات النظامية المرابطة، بجانب تشوين المواد الغذائية لتلك القوات وتوفير الأدوية والعلاجات للمرضى، لاسيما الأدوية المنقذة للحياة،
وأشارت المصادر إلى ان بنك السودان المركزي، التزم بتوفير الاستدانة لتغطية مرتبات القوات النظامية والمجهود الحربي وموقف السيولة لديه لا يسمح بمنح استدانة أخرى لتغطية الرواتب أو أي مصروفات اخرى، لأن الهيئات والشركات الحكومية هي وحدات ذات تمويل ذاتي وعادة يتم صرف رواتبهم من مواردهم الذاتية.
وأضافت: “بالرغم من ذلك فقد تم توجيههم بصرف سلفيات على الرواتب بنسبة 60% للموظفين و 100% للعمال وذلك لأنهم مداومون على العمل في فروعهم بالولايات.
عدم عدالة
ومن، جانبه، قال الكاتب المهتم بالشؤون الاستراتيجية د. عصام بطران لـ(الكرامة)، انه لابد من فذلكة تاريخية لمسالة مرتبات الدولة وكيف تصرف وتوزع انصبتها على الحكومة الاتحادية والحكومات الولائية، وفي السابق وفق تجربة الحكم الفدرالية، كانت المرتبات شان ولائي، كل ولاية تصرف مرتباتها للعاملين فيها، وكان هنالك صندوق يسمى”قسم الموادر” تاتي منه الإيرادت الاتحادية التي تورد للحكومة الاتحادية ولكل الولايات انصبة فيها.
وأضاف: “هذه الأنصبة معني بتقسيمها صندوق قسمة الموارد، وهو يجتمع شهرياَ ويوزع القسمة على الولايات من انصبة الجمارك والضرائب.. الخ، وللولايات ايرادات تستنبط منها موارد ذاتية، وتنقسم ميزانية الولايات لثلاثة اقسام، القسم الاول معني بالمرتبات اي تعويضات العاملين، وقسم الصرف على التسيير والخدمات، والقسم الثالث هو الايرادات الذاتية، الخاص بخدمات التنمية، وقبل خمس سنوات تعثر صندوق قسمة الموارد بواسطة وزارة المالية الاتحادية وتم تجميده، وبالتالي التزمت المالية حتى لا تقسم الضرائب الاتحادية ويكون لها النصيب المركزي الاكبر الموجود عندها، واصبحت تسوف مسألة قسمة الموراد من فترة إلى اخرى وصار هنالك تعثر في سداد المرتبات، وتراكمت المتاخرات”.
وتابع بطران: “التزمت المالية بشيك المرتبات للولايات، وقالت امنحونا قوائم العاملين وحجم المرتبات تبع كل ولاية، ومنذ ذلك التاريخ تعطي الولايات مرتباتها، ولانها جمدت صندرق قسمة الموارد التزمت بسداد المرتبات على ان تتحمل الولايات في الايرادات الذاتية التنمية والتسيير، واستمر هذا الأمر إلي ماقبل الحرب وتحديداً شهر مارس 2023 الماضي، وكان شيك المالية يورد في بنك السودان باسم الولاية المعنية ومن ثم تعيد تغذيته في خزينة الولاية وتقوم بتوزيعه للعاملين”.
وأردف: “الان هنالك عدم عدالة في توزيع المرتبات، واصبحت المالية تعطي المرتبات للحكومة الاتحادية، وحجبت المرتبات عن الولايات غير الامنة مثل الخرطوم، الجزبرة النيل الابيض، وقد اصبحت ولايات خارج دائرة الايرادات، وليس لها اي مستحقات مالية، وغابت الوزارة عن سداد مرتبات ولاية الخرطوم كمثال، لمدة عشرة شهور، وحينما سُئل الوزير عن سداد المرتبات، ذكر انه تم سدادها و يقصد بذلك مرتبات الحكومة الاتحادية، ولكن ولاية الخرطوم وعدد من الولايات لم تصرف رواتبها طيلة فترة الحرب منذ ابريل، وكل الذي تسَلمه الموظفون مرتب ثلاثة اشهر على فترات”.
تلبية احتياجات
ومن وجهة نظر الكاتب الصحفي ضياء الدين سليمان، فإن توقف مرتبات العاملين في الدولة ساهم بشكل رئيسي في تفاقم معاناة الموظفين بالدولة كونهم الشريحة ذات الدخل المحدود الذي لا يكاد يكفي راتب الفرد منهم لإعاشة أسرة متوسطة.
وقال إن الموظفين ليسوا وحدهم من تأثر بتوقف المرتبات فالعمال ايضاً الذين يعتمدون على العمل اليدوي أو “رزق اليوم باليوم” انقطعت مصادر دخلهم أيضاً، ونفدت مدخراتهم، وباع كثير منهم أغراضه الشخصية مقابل مبالغ زهيدة من المال لتلبية حاجاته الاسرية من اكل وشرب وعلاج وايجار منازل.
وأشار ضياء في حديثه لـ(الكرامة)، إلى ان حركة الأموال التي يأخذها الموظفون في الدولة يصرفوها في تلبية احتياجاتهم من الأسواق وبالتالي تمر عبر التجار الى المصارف لتبدأ دورتها من جديد ومع توقف مرتبات المرتبات توقفت حركة الأموال بين الموظف والتاجر والمصرف.
وتابع : “الكثير من الموظفين مع توقف المرتبات تحولوا لامتهان مهن هامشية حتى يسدوا احتياجات الحياة اليوماتي، فمثلا أنا اعرف أساتذة جامعيين أحدهم تحول ليعمل حامل أغراض (عتالي) والاخر تحول لعامل بناء (طُلبة)”.
مشاكل نفسية
وقالت الاستشاري النفسي د. ابتهاج الامين لـ(الكرامة)، إن الحاجة المادية هي أساسية لأي إنسان، لأنها مرتبطة بأمور كثيرة في الحياة، وانقطاعها عن المواطن بشكل مفاجئ يؤدي إلى التأثير على نفسيته بشكل سلبي، ما يؤدي الى ظهور بعض المشاكل النفسية منها الاكتئاب والقلق والخوف من المستقبل المجهول، وتقرير وزارة الصحة الاخير يؤكد تزايد حالات الاصابة بالأمراض النفسية.
وأضافت: انقطاع الراتب في ظل الحرب، دفع الموظفين للعيش في دوامة وتخبط وفقدان الاستقرار،، كما أن الأزمة المالية تؤثر سلبيا على الحياة الأسرية لدى الموظفين، إذ من الممكن أن تسبب الطلاق بين الأزواج في بعض الحالات، وقد شهدت ارقام حالات الطلاق ارتفاعا، بسبب الاوضاع المالية الراهنة.