السودانيون .. بأي حال عدت يا عيد؟!
الكرامة: هبة محمود
بحال لا يختلف عن سابقه كثيرا يستقبل السودانيون عيد الفطر المبارك غدا الأربعاء، كثالث عيد منذ اندلاع الحرب في السودان، بنفوس معتلة حزينة، يتوقون لتفاصيل دقيقة يشتهونها، فلا ديارهم ردت إليهم ولا نصاب غالبية الاسر اكتمل، على الرغم من محاولات التعايش و التعاطي مع الواقع الجديد الذي فرضته معطيات انتظار النصر.
وبالرغم من حالة التعايش هذه الا ان تفاصيل معينة سيما تلك التي تتعلق بطقوس خاصة، مثل مناسبات الأعياد ورمضان وغيرها من مناخات يشتركون فيها، بدت غريبة وغير مالوفة لهم، وهم بعيدون عن الديار والأهل والسكن، يعانون ويلات النزوح والآم اللجوء واوجاع الحصار.
وفي ظل هذه المعطيات، وحالة التارجح ما بين الأمل واليأس يصبح السؤال الأكثر أهمية وهو كيف يستقبل السودانيون عيدهم الثالث غدا من داخل ولايات النزوح ودول الجوار وهم منقسمون مابين نازحين ولاجئين؟ .
باي حال؟
“عيد باية حال عدت يا عيد بما مضى ام بأمر فيه تجديد”..هكذا يردد غالبية السودانين داخل السودان وخارجه ابيات الشاعر العربي ابو الطيب المتنبئ، وهم يستعدون لاستقبال عبد الفطر المبارك غدا بعد عام من اندلاع الحرب في السودان.
وينظر كثير منهم إلى أن العيد شعيرة من شعائر الله لابد من احيائها رغم شعور الفقد والغربة، مع ضرورة الامتثال لقضاء الله وحكمه، فيما ترى مجموعات ان الفرحة الكبرى تتمثل في إنهاء التمرد و القضاء عليه، لكون ان العيد يكون وسط الاهل والجيران والاحباب، وبخلاف ذلك فهو فرحة بإكمال الصيام وتجديد الإيمانيات.
ويفتقد السودانيون خاصة الذين لجاؤا إلى دول الجوار، تفاصيل العيد بنكهته السودانية الخالصة، (روائح الخبيز) و(صلاة الميدان) أطفالًا ورجالا ونساء، والمعايدة على الجيران والأهل والأحباب في جولة طويلة تحمل فيها اياديهم المخبوزات وتمتلئ جيوبهم بالحلوى، تنتهي احيانا كثيرة بالدعوة على تناول الإفطار، بالإضافة إلى فقدهم منازلهم وبلادهم.
الأكثر حزنا
ويرى مختصون اجتماعيون ونفسيون ان العيد هذا العام -من ناحية- يعتبر افضل قليلا من العيد السابق لاعتبار ان غالبية الشعب السوداني استطاع ان يمتص الصدمة، لكنه يعتبر الأكثر حزنا لانه بلا طعم في ظل حالة الشتات والبعد والغربة والموت، مشيرين إلى أن تطاول حالة الانتظار للنصر والتحرير تقتل حالة الأمل.
وتقول الباحثة الاجتماعية هناء عثمان ان الأخطر في هذا العيد انه أتى ومعظم السودانيين يتوقعون قضاءه على الاقل في بلادهم وسط اهليهم هذا بالنسبة للاجئين اما النازحين فكانو ينتظرونه للعودة لمساكنهم والتخلص من مشاكل النزوح بشكل عام.
وتقول خلال حديثها ل “الكرامة” ان العيد يأتي هذا العام بذات السؤال الذي ظل يردده السودانين بمختلف حالاتهم منذ عام “وهو متين نرجع بيوتنا ” ما يعني انه بلا جديد.
ظروف قاسية
في مقابل ذلك يرى خبراء اقتصاديون ان السودانيين في مختلف امكانهم وبمختلف مسمياتهم، حتى الذين يعيشون في الولايات الآمنة، يستقبلون العيد بظروف اقتصادية قاسية في ظل الأوضاع التي تعيشها البلاد من قتال.
وبحسب دراسة نشرها المركز المصرى للفكر والدراسات الإستراتيجية، في فبراير الماضي، فان الإقتصاد السوداني يشهد مأساة، حيث قدر الخبراء الاقتصاديون التكاليف الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة فى الاقتصاد السودانى بأكثر من 100 مليار دولار، إذ توقف 70% من النشاط الاقتصادى فى السودان. وتُقدر تكلفة المعارك فى السودان بنحو نصف مليار دولار يوميا.
بلا طعم
وتذهب عينة عشوائية من المواطنين استطلعتهم “الكرامة”، إلى أن العيد بالنسبة لهم شعيرة من شعائر الله رغم حالات الحزن والألم النفسي الذي يقاسونه منذ عام على اندلاع الحرب مؤكدين على أن العيد الحقيقي يكون بانتصار الجيش.
ويرى اللاجئ محمد علي _ثلاثيني _ ان العيد بعيدا عن السودان لا طعم له لأنه يحلو باللمة وبالاهل فضلا عن طقوس حفرت بالذاكرة منذ الصغر، مؤكدا ل( الكرامة) ان العيد يصبح عيد بتحرير الخرطوم من دنس التمرد.
ومن منطلق ذات العبارة العيد عيدين _ كانت تمني نهلة الطيب _ لاجئة نفسها ان تعود إلى السودان وتحتفي بالعيد وسط أهلها وذلك بانتهاء الحرب وانتصار الجيش، قبل ان تؤكد ل الكرامة ان العيد الحقيقي هو بانتصار الجيش.
فرحة منقوصة
وفي ذات المنحى ترى إحدى النازحات _فضلت حجب اسمها _ ان العيد رغم انه يعود عليها وهي داخل بلادها الا انه يعود وهي تعاني وجع نفسي كبير، وتسترجع ذكريات العيد الذي كانت تقف فيه على أدق تفاصيله في مملكتها الصغيرة، قبل أن تصبح مستضافة لدى إحدى اقربائهم.
وتقول النازحة ل( الكرامة) ان العيد رغم انه داخل السودان الا ان الولاية التي تزحت إليها لا يمكن أن تعوضها عن ولاية الخرطوم حيث المنشأ والتاريخ والأهل، مؤكدة ان العيد شريعة ربانية يجب أن تفرح بها لكنها تفتقد ديارها بشكل كبير.
ويذهب عوض الله _ نازح اربعيني _ إلى أن العيد بالنسبة له يمثل فرحة لاداء فريضة الصيام لكنها فرحة منقوصة كان يتمنى مشاركتها مع أهله وناسه في الخرطوم وولاية الجزيرة الحلم الذي ظل يحلم به منذ عام كامل.
ويضيف ل الكرامة ” لا أعتقد أن السودانيين في مختلف نزوحهم ولجوءهم سيفرحون بالشكل الذي كانوا عليه في السودان، رغم محاولتهم التعاطي مع الواقع الحديد لان الفقد الذي يعانونه جراء ما حدث والغدر الذي تعرضوا له أكبر بكثير.