جنوب كردفان… دعوات للسلام والاستقرار
- تغتنم فرصة العيد لتضحك وتنفض غبار المعارك…
- جنوب كردفان… دعوات للسلام والاستقرار
- المصارعة حاضرة بطقوسها التي تعزز رتق النسيج الاجتماعي..
- إذاعة كادقلي.. الصوت الذي ينثر المحبة والسلام..
- المناسبة شكل مساحةً للتسامح والسلام، يزرعها الجميع فألاً ووعداً …
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو
كان ومازال وسيظل العيد رحمةً يُذيقها الله سبحانه وتعالى للناس جميعاً ليفرحوا، ويقتسموا رقاع المؤانسة تواصلاً ومحبةً ومودةً ورحمة، ويتناسوا همومهم، ومشاكلهم، ويفتحوا صفحة جديدة للتعاطي إيجاباً مع معطيات الحياة، وها هو العيد يطرق الأبواب للمرة الثالثة، ليدخل على أهل السودان، وسماؤهم مازالت ملبدة بغيوم الدخان، وتفوح أراضيهم برائحة الموت، إنها الحرب التي ما انفكت ومنذ الخامس عشر من أبريل 2023 م، تأكل اليابس والأخضر، فلا تبقي ولا تذر.اسمحوا لي قراء صحيفة (الكرامة) الأعزاء لأنقلكم بعيداً عن ولايتي الخرطوم والجزيرة، وغيرها من المناطق التي تشتد فيها رحى الحرب، ويشمر فيها الجيش عن سواعده وعزم إرادته لدحر ميليشيا الجنجويد المتمردة، أنقلكم أصدقائي لتعيشوا معي بعض ملامح العيد في ولاية جنوب كردفان وتحديداً في مدينة كادقلي، حيث اعتاد الناس هنا على التعاطي مع فرحة العيد تحت ظلال الحرب، بل إن مدينةً مثل كادقلي كانت تستقبل العيد في كثير من الأحيان على أصوات القذائف المزعجة لصواريخ الكاتويشا ومدافع الهاون، التي كانت تطلقها الحركة الشعبية لتحرير السودان، لتعكر مزاج العيد في نفوس المدينة التي كانت تقابل ذلك بتحدٍ واضح، إذ سرعان ما تنفض كادقلي عن نفسها غبار الدانات، وتخرج إلى الساحات لتمارس الفرح الجميل على إيقاع الكمبلا، والدَّرَمَلِّي وحماسة الكرانق، والمردوم،،،
هكذا تبدو لوحة العيد في مدينة كادقلي عروس الجبال وحاضرة كردفان الجنوب، العيد فيها يشكل مساحةً من التسامح والسلام، يزرعها الجميع فألاً ووعداً وتمني، هي مساحةٌ تخضرّ بفرح السنابل وبوح العناقيد، يتقاسمها الجميع، بمحبة ومودة، ويغتنمها الجميع فرصة سانحة للدعاء بأمنيات قلبية صادقة من أجل أن تسود قيم التعايش السلمي، ومطلوبات السلام الاجتماعي، لتتنزل برداً وسلاماً على الجراحات والمرارات التي أفرزتها الحروب والنزاعات.
استعادة عبق الماضي:
فالعيد في مدينة كادقلي فرصة لاستعادة عبق الماضي وذكريات الأمس، برتق النسيج الاجتماعي، من خلال اعتراف الأنا بحقوق الآخر، من أجل أن نعيدها سيرتها الأولى، فقد كانت جنوب كردفان نموذجاً لسودان مصغر بفضل التلاقح الذي أفرزته مؤسسة جبال النوبة الزراعية، التي كانت بمثابة بوتقة تنصهر فيها كل مناطق السودان وجهاته التي توحدت هنا من أجل تنمية السودان، زراعياً واقتصادياً واجتماعياً.
طقوس خاصة:
ويتميز الاحتفال بالعيد في جنوب كردفان عن سائر بقاع السودان، بطقوس اجتماعية وقيم ثقافية، ونظم وموروثات ضاربة بعيداً في عمق العراقة والقدم، وهي جميعها تعكس واقعاً نبيلاً من التعايش الاجتماعي والترابط الوجداني، كان يظلل فضاءات المنطقة، ويعزز من ممسكات الوحدة الوطنية، لقد كانت كادقلي تنتظر العيد كالأطفال لتخرج في مهرجانات من الفرح النبيل، كانت كادقلي تغتنم فرصة العيد لتضحك في وجه التعافي والتصافي، كانت كادقلي راويةً تحكي فصولها حقيقة المحبة والسلام، ولكن دخلها التمرد وهزَّ من تحت أرجلها أرضية الثقة التي تقف عليها مكونات المنطقة، فهل من عودة هل؟
المصارعة:
تعتبر المصارعة الحُرّة واحدة من القيم الاجتماعية التي تنشط في مجتمع جنوب كردفان، وتمارس بشكل مماثل عند مكونات المنطقة، وتحديداً قبائل النوبة والبقارة، وعلى الرغم من أن المصارعة أو ” الصُراع ” تعد من الفنون القتالية البازخة في جنوب كردفان، إلا أنها تمثل رمزية للتعايش الاجتماعي لما تمثله من قواسم مشتركة للمكونات الاجتماعية المتعايشة في المنطقة، ومساهمتها بشكل فاعل في نبذ خطاب الكراهية، وتعزيز الثقة، وتقوية الأواصر الأخوية، وإحياء التحالفات القبلية، ففي المصارعة الجميع منتصر، بإرادة التعايش وحوار الثقافات الذي يعكس حقيقة التنوع، ويرسم ملامح قوية للوحدة الوطنية.
إذاعة كادقلي:
تمثل إذاعة واحدة من الآيات المختلفة لشكل الاحتفال بالعيد في ولاية جنوب كردفان، ذلك أن إذاعة كادقلي لا تشكل صرحاً ثقافياً وتعليمياً وترويحياً فحسب، بل هي أيقونة لمعنى التواصل الاجتماعي في ترسيخ قيمة المحبة والسلام لدورها المتعاظم الذي ظلت تضطلع به في كل الأوقات حرباً وسلماً، فأصبحت الإذاعة بيتاً للمستمعين الذين يغتنمون فرصة أي مناسبة ويغبِّرون أرجلهم بالوصول إلى مبانيها، ومشاطرة العاملين في الإذاعة تلك المناسبة، وتتضاعف الأحاسيس، وتسيل مشاعر الناس جداول في موسم العيد.
فرح وجمال:
تقول الأستاذة أمل أحمد شداد، مدير الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون بولاية جنوب كردفان، إن العيد والإذاعة، وجهان لعملة الفرح، ورسم ملامح الجمال على وجه المدينة، فالعيد في كادقلي طعم ومذاق مختلف، وهي مضامين ومعاني يتفهمها العاملون في إذاعة المحبة والسلام، لذلك يستنفرون كل طاقاتهم الإبداعية خلال العيد، من أجل أن تظهر الإذاعة بثوب قشيب يعطي هذه المناسبة أبعادها المتأنقة فرحاً وجمالاً، ينثران في ربوع المدينة معنى التواصل محبةً وسلاما.
منتدى أثير :
واغتنمت الأستاذة أمل شداد فرصة حديثها لصحيفة( الكرامة) ، وأشارت إلى دور متعاظم بذلته إذاعة المحبة والسلام خلال شهر رمضان المعظم، وتعتزم الاستمرار فيه خلال العيد، ألا هو منتدى الأثير الإبداعي الذي كان يصافح آذان المستمعين أمسية كل خميس، حيث يحتشد المبدعون في مختلف مجالات الفنون داخل مباني الإذاعة ليتباروا في الشعر والغناء والموسيقى والتقديم الإذاعي، هذا فضلاً عن مناشط أخرى تجري داخل أروقة الإذاعة كمنشط الشطرنج الذي نُظمت فيه دورة خاصة تخليداً لروح الإذاعية راوية ضلمان كباشي، وقالت أمل شداد إن منتدى أثير الإبداعي كان بمثابة بقعة ضوء أنار عتمة المدينة التي ظلت تشكو من الظلام الدامس منذ اندلاع الحرب قبل نحو عام كامل، وأعربت شداد عن شكرها وامتنانها لكل الجهات التي ساهمت في دعم مسيرة الإذاعة خلال الفترة الماضية لتضطلع بدورها في تعزيز قواعد السلام والاستقرار والمساهمة في إرساء دعائم التنمية والإعمار.
أمنيات منطقية
ويعرب الأستاذ الهادي الكناني موظف من سكان حي السمة بكادقلي عن أمله في يكون العيد مساحة للتنفس من أجواء الحزن والكآبة ومشاهد النزوح التي ضربت أجزاء واسعة من الوطن، وطالب الكناني بضرورة الاستفادة من فرصة العيد للتواصل، وبث الوعي والتواصل مع المجتمعات المستضافة لفتح معاول جديدة للأمل والروح المتسامحة التي تهزم الحرب وتحمل تحايا السلام والفرحة الكبرى. مبيناً أن للعيد في كادقلي وقعاً خاصاً وسط لمة الأهل والمعارف والجيران وتبادل الزيارات بين الأهل والأصدقاء مما يجعل العيد أكثر بهجة وفرح وتنامي لروح الألفة والحكاوي ومحاولة استعادة ذكريات الأيام الخوالي.
ملحمة العيد:
وتقول أم أحمد وهي ربة منزل من حي السوق بكادقلي إن جنوب كردفان من المناطق ذات الخصوصية في كثير من المناحي إذ إنها تمتاز بما لم يتوافر في الكثير من مدن السودان الأخرى أولاً التنوع الإثني والقبلي وحتى الديني، فقد أطفى هذا التنوع على هذه البقاع لوناً مختلفاً، هذا ما يميز الاحتفالات بشكل عام، وأما العيد فهو موسم تتفق فيه الأفراح، فالناس هنا طيبون لأ بعد الحدود .. متسامحون، متحابون، فما بالكم في الأعياد ..؟
يتواصلون بعبارات التسامي، ويهمسون عبر النفاجات التي تتداخل بين البيوت فيتناغمون بفرحتهم العامرة،، العيد مبارك عليكم أنشأ الله كل سنة معيدين، والعفو والعافية هي قولاً وفعلاً
يتداخلون بسحناتهم وألوانهم المختلفة، عقب أداء صلاة العيد زرافات ووحدانا يدخلون كل البيوت، يتبادلون الأمنيات في قطع الحلوى وحبات الخبيز لتستمر الأفراح مساءً في الميادين الواسعة حيث يعبرون عن فرحتهم في مجموعات الرقص الشعبي الجميل الذي تميزت به هذه البقاع، تمتزج الأيقاعات بالحب حتى يصعب عليك أن تفرق بين إيقاع الكرانق، ونقارة البقارة، فالجميع يلتحمون في أريحية وصفاء يتبادلون التهاني من خلال الأيقاعات المميزة فالعيد عندهم يعني الفرح بكل مضامينه، وما يميزه أيضا أن الحروب التي تشتعل هناك منذ عشرات السنين وحدت الأمنيات وجعلت التمني فقط للسلام والأمن والاستقرار، ليأتي اختلاف العيد حتى في الأمنيات.
صوت التسامح:
على كلٍّ هي سويعات تفصلنا عن العيد في جنوب كردفان، وستبقى كادقلي الأن مشدودة على وتر الترقب وانتظار هذه الفرحة التي تمثل مساحة للتعافي من الكثير من المرارات والأوجاع، فالقلوب مهيأة تماماً لقبول الآخر بكل مضامينه من خلال قيمة الجودية التي تحتشد لها الرواكيب الكبيرة بهيبة وجلال حيث يجتمع تحت ظلالها الناس منذ صباح العيد الباكر لتناول الشاي ثم واقتسام خبيز الأمنيات وحلحلة الخلافات بصوت التسامح وصادق الأمنيات..