جنوب كردفان.. تداعيات (بونية) نائب الوالي

  • وجهها لوزير المالية حتى سقط مغشيا عليه.. وسط استنكار واسع..
  • جنوب كردفان.. تداعيات (بونية) نائب الوالي..
  • الجاني غضب لانه وصل (المالية) في زيارة تفقدية ولم يجد الاستقبال اللازم من الوزير ..
  • مخاوف من تأثيرات الحادثة على مستقبل التركيبة الحاكمة..
  • الولاية دفعت بقيادات امثال ياسر العطا ومفضل، لكنها مازالت تعاني ..
  • مطالبةالحركة الشعبية( مالك عقار) باعفاء نائب الوالي..

تقرير: إسماعيل جبريل تيسو

الكثير من مداد الأسف والحزن، أسالته حادثة اعتداء نائب والي ولاية جنوب كردفان، مولانا جابر الباشا دلدوم، بالضرب على المدير العام، وزير المالية المكلف الأستاذ عماد الدين عبد المطلب ديدان، ذلك أن الحادثة غير مسبوقة، ودخيلة على مجتمع الولاية، وتحمل في طياتها ملامح العجب والغرابة، ذلك أن الجاني فيها هو المسؤول الثاني في الحكومة، وحديث عهد برزنامة المشهد السياسي والاجتماعي في ولاية جنوب كردفان عامة، ومدينة كادقلي بصفة خاصة.
حيثيات الاعتداء:
وكان نائب والي الولاية الجديد جابر الباشا دلدوم، قد سدد لكمة قوية في وجه المدير العام، وزير المالية المكلف عماد الدين عبد المطلب ديدان حتى أفقده الوعي، ليُسعف لاحقاً على المستشفى، وذلك بسبب غضبة نائب الوالي لحضوره إلى مباني وزارة المالية في إطار زيارة تفقدية مُعلن عنها، ولكنه لم يجد الاستقبال اللازم من وزير المالية المكلف الذي لم يكن موجوداً في مكتبه لحظة حضور نائب الوالي الذي اشتاط غضباً، وهمّ بالمغادرة، لبتفاجأ بالوزير أمامه، فما كان من نائب الوالي إلا أن قام بتسديد لكمة قوية أسقطت الوزير مغشياً عليه، وسط ذهول ودهشة الحاضرين.

ناقوس خطر:
الحادثة التي أثارت لغطاً كثيفاً بين أبناء ولاية جنوب كردفان على منصات التواصل الاجتماعي، دقت وبحسب الكثيرين ناقوس الخطر على مستقبل إدارة الحكم في ولاية استثنائية تتناوشها سهام المشكلات الأمنية والاقتصادية والسياسية، فقد ظل جسد جنوب كردفان ينزف لأكثر من ثلاثين عاماً بسبب الجراحات والمرارات التي أحدثها التمرد ( المولود الشرعي ) لسياسة التهميش التي ظلت مفروضةً مع سبق الإصرار والترصد من قبل النخب الحاكمة في المركز، مما خلق غبناً في النفوس، انتهى بالخروج على سلطة الدولة، لتبقى جنوب كردفان على فوهة بركان متحرك من الصراعات والنزاعات، انعكست سلباً على الفوضى وعدم الاستقرار الذي ظلت تعيشه الولاية سنين عددا.

ولاية مظلومة:
ويتفق معظم من تحدثوا ل(صحيفة الكرامة) على أن ولاية جنوب كردفان ظلت مظلومة ظلم الحسن والحسين على مرِّ الحقب التي حكمت السودان، مبينين أن الحكومة المركزية، ولكي تحفظ ماء وجهها أمام مجتمع جنوب كردفان المغبون، كانت تدفع ببعض أبنائهم من المركز، أو حتى من خارج السودان في مناصب رفيعة لقيادة الولاية، حدث هذا الأمر بشكل واضح خلال حقبة الإنقاذ، ولكن كانت المحصلة فشلاً ذريعاً، إذ لم تخرج ولاية جنوب كردفان من نفق أزماتها رغم أن من يقودون دفة الحكم فيها هم أبناؤها، ويعود الأمر لسببين، إما لضعف قدرات هذه القيادات، أو لتعمُّد إحراج من يتمتعون منهم بالقوة والكارزيما القيادية، أمام أهليهم ( بقفل البَلِفْ) والتماطل في توفير معينات الدعم والإسناد مالياً ولوجستياً!.

أسباب الفشل:
ويستعرض الأستاذ إسماعيل زكريا إسماعيل وهو معلم وناشط سياسي، أبرز الأسباب التي تؤدي إلى فشل نخب أبناء جنوب كردفان في إدارة مقاليد الحكم في ولايتهم، وفي مقدمتها اختيار شخصيات مغمورة، ليس لها تأثير في الحياة العامة، ويتم ذلك غالباً وفق المحاصصات السياسية، ويتهم زكريا الكثير من الأشخاص باللهث والسعي وتسخير علاقاتهم لاعتلاء مناصب قيادية بغرض تحقيق مكاسب شخصية، رغم قناعتهم بتواضع وضعف قدراتهم، فيستجيب لهم المركز دون أن يعمل على ورفع قدراتهم، وتدريبهم وتجهيزهم لمقابلة الوضع الجديد.

ضعف تجربة :
بأسى وحزن كبير تحدث موظف سابق بوزارة المالية بولاية جنوب كردفان فضّل حجب اسمه، عن حادثة الاعتداء على المدير العام وزير المالية المكلف من قبل نائب الوالي، وقال إن هذه الظاهرة دخيلة على مجتمع جنوب كردفان المتسامح، مبيناً أن هذه الولاية صنعت الكثير من القيادات السياسية والعسكرية الذين عملوا بها واكتسبوا من الخبرات، مستشهداً بالفريق أول ركن ياسر العطا، مساعد القائد العام للقوات المسلحة، الذي كان قائداً للفرقة 14 مشاة كادقلي، والفريق اول أحمد إبراهيم المفضل، المدير العام لجهاز المخابرات العامة، والذي كان والياً لجنوب كردفان، وغيرهم كثير من الذين كانوا ملء السمع والبصر والفؤاد في عهد الإنقاذ البائد، حيث عملوا في ظل ظروف صعبة وقاسية، ولكن كانت صدورهم تتسع، فقدموا عصارة جهدهم لإنسان الولاية، مبيناً أن التصرف “غير البروتكولي ” الذي جاء به نائب والي جنوب كردفان يعود لضعف الخبرات والتجربة، وغياب القدرات الحقيقية والتأهيل الفني للكوادر، وشكك في أن يكون لنائب الوالي ما يقدمه للولاية إذا كانت بدايته بهذا الإفلاس والسلوك الهمجي مع شخص يمثل رمزية للخدمة المدنية، مطالباً حزبه ( الحركة الشعبية جناح مالك عقار) بأن يشرع في إعفاءه فوراً ليكون عظة وعبرة لغيره.

حكام موظفون:
ويقول المواطن عمر أحمد حامد الشهير بعمار إن ما يحدث في ولاية جنوب كردفان أمرٌ معيب وهمجي، وغير مبرر، مبدياً أسفه على مسؤولي الولاية الذين قال إنهم طوال أربع سنوات من الحكم في ظل الثورة المجيدة، لم يخاطب أحدٌ منهم احتياجات الناس ولو بمشروع خدمي واحد، أو حتى تنازل وجلس مع المواطنين وتعرف عن قرب على قضاياهم ولامس همومهم ومشاكلهم الملحة، واصفاً الحكام في جنوب كردفان بالموظفين الذين ينتظرون رواتبهم فقط كل شهر دون أن يقدموا للمواطن ما يفيد.

منصب حصري:
ونشير إلى أن منصب نائب والي جنوب كردفان ” نائب الحاكم” ظل حصرياً يتولاه طوال الثلاث سنوات الماضية، كوادر تنتمي إلى الحركة الشعبية شمال جناح مالك عقار، وفقاً لمنطوق اتفاق سلام جوبا، ونائب الوالي الحالي المتسبب في حادثة الاعتداء على المدير العام، وزير المالية المكلف، هو ثالث شخص يتقلد هذا المنصب بعد أن سبقه اثنان، لم يستطيعا وفقاً لقرائن الأحوال، تقديم أو طرح برنامج سياسي أو خدمي جاذب للمواطنين في جنوب كردفان، مما يعني فشلهم المبكر في تجاوز اختبار بروفة كسب الانتخابات إن حدثت مستقبلاً، يقول المواطن عمر حامد الذي يطالب في حديثه لصحيفة الكرامة شركاء اتفاق سلام جوبا، أن ينتقوا الكوادر المناسبة للدفع بها في فضاء المشاركة السياسية، كوادر ينبغي أن تكون مؤهلة لقيادة العمل العام والتنفيذي، معتبراً أن ما يحدث لكوادرهم من فشل تراكمي، ستكون نتائجه كارثية.