(هنا أم درمان).. عندنا ما مجرد بيت!
للعطر افتضاح
د. مزمل أبو القاسم
(هنا أم درمان).. عندنا ما مجرد بيت!
* الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السموات والأرض وما بينهما.
* الحمد لله عدد خلقه ورضا نفسه وزِنة عرشه.
* الحمد لله عدد ما كان وما سيكون، وعدد الحركات والسكون.
* الحمد لله الذي أنعم على جندنا بالنصر المؤزر، والحمد لله الذي أعاد الإذاعة والتلفزيون إلى خاصرة الوطن، وأهميتهما لا يجهلها إلا غافل جاهل، أو متمرد مكابر، ولنا عودة للرد على من حاول أن يبخس الانتصار الباهر بالحديث عن السيطرة على (بيت)!
* تعال نديك أجمل زيت.. (هنا أم درمان) عندنا ما مجرد بيت!
* ومما لا شك فيه فإن موقعة (هنا أم جغمان) تمثل علامةً فارقةً في مسيرة معركة الكرامة، لعدة أسباب، من أهمها أن الموقع المذكور كان يشكل مركز القيادة والسيطرة لقوات التمرد في منطقة أم درمان القديمة، وأنه كان يحوي القوى الصلبة للمليشيا في البقعة، وأنه ضم أكبر كتلة من الأسلحة النوعية والآليات والعتاد الحربي للمتمردين، لا في أم درمان فحسب، بل في العاصمة كلها، وأنه ضم صفوة مقاتلي الدعم الصريع، ممن تفرقوا بين قتيل وجريح ومقبوض عليه، ولن نقول أسرى لأن شروط ومواصفات الأسير لا تنطبق أصلاً على المتمردين.
* ذلك بخلاف الأهمية الكبيرة والرمزية التاريخية والسياسية والفنية والاجتماعية والثقافية للإذاعة والتلفزيون في ضمير الأمة السودانية جمعاء.
* ما يهمنا هنا تفنيد ما تردده أبواق المليشيا المتمردة عن أن الجيش خرق الهُدنة التي قررها مجلس الأمن الدولي، وغدر بالمتمردين وهاجمهم ليلاً، بقول مثير للسخرية، يستهدف مرددوه التغطية على الهزيمة المرة، والضربة القاسية والقاصمة التي تلقاها التمرد (وأعوانه) في ليلة الثلاثاء الأغر، مع تبخيس الانتصار التاريخي الذي حققه فرسان القوات المسلحة والقوات النظامية على فلول التمرد، بأكبر وأقسى ضربة تعرضت لها المليشيات المجرمة في معركة الكرامة.
* نقول لهم إن الهُدن لا تفرض بقرار يتم إطلاقه في الهواء مثل البالون، بل تسبقها ترتيبات وإجراءات مُحكمة، وخطوات دقيقة متعارف عليها دولياً، تستدعي إنشاء مراكز لرصد ومراقبة وتحديد مواقع القوات بدقة، وإلزام كل طرف بعدم مغادرة مواقعه، ومنعه من أي أعمال عدائية، مع تعيين مراقبين على الأرض لمتابعة مدى التزام كل طرف بشروط ومواصفات والتزامات الهُدن.
* ذلك كله لم يتم قبل موقعة (أم جغمان)؛ والثابت أن قوات المتمردين المتمركزة في مباني الإذاعة والتلفزيون وحي الملازمين هي التي بادرت بالتحرك قبل الجيش، عندما حاولت الانسحاب شمالاً عبر شارع النيل، بعدد ضخم من المقاتلين والآليات العسكرية، ثم غيرت رأيها بعد أن تخوفت من طول المسافة التي تفصلها عن موقعها في شارع النيل ومنطقة غرب أم درمان، فعادت أدراجها جنوباً، ثم حاولت تنفيذ انسحابها عبر شارع العرضة (بميدان الخليفة)، لتصطدم بالجيش وفرسان القوات النظامية والمستنفرين وكماشة المُسيّرات، وتنطبق عليها مقولة (على نفسها جنت براقش.. الجنجويد)!
* لم يحتملوا حصار أسبوع واحد، فطفقوا يولولون ويشكون ويبكون ويتهمون قادتهم بالتخلي عنهم، ويجتهدون للهروب تجنباً للمصير المحتوم، بينما صمد أسود الجيش في ثكناتهم أمام حصار غاشم قاربت فترته عاماً كاملاً بثبات الرجال وعزيمة الأبطال.
* هنا يستبين الفارق العظيم بين الجيش النظامي المهني الذي يقاتل بعقيدة عسكرية وقتالية تستند إلى أهداف ومرامٍ وطنية راسخة من جهة، والمليشيا المرتزقة التي تقاتل أجل القتل والسلب والنهب والمال من الجهة الأخرى!
* ما أعظم الفارق بين هذا وذاك.
* من المثير للسخرية أن يتحدث المتمردون وأذنابهم من الخونة وعملاء المنظمات والسفارات وأجهزة الاستخبارات عن خرق الجيش لهدنة لم تسرِ أصلاً، ولم يلتزم أوغاد آل دقلو بها يوماً، ولو فعلوا وتقيّدوا في الحد الأدنى ببنود الاتفاقين اللذين وقوعهما مع الجيش في منبر جدة لما تضاعفت معاناة ملايين السودانيين الذين شنّت المليشيات حربها القذرة عليهم في كل مكان وصلت إليه بنادقها الآثمة.
* ثم.. كيف ينتظر هؤلاء من متمردي الدعم الصريع أن يلتزموا بالهُدنة بعد أن اعترف قائدهم حميدتي لقادة تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) في اجتماع تم معه في العاصمة الإثيوبية أديس بوجود مقاتلين (كسابة)، يقاتلون معه ولا يمكنه السيطرة عليهم، ولو حاول فقد ينقلبون عليه ويقاتلونه هو؟
* صدر ذلك بتصريح أدلى به الدكتور بكري الجاك (المتحدث الرسمي باسم تقدم) لصحيفة القدس العربي في الثامن من شهر يناير الماضي، فكيف يريدون للجيش أن يعقد هُدنةً مع متمردين يعترف قائدهم لحلفائه بأنهم لا يطيعونه، وأنه لا يسيطر عليهم، مع أنه أتى بهم ووظفهم بالمال كمرتزقة لقتال المواطنين قبل الجيش.. فقاموا بالمهمة على أقبح وجهٍ ممكن؟
* ولنسأل قادة الجناح السياسي للتمرد (تقدم).. عندما يجتهدون لذم الجيش والطعن في قدراته ومهنيته واتهامه بالضعف والتخاذل، ويقولون كعادتهم (الجيش قصّر في حماية المدنيين ولم يقم بواجباته الدستورية التي تلزمه بالدفاع عنهم وحمايتهم).. وقتها يجب أن نسألهم ابتداءً وقبل تفنيد الاتهام: الدفاع عن المدنيين وحمايتهم مِن مَن؟
* ومن ماذا؟
* ما الذي تعرض إليه المدنيون بسبب تقصير الجيش؟
* ما هي الجهة التي آذت المدنيين وهاجمتهم واعتدت عليهم وقتلتهم وشردتهم واغتصبت نساءهم وسلبت ممتلكاتهم واحتلت دورهم، وكان على الجيش أن يتدخل بقوة لحسمها وشكمها ولم يفعل؟
* لن يجيبوا، لأنهم متحالفون مع الأوغاد، ومتواطئون معهم على رؤوس الأشهاد.
* ثم.. كيف يلومون الجيش عندما يتدخل ليمارس مهامه لحماية المدنيين ممن يؤذونهم ويرتكبون كل جرائم الدنيا في حقهم؟
* يجب إثبات ذلك التناقض الكريه على عملاء (تقدم) أولاً لتأكيد انحيازهم واضطراب خطابهم السياسي والإعلامي المنافق والمتداخل والمرتبك.. والمساند لمليشيات مجرمة وقاتلة، فعلت بالشعب السوداني ما لم يفعله التتار بأهل بغداد.
* إذا كانوا راغبين في تنفيذ الشعار الخدَّاع والمنافق الذي يرفعونه من دون أن يطرحوا أي برنامج سياسي لتنفيذه فعليهم أن يقنعوا حليفهم المتمرد ويقولوا له (لا للحرب.. على المواطنين).. بدلاً من الشعار الكاذب المخادع والمنافق.. الذي يمثل في حقيقة أمره عبارة (لا للحرب.. على الدعم الصريع)!