تحرير الإذاعة .. المعركة المفتاحية

الكرامة: هبة محمود

لم يكن انتزاع الجيش مباني الإذاعة والتلفزيون من تحت سيطرة مليشيا الدعم السريع صبيحة امس الثلاثاء حدثا عاديا شأنه شان الانتصارات التي حققها خلال تقدمه في مدينة أمدرمان الايام الماضية، لكنه كان علامة فارقة او مرحلة مفصلية ان صح التعبير في سير العمليات العسكرية منذ اندلاع القتال منتصف ابريل الماضي.
فما بين الانتظار والانتصار استطاع الجيش صباح البارحة تحقيق عدد من الأهداف الأمنية والاستراتيجية والعسكرية وأهمها المعنوية من خلال تحرير مباني الإذاعة والتلفزيون بمدينة امدرمان بعد نحو العام من احتلال الدعم لها عقب حصار محكم استمر لأيام اسفر عنه عملية التحرير الكبرى.
وينظر عدد من المتابعين إلى أن الجيش تمكن من تحقيق أهداف كبيرة من خلال السيطرة على المرفق الحكومي الحساس الذي يمثل ذاكرة ووجدان الشعب السوداني دون عمليات عسكرية تلحق الدمار بالمبنى ومتحواه القيم فضلا عن بقية الأهداف الأخرى.

نقاط استراتيجية

ظلت مباني الإذاعة والتلفزيون نقطة محورية مهمة في المعارك الدائرة بين الجيش والدعم السريع لمدة عام؛ وفيما ظلت تستخدم قوات الدعم مباني الإذاعة كنقطة مهمة لفرض حصار على الجيش، وتمديد سيطرتها على بقية مناحي مدينة أمدرمان فضلا عن كونها مقرا لتخزين الأسلحة وإستخدام الأسرى دروع بشرية كانت بالنسبة للجيش_ اي الإذاعة _ تمثل عددا من النقاط الاستراتيجية المهمة في مبتداها انها رمزية وطنية تاريخية تستوجب استعادتها تخطيط دقيق؛ هذا بخلاف انها هدف عسكري يتطلب استرداده تكنيك محدد يوقع اقل عدد من الخسائر..

وفيما تعالت الكثير من الأصوات الايام الماضية حول جدلية ترقب تحرير الإذاعة والتلفزيون في وقت تظل فيه الكثير من المناطق المختلفة تحت سيطرة الدعم في الخرطوم والجزيرة ودارفور وكردفان، يرى خبراء و مختصون في الشان العسكري؛ ان أهمية الإذاعة تكمن في تقدم الجيش للقضاء على الدعم السريع وتنظيف منطقة امدرمان، ومن ثم التحام متحركات المهندسين ووادي سيدنا والاحتياطي المركزي، للتحرك لمدينة بحري والخرطوم والالتحام مع المتحركات الأخرى.
النفس الطويل

ويرى الخبير العسكري اللواء عبد الهادي عبد الباسط إن استرداد الجيش لمباني الإذاعة والتلفزيون صباح امس يعتبر بداية النهاية للدعم السريع وفق قوله مؤكدا في حديثه ل (الكرامة)، إلى أن الانتصارات بدأت منذ فتح الطريق الرابط بين مدينتي كرري والمهندسين والتحام المتحركات الأسابيع الماضية والتي كانت الضربة القاصمة لإنهاء التمرد لان الخطة العسكرية التي بنت عليه قوات الدعم خطتها؛ كانت تتمثل في عزل معسكرات الجيش من بعضها البعض.
وتابع: كانت قوات الدعم السريع تعمل هي وخبراؤها العسكريون في الدول الأخرى لعزل معسكرات الجيش من بعضها البعض لاصغافه او الخلاص منه ومن ثم استلام بقية امدرمان غير ان الجيش امتص الخطة وقام بممارسة سياسية النفس الطويل لاستنفاذهم هذا فضلا عن انقطاع خطوط الإمداد لهم وانسحاب عدد من ابناء القبائل الأخرى من قواتهم.
وزاد: الان القوات وضعها حرج في الخرطوم وليسو لديهم طريقة سوى الانسحاب، لانه وباسترداد الجيش للإذاعة والتلفزيون امس سوف تنطلق متحركات امدرمان لتحرير الخرطوم وبحري وهذا مؤشر نجاح َوليس هناك ثمة خلاص سوى الانسحاب.

معركة مفتاحية

في مقابل ذلك يرى الخبير الامني اللواء آمين اسماعيل مجذوب إن معركة الإذاعة والتلفزيون بأمدرمان تعتبر معركة مفتاحية لمراحل أخرى قامت القوات المسلحة بادارتها وفق تكتيك واستراتيجية محددة لأسباب عديدة في اولها عدم خسارة الاستديوهات والمواقع الموجودة، فضلا عن وجود عدد كبير من الأسرى الذين اتخذتهم قوات الدعم دروعا بشريا.
ويعتقد مجذوب في حديثه ل (الكرامة)، ان هذا الإنتصار يتوقف عليه إغلاق امدرمان تماما من الشرق للغرب لإيقاف وسائل الإمداد التي كانت تأتي لقوات الدعم السريع من غرب السودان او من دول الجوار.
وتابع: هذا الإنتصار يمهد لتجميع القوات من شمال وشرق السودان في امدرمان للتحرك لتحرير الخرطوم وشرق النيل؛ مشيرا إلى انه من الناحية المعنوية يعتبر انتصار كبير لما تمثله الإذاعة والتلفزيون من معاني أكثر من المباني وهذا امر كبير جدا للشعب السوداني الذي انتظم في المقاومة الشعبية خلف القوات المسلحة.
وأضاف: ما حدث بالأمس كان له أثر كبير على عناصر مليشيا الدعم السريع التي انسحبت وتركت معداتها بروح معنوية هابطة جدا بعد حصار محكم، كما أنه أوضح لمن يراهن عليها انها قوات ليست ذات عقيدة قتالية ولا تقاتل من أجل هدف إنما للسرقة والنهب وهذا هو الفرق بينها وبين القوات المسلحة العريقة التي لها تاريخ وتدريب ودراسة وتعرف كيف تدير المعارك سواء كان في المدن او المعارك الصحراوية او الغابات

مطالبات

وينظر عدد من السودانيين على انه وبالرغم من كل ما حققته استعادة الجيش لمباني الإذاعة والتلفزيون من أهداف عسكرية وأمنية واستراتيجية الا ان الهدف المعنوي؛ كان أعظم الأهداف؛ حيث غمرت الفرحة انفس الجميع في مختلف بقاعهم بعد حالة من الترقب استمرت ساعات.
ويطالب عدد منهم الجيش بالإسراع في حسم المعركة وتحرير بقية المواقع توطئة للعودة إلى منازلهم ووطنهم بعد عام من النزوح واللجوء.