السودانيون في رمضان.. ذاكرة الحرب والمآسي
احداث دامية شهدها الشهر الفضيل اخرها تمرد الجنجويد
السودانيون في رمضان.. ذاكرة الحرب والماسي
الكرامة: هبة محمود
يستقبل السودانيون شهر رمضان المعظم هذا العام بنفوس معتلة مملؤها الحسرة فلا شملهم جامع ، ولا دارهم آمن وهم ما بين الحصار واللجوء والنزوح يتقلبون بين ماسي الحرب وانتهاكات الجنجويد، يبكون حالهم ويتحسرون على وطنهم، يفتقدون تلك التفاصيل الدقيقة لتجهيزات الشهر الكريم ولماته وجلسات ضراه ليصبح رمضان هذا العام فريضة تزداد فيها الاكف إرتفاعا وتضرعا والألسن ذكرا و تقربا توسلا لله لرفع البلاء ووقف الحرب.
ذاكرة الاحداث
ومع اقتراب الحرب من إكمال عامها الاول مقرونا بحلول الشهر الكريم نجد أن ذاكرة الشعب السوداني تختزن إضافة للحرب كثيرا من الأحداث التي طالما وقعت في شهر رمضان المعظم ،والذي اصبح مقرونا لدى غالبيتهم باحداث تاريخية في خارطة العمل السياسي كان آخرها حرب الرابع والعشرين من رمضان المعروفة اصطلاحا بحرب الخامس عشر من أبريل.
وفيما تتباين الأحداث التي وقعت منذ سنوات طوال الا ان اندلاع الحرب كان اكثرها جللا وتاثيرا ساهم كثيرا في تغيير خارطة السودانيين ومفاهيمهم وتقديراتهم للأشياء ليصبح السؤال لماذا تحتشد ذاكرة الأحداث بالسودان بالكثير من التطورات الدامية التي حدثت في شهر رمضان.
فظاظة وغلظة
“للسياسة لدى السودانيين مؤخرا فظاظة وغلظة دون مبرر يجعلك تقف عنده” هكذا ابتدر الكاتب الصحفي والمحلل السياسي ابوذر الطيب حديثه مؤكدا ل (الكرامة) ان شهر رمضان لدى السودانيين دائما ما يكون محتفى به وبمقدمه خاصة العشر الأواخر منه، ولم يزل رغم الأحداث التي وقعت فيه خلال السنوات الأخيرة.
ويرى اباذر ان هذه الأحداث لك تكن مقصودة لكنه يعتبرها تغيرات العمل السياسي منذ مجئي ثورة الإنقاذ قبل أكثر من ثلاثين عاما يوافقه في ذلك اراء العديد من السودانين الذين يعتبرون ان ضريبة العمل السياسي ظل يدفعها الشعب السوداني من قبل سنوات الانقاذ حتى.
ويطالب معظم السودانيين من واقع ما يرددون بضرورة تحلي الساسة في السودان بالحكمة منعا لوقوع العديد من الأحداث عقب انتهاء الحرب تجنبا لوقوع كوارث أخرى؛ لان الخاسر الوحيد في الحروب والأحداث هو المواطن.
ذاكرة السياسة
وشهد شهر رمضان في السودان منذ سنوات عدد من الأحداث ارتبطت بذاكرة الحرب منها أحداث اعدام ضباط رمضان وعددهم 28 ضابطا في المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قاموا بها في العام 1990 ضد الرئيس السابق عمر البشير.
كما شهد رمضان في ذاكرة العمل السياسي أحداث المفاصلة الشهيرة بين الاسلاميين التي وقعت في شهر رمضان والمعروف اصطلاحا بأحداث الرابع من رمضان وتلك التي انقلب فيها الرئيس السابق عمر البشير على عرابه شيخ حسن الترابي واطاح به في ديسمبر 1999 الموافق 4 رمضان بحل البرلمان وإعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، وإقالة الدكتور حسن الترابي من كل مناصبه الدستورية كرئيس للبرلمان، وعزله من الحزب الحاكم، مبقيا عليه في بيته بالمنشية في اقامة جبرية تحت حراسة مشددة.
احداث ومجازر
ومن أبرز الأحداث او المجازر التي وقعت في رمضان هي حادث فض اعتصام القيادة العامة في ال 29 رمضان، الموافق الثالث من يونيو 2019، وذلك حين اقتحمت قوات نظامية من تشكيلات عسكرية مختلفة مقر الاعتصام، مستخدمة جميع انواع العنف تجاه المتظاهرين المتواجدين بمقر الاعتصام، والمطالبين بحكومة مدنية ، عقب سقوط نظام البشير وكانت تلك الأحداث هي الابشع والأكثر دموية في تاريخ السودانيين؛ قبل اندلاع الحرب.
وفي الرابع والعشرين من رمضان المواقف الخامس عشر من ابريل المنصرم، اندلع القتال بين الجيش ومليشيا الدعم السريع، ليكون بذلك القاصمة التي كسرت ظهر السودانين و قتلتهم وشردتهم والتي لم تزل مندلعة حتى الآن رغم دعوات اممية لوقف القتال في رمضان تقديسا الشعائر الشهر الكريم.
لا غضاضة
ويرى في ذلك _ اي استمرار الحرب والقتال في رمضان _ الصحفي والمحلل السياسي عبد الله آدم خاطر إن مسألة الحرب في رمضان كمجتمع إسلامي ليس ثمة انتقاد حولها كبير لان أعظم حرب خاضها المسلمون في بداية تكوين المجتمع المدني كانت غزوة بدر في ال17 من رمضان بالإضافة إلى غزوان أخرى.
ويشير خاطر في حديثه ل “الكرامة” إلى ان الانتقاد يكمن في ابتدار الحرب واسبابها ومدى المعاملات فيها لانه المطلوب في اي حرب وفق المنظور القيمي والقانوني والاخلاقي.
لكن في الاثناء يتداول الشارع السوداني جدل استمرار الحرب في شهر رمضان مع دعوات لاستمرارها حتى تطهير البلاد من المتمردين . المنادون باستمرار الحرب يطالبون بعدم منح قوات الدعم السريع اية فرصة لاستعادة أنفاسه وإدخال المزيد من الأسلحة والذخائر؛ ما يجعل المناداة باستمرارها ضرورة.
حكومة حرب
والخميس الماضي حث الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش طرفي الصراع في السودان على وقف القتال في رمضان، محذرا من أن الأزمة الإنسانية “بلغت نطاقا لا يوصف” وأن نصف السكان بحاجة إلى المساعدة العاجلة
والجمعة اعتمد مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، قراراً يدعو إلى وقف الأعمال القتالية في السودان، خلال شهر رمضان، وصوت مجلس الأمن لصالح مشروع القرار البريطاني بموافقة 14 دولة، مع امتناع دولة واحدة عن التصويت وهي روسيا.
لكن في مقابل ذلك اشترط رئيس مجلس السيادة الإنتقالي الفريق اول عبد الفتاح البرهان لوقف الحرب خروج الدعم السريع من القرى والمدن، واعلن مساعد القائد العام للقوات المسلحة ياسر العطا انه لاتفاوض مع الدعم السريع لا في رمضان ولا غير رمضان إلا بالاستسلام الكامل.
وقال خلال مخاطبته امس الاول احتفال تخريج قوات حركة العدل والمساواة بكسلا؛ شرقي السودان، ان الامارات تسعى إلى استغلال ميناء وخيرات السودان عبر دعم التمرد مؤكدا ان الشعب السوداني افشل مشروعها عبر الاصطفاف خلف القوات المسلحة ، ودعا الفريق العطا إلى تكوين حكومة حرب.
سنوات عجاف
في مقابل ذلك وعطفا على كل ماذكر فان السودانيين يستقبلون اليوم أولى ايام الشهر المبارك، متأملين ان يكون آخر أشهر حروبهم واخر سنوات شقائهم، رافعين الأكف مبتهلين الله ان يحيوا عيد الأضحى المبارك في منازلهم.
وتأمل نعمات سيد _ ربة منزل _ ان يكون شهر رمضان هذا اخر سنوات السودان” العجاف” ، على أن يعود العام المقبل والسودانيين في منازلهم وسط ذويهم، مطالبة بضرورة إنهاء الحرب في اسرع وقت؛ لان اطالتها يدفع السودانيين إلى أوضاع إنسانية قاسية لا يستطيعون تحملها أكثر من ذلك.
وعلى الرغم من ان رمضان هذا العام يأتي على نعمات ورفيقاتها كثر وهي خارج منزلها الا انها تؤكد ل “الكرامة” محاولتها أحياء شعائره رغم مرارة الفقد والبعد بحد قولها؛ لان إرادة الله استوجبت ذلك.
في الاثناء يقول الطيب الصادق _ موظف _ ان رمضان على الرغم من انهم يحيونه في الولايات الآمنة بالسودان الا ان تبعات الحرب القت بظلالها على جميع السودانيين داخل وخارج السودان؛ مؤكدا ل “الكرامة” انه يأتي حاملا معه وجعا لم يشعرون به من قبل سيما في ظل الأحداث التي صاحبت الحرب من انتهاكات وقتل وتدمير لم يخطر على البال اطلاقا.