دمعة علي (برش ابوي)!
علي كل
محمد عبد القادر
دمعة علي (برش ابوي) !!
مازال صدى الصوت الملائكي يرن في أذني، صادفته أول أيام رمضان، كان مفصلاً على حالتي تماماً وأنا أستعيد ذكريات أول يوم – مع أول رمضان أفتقد فيه (أبوي) الذي كتب الشهر الفضيل على بوابة داره فى ذاك العام (حضرنا ولم نجدكم).
صوت حنان النيل كان غارقاً في حلاوته ووقاره العجيب (يا راحلين إلى منى بقيادي – هيّجتموا يوم الرحيل فؤادي – سرتم وسار دليلكم يا وحشتي – الشوق أقلقني وصوت الحادي)..
نعم شممت رائحة يوم عرفة، وقد كان فيه صائماً قبل يومين من رحيله المفاجئ، وتذكّرت دموعه التي كانت تعبر شلوخه الست فتحيل الوجه إلى روضة ملائكية مفعمة بالاشتياق إلى الحبيب.
صوت الحداء الحزين كان يقلبنا في ذلكم اليوم على جمر الشوق إلى النبي، ذات الدموع بَلّلت وجه أبي وهو ممسك بالريموت يلاحق صور الحجيج بينما مفردات الشوق لا ترحم: (بالله يا زوّار قبر محمد – من كان منكم رائحاً أو غادياً – بلِّغوا المختار ألف تحية من عاشق متفتت الأكباد)، في تلكم اللحظة أغمض أبي عينيه ونام مبتسماً واثقاً من أنه في الطريق إلى الحبيب.
حبيبي وأبي عبد القادرمحمد بابكر، يا حبيب المصطفى، إنها دمعة على قبرك الحبيب، وزائرنا الكريم رمضان يفتقد قرآن الفجر بصوتك الفخيم، أتذكر جيداً يوم أن أيقظتني في أول أيام رمضان الفائت لأتأمل معك قوله تعالى: (والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس)، كنت متوهجاً بالإيمان على سيمائك وضاءة الصالحين، وفي وجهك نور الزاهدين، لقد عشت غارقاً في صوفيتك المريحة تنثر على من حولك الآيات والأحاديث مثلما تتذوق فاكهة طازجة، ذات المكان تستبد به الوحشة لصوتك المستبشر بذكر الله، وأنت تستقبل ضيفك رمضان بالتكبير والتهليل وإيقاظ أهل بيتك، أشواقنا عصية على الوصف، والعابرون للطريق يبحثون في (البرش) عن بركة الإفطار ودروس الفقه وأحاديث سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم) الذي أرهقك الشوق إليه كثيراً.
نستقبل رمضان وأنت بيننا قيمةً ودمعةً، شوقاً وحنيناً ودفئاً ما برح أجسادنا التي كانت تلوذ بحضنك الآمن وبقرآنك المطمئن حين تستبد بها وحشة الأيام، افتقدناك جداً في أول أيام رمضان، قاومت النعاس كثيراً حتى أفعل ما كنت تقبل عليه بحب وارتياح، في السحور بركة، وصلاة آخر الليل، وصوت الباب وخطوات إلى المسجد نسمعها ونحن نتقلب في دعة يوفرها لنا أمان صوتك و(دخلتك ومرقتك).
إنها دمعة على قبرك، ووجعة على رحيلك، قصدت أن أواسي بها رمضان الذي افتقدك مثلنا، فلك السلام وأنت فينا (معلماً) تهدئ روع أيامنا الباكيات عليك، وتحملنا على أجنحة صبرك وأوراد يقينك لتضعنا أمام قناعة تقول إنك باقٍ باقٍ بمداد الوصية الذي كتب على عمرنا أن (والدنا) رحل بينما كانت الدمعة تبلّل مآقيه شوقاً للحبيب المصطفى، فمن سنكون بعدك سوى حيران متبتلين في خلوة النبي الكريم محمد عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.
…..
مازلت افتقد الوالد فى كل رمضان، هذا العام نفتقد الوطن باثره، بعد ان دمره الجنجويد القتلة واحالوه الى حطام ودمار و اشلاء ودماء، نبتهل الى الله بفضل حلول الشهر الكريم ان يعيد لنا الوطن الذى افتقدناه واحببناه وان ينصر جيشنا العظيم ويتقبل شهداءنا الابرار ويشفي جرحانا ويخفف مصابنا ويعيدنا الى السودان منتصرين مطمئنين..
(تصوموا وتفطروا على خير)….