المشروع البريطاني.. اجندة سياسية ب(غطاء انساني)..

اسباب ودوافع التحرك بعد عشرة اشهر للحرب..
المشروع البريطاني.. اجندة سياسية ب(غطاء انساني)..

متابعات – الكرامة
الكلمات الصريحة التي دلقها مندوب السودان بالأمم المتحدة، السفير الحارث إدريس، فى مسامع أعضاء مجلس الأمن، كانت كافية لكونها حملت ردًا ربما يجهله الكثيرون تحت تلك القاعة البيضاوية، بشأن الدعوة لوقف العدائيات في السودان خلال شهر رمضان، حيث قال السفير : تلقيت رسالة للتو من رئيس مجلس السيادة يعلن ترحيبه بمناشدة الأمين العام لوقف العدائيات خلال رمضان، وفقا لمقررات اتفاق جدة، ولكنه يطلب منكم رؤية حول كيفية تنفيذ ذلك لان الدعم السريع لم يلتزم بالاتفاق السابق وظل يهاجم البيوت والمواطنين، لذلك أي جهة تريد أن تدخل موضوع وقف العدائيات عليها أن تأتي برؤية لتنفيذه وحكومة السودان ترحب به”..
رسالة البرهان مفادها أن المليشيا المتمردة لا تلتزم بما وقعت عليه سابقا وبحضور ربما معظم تلك الدولة الموجودة في المجلس الآمن، فكيف لها ان تلتزم باتفاق جديد؟، ولذلك ووفقا لمصادر فان ترحيب البرهان كان مشروطا بانسحاب مليشيا الدعم السريع من المدن ومنازل المواطنين.
لماذا الان؟!
وبغض النظر عن تمرير القرار من عدمه، فإن السؤال الذي يقفز إلى الأذهان هو لماذا الاهتمام الآن بوقف اطلاق النار في السودان، بعد مرور أكثر من 11 شهرا على الحرب؟، ارتكبت خلاله تلك الفترة المليشيا كل ما هو سييء ولم تترك للمواطن حتى ملابسه الداخلية وقتلت واغتصبت وشردت المواطنين من كل مدن دارفور والخرطوم والجزيرة وكردفان؟، وهل الدوافع إنسانية بحتة أم سياسية؟.

يرى مراقبون أن القرار جوهره إنساني لكنه قد يخفي مآرب أخرى، بالرغم من كلمات بعض المناديب والتي أبرزها كلمة الأمين العام للأمم المتحدة انطوني غويتريش الذي قال: “بعد أيام قليلة يبدأ شهر رمضان، لذا أوجه نداءا من هذه القاعة، أدعو جميع الأطراف في السودان إلى احترام قيم رمضان من خلال وقف الأعمال العدائية بمناسبة شهر رمضان”، وأضاف “هذا الوقف للأعمال القتالية يجب أن يؤدي إلى توقف القتال بشكل نهائي في جميع أنحاء البلاد، ورسم طريق محدد نحو السلام الدائم للشعب السوداني”، وقال إن “الأزمة الإنسانية في السودان تتخذ أبعادا هائلة، ونصف السكان  بحاجة إلى مساعدات إنسانية للبقاء على قيد الحياة ويعاني حوالي 18 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد”، محذرا من أن أنظمة تزويد المياه والصرف الصحي تنهار. والأمراض آخذة في الانتشار.

تردي الأوضاع

وهنا يقول الصحفي عمار عوض المقيم ببريطانيا، لـ(الكرامة) إن
لندن مهمومة بتردي الأوضاع الإنسانية، والمستمرة، منذ فترة ويعتبر أن هذا المشروع الذي تقدمت به يأتي في ظل ظروف متغيرة عن الواقع السابق، وهو ما ظهر في كلمة مندوب بريطانيا، الذي يدعو إلى تكامل العمل بين الأمم المتحدة، ومنظمة الايقاد والجامعة العربية ومنبر جدة، حيث أوضح المندوب في كلمته والحديث لعمار- أن المبعوث الجديد رمضان العمامرة نحج في توحيد جهود المبادرات بدلا من تضاربها، مما جعل بريطانيا مهتمة أن يلقي مشروعها لوقف العدائيات موافقة وقبول، بالإضافة إلى المتغيرات الأخيرة التي صدرت من الحكومة السودانية فيما يتعلق بمسارات دخول المساعدات الإنسانية وقد كانت في السابق عقبة كؤوُد تحول دون أي قرار لوقف اطلاق النار.
وأشار عمار إلى ان القرار ما زال في مرحلة المسودة الأخيرة قبل التصويت عليه حيث تسعى بريطانيا لحدوث اجماع من بقية الدول، وأضاف “لكن ما يجب الإشارة اليه أن بريطانيا هي الدولة الوحيدة التي اشارت إلى حال الأطفال وخاصة ضياع عامين دراسيين وعدم وجود الغذاء، حيث يرى المندوب أن تأخر التعليم سيولد اجيالا فاشلة ستؤثر على مستقبل السودان”.
انقاذ المليشيا
لكن انطلاقا من مواقف بريطانيا السابقة تجاه السودان، سيما في مراحل مختلفة وحالة العداء الواضحة التي تبديها لندن تجاه الجيش السوداني، منذ ثورة ديسمبر، فإن هناك اراء ترى بأن القرار البريطاني هو فعل سياسي تحت غطاء انساني، وأن أهدافه ليست انسان السودان او القضاء على الجوع، بدليل أن لندن صمتت خلال 10 اشهر من الانتهاكات البربرية التي ترتكبها المليشيا، وهنا يقول المحلل الاستراتيجي والخبير الأمني الفريق حنفي عبدالله لـ(الكرامة) إنه تاريخيا بريطانيا هي جزء من اللوبي الذي كان يستنهض الشباب لإسقاط الحكومة السودانية من أيام السفير السابق عرفان صديق الذي كان مخوّل لإدارة الملف ويموّل الصراع، وأشار حنفي إلى أن بريطانيا هي عراب ملف السودان في مجلس الأمن وبالتالي هناك اجندة واضحة في ايقاف الحرب، وأضاف “لكن السؤال المطروح لماذا لم يتحرك مجلس الأمن إلا في هذا الوقت الذي تقدم فيه الجيش وحقق انتصارات واضحة، والتمرد في اضعف حالاته؟” وتابع “أعتقد أن المسألة لن تمضي إلى الأمام بالرغم من أن القرار حاول وضع حيثيات تجعل السودان يقبل، لكن الهدنة لن تتم الا بتنفيذ مقررات جدة بصورة واضحة، وسيكون هناك دور روسي واضح خاصة بعد أن التقى السفير الروسي برئيس مجلس السيادة”.
ويؤكد حنفي في إفادته لـ(الكرامة) أن المخطط معلوم وهو ان تتم هدنة تجعل من المليشيا تقوّي موقفها وتسيطر على مواقع استراتيجية أخرى، خاص وان المسألة تم توقيتها مع فتح المسارات في كل المناطق والحدود والمطارات، وأضاف “بالرغم من أن اللجنة المختصة بمتابعة ملف المسارات حددت ضوابط لكن مهما عملت ستكون هناك ثغرات لأننا لدينا تجربة مريرة عشناها في شريان الحياة”، ونوه حنفي إلى أن هذه المسألة مخطط لها بدقة لتتزامن مع عملية فتح المسارات مع الهدنة، وهذه كلها مربوطة بتحركات تنسيقية تقدم في اتجاه ربط المسار السياسي وإعادة انتاج حمدوك من جديد.
حمولة فاسدة
نظرة أخرى وإن كانت لا تبعد كثيرًا عن محاولة دس الشأن الإنساني في السياسي، ترى بان بريطانيا لكونها حاملة قلم السودان في مجلس الأمن، تحاول أن تتخلص من حمولة الدعم السريع، بعد أن توصلت ربما إلى نتيجة مفادها أن المليشيا خسرت كل شيء ولم تعد تصلح كمشروع تستطيع عبره لندن تنفيذ اجندنها مثلما فعلت في السابق عندما دعمت ضمن دول أخرى مشروع الاتفاق الإطاري الذي هو سبب الحرب، وهناك يقول المحلل السياسي الرشيد محمد إبراهيم لـ(الكرامة) إن بريطانيا تصنّف في مجلس الأمن بأنها حاملة القلم للسودان، وبالتالي يأتي تقديمها للمقترح من هذه الخلفية، لكن يبدو أن المحتوى السياسي للقرار يأتي بغطاء إنساني.
وأضاف “واضح من خلال تقييم توصلت اليه الدبلوماسية البريطانية بأن مليشيا الدعم السريع فقد شرعتيه تماما، وبالتالي فانها تعمل في اتجاه أن تتبرأ منها تنسيقية “تقدم” بقيادة حمدوك الجناح المفضل بالنسبة لبريطانيا، خاصة بعد الجرائم التي ارتكبتها في ولاية الجزيرةـ ويضيف ان بريطانيا توصلت الى ان المليشيا اصبحت خطرا وليست خيارا لذلك نلاحظ التبرؤ من هذه المليشيا عبر بيانات خجولة صدرت من كيانات “تقدم” وهذا يدلل والحديث للرشيد- على أن هناك مفاصلة ربما تشهدها الساحة بين تقدم والمليشيا، وبالتالي دخول المواجهة في السودان إلى مرحلة جديدة.
ويشير الرشيد إلى أن بريطانيا وفقا لتقارير قدمت ضمانات للمليشيا بإمكانية انسحابها من المشهد وبالتالي تستطيع تحقيق مكاسب لم تستطيع تحقيقها عبر الحرب، الإ ان الرشيد يؤكد أن الوقائع على الأرض وتقدم الجيش على الميدان ووجود أكثر من وجهة نظر داخل مجلس الامن يجعل من تمرير القرار أمرًا صعبا و يعتبر تأجيل القرار مؤشرا على عدم التوافق والاجماع داخل أروقة مجلس الأمن الدولي تجاه القرار.