حرب الكرامة الوطنية.. كلمات في حق الجيوش المدنية

حـدود المنطق

حرب الكرامة الوطنية،، كلمات في حق الجيوش المدنية

إسماعيل جبريل تيسو

ونتفق جميعاً على أن تمرد ميليشيا الدعم السريع في الخامس عشر من أبريل من العام الماضي ٢٠٢٣م، قد ترك أثاراً وعواقب كارثية، تراوحت ما بين الموت والاغتصاب والاختطاف والنهب والسلب والتهجير القسري وتدمير البنية التحتية وتصدع الأنظمة الصحية، وانهيار قواعد الاقتصاد، وتمزق النسيج الاجتماعي، ووقوع الكثير من الأعمال العنيفة التي صدمت وجه الحياة في السودان، وأحدثت تغييرات واضطرابات في واقع الناس.

نعم لا ننتظر من الحرب غير التدمير، ولكن فظائع ميليشيا الجنجويد كانت مختلفة وصادمة، أصابت مختلف أشكال الحياة الإنسانية في مقتل، ولكن في مقابل هذا السواد الكالح لوجه الحرب، برزت جوانب مشرقة تستحق الإشارة إليها والوقوف عندها، ومن ذلك الهمة العالية لسواعد فتية من شباب آمنوا بربهم ووطنهم، فازدادوا هدى ومحبةً في نفوس السودانيين، إنهم فتية أخيار من الكوادر الطبية والهندسية، ممن بذلوا الروح والدم والعرق، وهم يرابطون طوال فترة الحرب في قطاعات حيوية، يمدّون من خلالها الناس بالكثير من الخدمات الضرورية.

فقد حرصت ميليشيا الجنجويد منذ بواكير تمردها وحربها ضد الجيش، على احتلال الأعيان المدنية، فوضعت يدها على العديد من المستشفيات والمرافق الصحية واتخذتها ثكنات عسكرية، وأجبرت الكوادر العاملة في هذه المؤسسات على علاج جرحاها تحت تهديد السلاح، وقتلت بعضاً منهم داخل المستشفيات، وقامت بخطف آخرين واقتادتهم لعلاج بعض قادتها خارج هذه المرافق الصحية، ومع ذلك صمدت هذه الكوادر وكانت حريصة رغم هذه الظروف المروِّعة على أن تكون المرافق الصحية والعلاجية مفتوحة في وجه المواطنين، ولعل تجربة مستشفى ( النَّو ) بالثورة خير شاهد ودليل على إخلاص وتفاني وإنسانية الجيش الأبيض.

وتحكي محطات المياه والكهرباء قصصاً وفصولاً كان أبطالها مهندسون وعاملون في هذين القطاعين، تزوّدوا بقيمة الانتماء للوطن، وواجهوا الموت، وهم مشدودن على الأسلاك ومعلقون أعمدة الكهرباء في الشوارع، أو يغوصون في أعماق الآبار، لصيانة وتأهيل طلمبات المياه، غير آبهين بأزيز الرصاص وانفجار القنابل والقذائف المدفعية، فلم يكونوا حريصين على أرواحهم، بقدر حرصهم على استعادة خدمات المياه والكهرباء التي طالتها يد الفوضى، فكانت تشهد انقطاعاً بين فترة وأخرى طوال فترة الحرب، بفعل الاستهداف الممنهج من قبل ميليشيا الدعم السريع لمحطات المياه والكهرباء، سواءً بالقصف المدفعي المتعمد، أو بالاحتلال وإجبار العاملين على قطع الإمداد المائي والكهربائي عن بعض المناطق والأحياء في إطار حرب الجنجويد المستعرة ضد المواطنين.

وضرب المهندسون والعاملون في قطاع الاتصالات مثالاً يحتذى في قدرة الشباب السوداني على الابتكار والمواكبة وهزيمة الصعاب، وتأكيد حقيقة أن المستحيل ليس ( سوداني)، فما فعله العاملون بشركة سوداني يمثل تاجَ عزٍّ، ومجدَ عزٍّ، وفخرَ عزٍّ ينبغي أن نفخر به، كيف لا وقد ألقم هذا الشباب الميليشيا المتمردة حجراً وردوها خاسئة، بعد أن نجحوا خلال أيام معدودات في استعادة خدمة شبكة الاتصالات والإنترنت في معظم ولايات السودان، فأعادوا البسمة إلى وجوه الكثير من الأسر والعائلات ممن يعتمدون في شراء احتياجاتهم والحصول على المساعدات من أهلهم وذويهم داخل السودان وخارجه عن طريق خدمة التطبيقات البنكية والمصرفية.

فشكراً لهذه الجيوش المدنية التي تحارب جنباً إلى جنب مع المؤسسة العسكرية المسنودة بالقوات النظامية والمستنفرين، فما ينعم به السودان من خدمات معقولة في عدد من القطاعات، في ظل هذه الحرب، يستحق أن نرفع القبعات ونُحني الهامات، تقديراً لمن يبذلون الجهد في هذه القطاعات، متحاملين على أنفسهم، ومتحملين وطأة ظروف استثنائية لا طاقة لهم بها، وهي مؤشرات تؤكد وجود قدرات وكوادر مبتكرة وخلاقة، مما يبشِّر بمستوى السرعة المتوقعة في ثيرمومتر التعافي من أثار الدمار، متى وضعت هذه الحرب الأوزار، فلهم الشكر والتقدير، ومن لا يشكر الناس، لا يشكر الله، فهي نعمةٌ من الله الذي يجزي من شكر.