المساعدات الإنسانية.. الضبعة والغنم!
للعطر افتضاح
د. مزمل أبو القاسم
المساعدات الإنسانية.. الضبعة والغنم!
* من المضحك المبكي أن تتم مهاجمة الحكومة السودانية بادعاء أنها رفضت دخول المساعدات الإنسانية للمتأثرين بالحرب عبر دولة تشاد، وأن ذلك الرفض سيفاقم معاناة المدنيين في المناطق المتاخمة لتشاد وفي ولايات دارفور وكردفان على وجه العموم.
* لكي نقف على وجاهة ذلك الاتهام من عدمها سنذكر أولاً أن افتراض حسن النوايا في مليشيات الدعم السريع، والجزم بأنها حريصة على إيصال المساعدات إلى المدنيين المحتاجين إليها يمثل افتراضاً مضحكاً يحوي أسوأ أنواع اللعب على الذقون.. لماذا يا ترى؟
* سنذكر أيضاً أن الحكومة السودانية وكما ذكر حاكم إقليم دارفور مني آركو مناوي لا ترفض إغاثة المدنيين المتأثرين بالصراع في أي مكان من حيث المبدأ، ولا اعتراض لها على دخول المساعدات الإنسانية إليهم، لكنها تعلم علم يقيناً أن تشاد تحديداً ليست مؤهلة لأداء تلك المهمة، لثبوت ضلوعها في تزويد متمردي الدعم السريع بالأسلحة والعتاد الحربي عبر مطار أم جرس، وبالتالي فإن شبهة تسريب السلاح للمتمردين تحت ستار تقديم المساعدات الإنسانية تقف حائلاً دون الاستجابة لذلك المطلب، بعذر منطقي وقوي.
* فوق ذلك فإن متمردي الدعم السريع أنفسهم غير مؤهلين، لا من الناحية الأخلاقية ولا الإدارية ولا الأمنية للإشراف على استلام وتوزيع المساعدات الإنسانية على المواطنين، بغض النظر عن الجهة التي تتولى إيصالها لهم.. والسبب أن من ظلوا ينهبون ممتلكات المواطنين ويروعونهم ويسرقون أموالهم ومنازلهم، وبالتالي لا يُنتظر منهم مساعدة المواطنين بتوصيل المساعدات إليهم!
* نذكر جميعاً أن برنامج الغذاء العالمي أصدر في يوم 28 ديسمبر الماضي بياناً ضافياً، عقب سقوط مدينة ود مدني في أيدي المتمردين، اتهم فيه قوات الدعم السريع بنهب مخازنه، والاستيلاء على أغذية تكفي لإطعام حوالي مليون ونصف المليون مواطن.. بعد أن اقتحم المتمردون المكاتب والمستودعات بقوات ضخمة ومدججة بالسلاح!
* من يسرقون المساعدات لا يمكن ائتمانهم عليها، وكما يقول أهلنا (الضبعة ما بحرسوها الغنم)!
* ومن ينهبون أموال المواطنين وذهب المواطنين وسيارات المواطنين وقوت المواطنين وينتزعون الحلي من صدور وآذان النساء ويطردون المواطنين من منازلهم ويحتلونها لا يمكن أن يتم تكليفهم بتخفيف معاناة المواطنين ومساعدتهم.
* علاوةً على نذكر أنه في الثاني من شهر يناير الماضي وقعت تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) إعلاناً سياسياً مع متمردي الدعم السريع في أديس أبابا منح المتمردين أفضلية تقديم المساعدات الإنسانية للمواطنين في مناطق انتشار المتمردين، ونص في بنده الثالث على ما يلي: (تتعهد قوات الدعم السريع في مناطق سيطرتها بفتح ممرات آمنة لوصول المساعدات الإنسانية وتوفير الضمانات اللازمة لتيسير عمل منظمات العمل الإنساني وحماية العاملين في مجال الإغاثة)، كما نص الاتفاق على تهيئة الأجواء لعودة المواطنين لمنازلهم في المناطق المتأثرة بالحرب (الخرطوم ودارفور وكردفان والجزيرة)، وتوفير الأمن بنشر قوات الشرطة وتشغيل المرافق الخدمية والإنتاجية، مع تشكيل إدارات مدنية بالتنسيق مع أهل المناطق المتأثرة بالحرب.. فهل أوفى متمردو الدعم السريع بتلك التعهدات؟
* الإجابة لا تحتاج إلى كبير عناء، لأن تلك المليشيات المجرمة فعلت العكس تماماً، سيما في ولاية الجزيرة، التي شهدت تنكيلاً غير مسبوق بالمدنيين، واقتحاماً للقرى الآمنة، وترويعاً لأهلها، وقتلاً لشبابها، واغتصاباً لنسائها، وانتهاكاً لحرمات منازلها، ونهباً لممتلكاتها.. وسط صمت مخجل من (تقدم)، التي لم تتخذ أي خطوة عملية لإلزام المتمردين بتنفيذ التعهدات الواردة في إعلان أديس أو إلغائه أو حتى تجميده إلى حين الوفاء به وكف الأذى عن المواطنين المنكوبين.. بل إن (تقدم) حاولت التغطية على الجرائم المروعة التي يرتكبها أوغاد الدعم السريع بالتركيز على رصد وذكر انتهاكات أخرى يتم نسبها إلى الجيش جزافاً، مع تمام علمها بأن المواطنين الذين روعتهم مليشيات الدعم السريع ظلوا يفرون من مناطق انتشار الأوباش إلى مناطق سيطرة الجيش بحثاً عن الأمان!
* أحرج المتمردون شريكهم المدني بجرائمه الحرب المنكرة التي ارتكبوها في حق ملايين السودانيين، وبالتالي فإن المطالبة بإسناد أي أدوار إنسانية إليهم تجعلنا ندير رؤوسنا تعجباً من بؤس المنطق وقبح المطالبة وسذاجتها ومجافاتها للعقل والمنطق.
* المجرمون القتلة واللصوص الأوباش المجردون من كل نوازع الخير والإنسانية.. أصحاب القلوب المتصحرة والإجرام الموغل في الوحشية لا يمكن أن يساهموا في تخفيف معاناة ضحاياهم، بتوصيل المساعدات الإنسانية إليهم.. لأن (فاقد الشيء لا يعطيه).. ومن شبّ على شيء شاب عليه.
* (الكسَّابة النهابة) كما وصفهم كبيرهم الذي علمهم القتل والسرقة والحرق والسحل وارتكاب كل موبقات الدنيا لا ينتظر منهم مساعدة المدنيين إلا فاقد للعقل والدين.. قبَّحهم الله أنَّى يؤفكون!