حرب الجنجويد.. سقوط الأقنعة
الكرامة: هبة محمود
اذا كان الدعم السريع جاء ليحقق الديمقراطية وينهي دولة 56 كما يدعي فلماذا إقليم دارفور الذي يسيطر على كل ولاياته عدا الفاشر بهذا الحال من الانتهاكات والقتل و الاغتصابات والتطهير العرقي الذي يمارسه، اما كان الأولى للدعم ان يثبت حقيقة ادعاءه من خلال سيطرته على هذا الإقليم، ان كان يتحدث عن الهامش والمركز والديمقراطية؟ هل يحارب الدعم السريع فلول النظام السابق في إقليم دارفور؟ وماذا بشأن معسكرات النازحين التي تقوم قوات الدعم السريع من وقت لآخر بمداهمتها؟
عدد من التساؤلات المطروحة على طاولة المشهد العام، حول جدلية مزاعم تفكيك دولة 56 من قبل الدعم السريع وتحقيق الديمقراطية وتنفيذ العدالة المطلوبة، وغيرها مما تردده هذه القوات منذ اندلاع حربها مع الجيش في منتصف ابريل الماضي كمبررات و دوافع واهية قادتها لرفع السلاح تضع إقليم دارفور نموذجاً حول تحقيق ما تردده من مزاعم لاعتباره يقع تحت سيطرتها بنسبة تفوق ال80 %؛ فكيف سقطت مليشيا “آل دقلو “في امتحان الديمقراطية وابتلعت كل سعاراتها وتحولت الى عصابات للسرقة والقتل والاغتصاب وترويع المواطنين.
أهداف حقيقية
ربما بدت الصورة برمتها أكثر غرابة وذلك عقب مواصلة قوات الدعم السريع انتهاكاتها المستمرة على انسان دارفور، جراء سيطرتها على أجزاء واسعة وكبيرة من الإقليم، الذي تنتمي اليه قبائليا، سيما انها ظلت ومنذ اندلاع القتال مع الجيش تتحدث عن الديمقراطية وتعقد مقارنة بين (جلابة المؤتمر الوطني) بالخرطوم وانسان دارفور المهمش.
ومع استحواذ القوات على الإقليم بدأت تنفذ عمليات تطهير عرقي واسعة مع أحداث انتهاكات جسيمة حيال المواطنين أدت إلى تهجيرهم وهو ما عده متابعون للمشهد السياسي الأهداف الحقيقية للقوات .
ويرى مواطنون من داخل الإقليم؛ إن ما تقوم به قوات الدعم السريع اقل ما يوصف بكونه فظائع تمارسها حيالهم ترقى لاكثر من اعتبارها جرائم حرب او إبادة جماعية او خلافه.
ويقول إسحاق دفع الله _ خمسيني_ احد مواطني إقليم دارفور إن الإنسان بالإقليم يعاني الويل من هذه المليشيات التي بسيطرتها على الإقليم جعلت السكان من القبائل غير العربية هدفا لها.
وينظر “إسحاق” في حديثه ل”الكرامة” إلى ان مليشيا الدعم السريع ابعد ما تكون عن الديمقراطية، منوها الى كونها شعارات كاذبة، اتخذتها مطية في قتالها مع الجيش، ووسيلة خطاب للمجتمع الدولي، لكن ما يجري على أرض الواقع و تداعياته اكبر بكثير.
تعيث فسادا
في مقابل ذلك يطالب المواطن “عبد الله فكي” في العقد الثالث من العمر، الجيش بالتدخل العاجل لتحرير إقليم دارفور من يد قوات الدعم السريع مؤكدا إن ما يصل العالم من تقارير ابشع بكثير على أرض الواقع.
ويشير فكي ل “الكرامة” إلى أن قوات الدعم السريع تعيث بالاقليم فسادا، وتقوم بتخزين الأسلحة وسط الأحياء المدنية، غير ابهة بالأرواح، حتى لا يقوم الجيش بقصفها وعندما يقصف الجيش تلك المخازن، تسارع في إصدار بيانات عن قتل المواطنين وغيرها من أحاديث تستعطف بها المجتمع الدولي.
ويؤكد على أن المتضرر الوحيد في هذه الحرب هو المواطن السوداني، وليس دون غيره مشيرا إلى ان معسكرات النازحين تعاني من هجمات قوات الدعم السريع المستمرة واختطاف النساء وقتلهم وسبيهم فضلا عن السرقة والقتل؛ويتابع”ما يحدث يفوق الخيال.
أوضاع سيئة
من جانبه كشف المتحدث الرسمي باسم المنسقية العامة للنازحين و اللاجئين بدارفور” آدم رجال” عن أوضاع إنسانية سيئة يعانيها انسان دارفور سيما في المخيمات من نقص في الحصص الغذائية مؤكدا وجود وفيات يومية بسبب سوء التغذية بين الأطفال وكبار السن والحوامل؛ مؤكدا توقف الحصص الغذائية من قبل صندوق الغذاء العالمي بسبب عدم دخول الاغاثات وذلك بسبب الدعم السريع ومنع السلطات الحكومية دخولها ما جعل ملايين في مواجهة الموت.
وافصح “رجال” ل الكرامة؛ عن تكدس في المعسكرات وتوقف الزراعة بسبب الأوضاع الأمنية منذ اندلاع الحرب الأمر الذي جعل الفجوة غذائية كبيرة مؤكدا كذلك توقف جل الأعمال التي كان يقوم بها المواطنون فضلا عن توقف المؤسسات العلاجية ما يعرض خطر النازحين للموت، ويؤكد ان قوات الدعم السريع عبارة عن مليشيا استخدمها النظام السابق، و ما زالت بنفس العقلية القديمة دون رحمة او إنسانية في التعامل مع المواطنين.
وتابع : الديمقراطية ليست شعارا براقا للاستهلاك السياسي وانما بحاجة للترجمة على أرض الواقع؛ ولشخص يكون منضبطا وصاحب اخلاق، اما هذه القوات فليس لها أخلاق دولة ولا علاقة للواقع بما يتحدثون به في الإعلام.
ومضى قائلا: للأسف القيادات في الدعم السريع تتحدث عن شئ والقوات على الأرض تتحدث عن شئ اخر و ترتكب الجرائم وما يؤكد وجود حالة انفصال بين القيادات والقوة على الأرض قوات الدعم السريع ليس لديها عقلا في إدارة الدولة لأنها مليشيا وتعامل المواطنين تعاملا سيئا وللأسف كثير من المواطنين مجبورون على الجلوس معهم؛ط لأنها قوات لديها قوة وآلية قمع؛ وهؤلاء مواطنين بسطاء بالكاد يملكون قوت يومهم.
مليشيا كاذبة
ويؤكد عضو لجنة إسناد القوات المسلحة في دارفور، د. نور الدين رحمة؛ ان الحديث عن الديمقراطية ومحاربة الكيزان و دولة 56 كلمة اريد بها باطل من قبل الدعم السريع التي اشار إلى انها ارتكبت الكثير من الممارسات في حق المواطنين.
ويرى نور الدين ان أحداث الجنينة وكاس وكتم وكبكابية و زالنجي وغيرها تكذب كل ما يقوله الدعم السريع لأنها مناطق على حد قوله لا وجود فيها للتنظيم الإسلامي.
ويقول ان الديمقراطية هي اسلوب حكم مدني يضمن الحق والعدالة للمواطنين؛ إنما قوات الدعم السريع تقوم بخطف المواطنين وطلب فدية بحكم السلاح…
وتابع: هذه ليست ديمقراطية الديمقراطية التي نعرفها لديها اسلوب لكن كل المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع تئن تحت ابتزازها؛ فهذه القوات تبتز المواطنين بطريقة قطيعة.
ويضيف : البعض في دارفور يتمنى لو ان الأرض تبتلعه حتى يتخلص من هذه القوات لانهم مستضعفون؛ وانا من هنا اناشدهم بالكف عن ابتزاز المواطنين وانتهاكات التي تمارس في حقهم ، ونقول لهم مرحب بهم في السلام لكن بهذه الطريقة لن نقبل ونحن قادرين على أن نحمي بلدنا.
فوضى خلاقة
ويعتقد المفكر السياسي د. محمد المجذوب ان الاجندة الرئيسية للدعم السريع هي الاستحواذ على السلطة في السودان وازاحة الجيش من واجهة الدولة وايضا كواحدة من المؤسسات المهمة في السودان.
ويرى المجذوب في حديثه ل”الكرامة” ان الدعم السريع يعمل على سيناريو اخر وهو سيناريو الفوضى الخلاقة؛ وهذا يعني إيصال جمهور الشعب إلى قناعة بعدم جدوى الدولة او عدم حضور الدولة و غيابها فيما يتعلق بوظيفتها الأمنية والسياسية او وظيفتها الصحية والخدمية او التعليمية او وظيفتها في إدارة الحياة العامة للدولة مؤكدا انما يحدث في دارفور والخرطوم والجزيرة هو بحث عن سيناريو الفوضى حتى يصل عامة الناس إلى قناعة تامة لعدم جدوى الدولة وعندها يبحثون عن بدائل أخرى لها.
ويقول: ان ما يحدث في دارفور مثال جيد لحالة الفوضى الخلاقة، فالدعم السريع ليس معنيا بالحرص على إدارة شؤون المرافق الخدمية والمدنية وتدوير الحياة بالنسبة لعامة الناس لعجزه عن ذلك ولعدم رغبته في ذات الوقت فكل ما يسعى اليه هو تحويل القناعة بزوال الدولة وانهيارها لدى القطاع الواسع من الناس في المجتمع.
ويطالب المفكر السياسي قيادة الدولة بضرورة تفهم خطورة هذا المسعى من قبل الدعم السريع ومن قبل القوى المتربصة بالسودان لادخاله في حالة من الفوضى وانهيار الدولة كما حدث في الصومال وكثير من البلدان الأخرى ثم فتح الأبواب امام تشكلات سياسية جديدة واجتماعية واقتصادية وثقافية تحل محل المؤسسات القديمة، ما يتطلب من القيادة عمل سياسي واعلامي ومجتمعي وعسكري وامني يعيد الأوضاع الى حالة الوحدة واللحمة التي كان عليها السودان.