حد الدهشة..!

حد الدهشة..!

على عسكوري

يدهشنى هذا التكلس والعقم الذى ترزح فيه كل القوى السياسية يمينا ويسارا ووسطا. فالكل متزمت متمترس سجين للماضي البعيد والقريب… الكل يدور ويدور ويدور لينتهي الى ذات النقطة التى بدأ منها… ليعود مرة اخري ليدور ويدور حتى مل الدوران من دورانه.

والله إنى لأعجب..كيف لم تهز هذه الحرب الكارثية طريقة تفكيرنا ونمط حياتنا..! كيف لا يقف كل منا مع نفسه ويسأل: ما عساه ان يفعل لوقف سفك الدماء و معالجة الاسباب الجذرية التى اودت بنا الى ما نحن فيه من هوان وأودت ببلادنا وركلتها الى ذيل الشعوب!

هل توقف اى تنظيم سياسي ليطرح اسباب هذه الكارثة على عضويته لاعمال العقل والفكر ثم الخروج برؤية جديدة للتعايش في بلادنا..؟

من نافلة القول أن الافكار والاطروحات القديمة التى تحملها القوى السياسية يسارا ويمينا ووسطا هى التى افضت بنا الى ما نحن فيه من مهلكة وذلة وهوان.

يخطىء من يظن ان الكارثة بدأت في ١٥ ابريل! ماذا فعلنا لقرابة ال٧٠ عاما الماضية لنتجنب ما حدث! ايدولوجيات تالفة وصراعات عقيمة و (ركوب رأس) جهلول و حرص على اقصاء الاخرين وحرمان المخالفين من حقوقهم الاساسية والزج بهم في السجون دون ذنب حتى صار تمضية سنين العمر في سجن كوبر اكثر ما يفتخر به الساسه… وهو في حقيقته شهادة بعارنا الوطنى واننا لا نتحمل بعضنا البعض وإن اطنبنا ترديد المستهلك من القول اننا ديمقراطيون !
أنظر فقط الى اسماء مئات الاحزاب التى تمور بها الساحة وستجد ان كلها تدعي الديمقراطية…تدعي ذلك احزاب اليسار وتدعيه قوى اليمين وقوى الوسط فالكل ديمقراطي رغم ان الديمقراطية اندر سلعة فى بلادنا… بل معدومة تماما…! لكن احزابنا على كل حال تدعيها..(واللى ما يشتري يتفرج)!

الكل يتربص بالآخر لتسوية حسابات تاريخية وكلما تمت تسوية حساب قديم فتح حساب جديد..! الى متى نعيش في تسوية الحسابات وتسديد الضربات تحت الحزام!

لماذا ننافق بعضنا البعض! تتحدث الاحزاب عن الديمقراطية وهى كاذبة…!
فمثلا جماعة قحط حاليا – بعد (النيولوك)- (تقدم) مضت الى ما لايمكن ان يتصوره مواطن سوي للتحالف مع مليشيا مجرمة تدمر الدولة والمجتمع حد السواء. كل ذلك من اجل تسديد حسابات ( carried over) مع الجيش ومع ما تسميهم الفلول! و بالطبع من سخف القول ومن السذاجة المفرطة ان تتوقع (تقدم) ان قادة الجيش وضباطه وما تسميهم (الفلول) سيسلمون اعناقهم لها لتنصب لهم المشانق في الساحات! هذا امعان مفرط في السذاجة.
فالكل يعلم ان تقدم تسعي للعودة للحكم – دون وجه حق- على حصان المليشيا الاعرج الذى تعلفه القوى الاجنبية. ترى لماذا يطلبون ما ليس لهم، حتى ان دمرت البلاد وتشرد سكانها في فجاج الأرض!
الا أن الانكى من ذلك زعمهم بأنهم ديمقراطيون يسعون لاقامة الديمقراطية في بلاد دمرها شططهم وشبقهم للسلطة وما هم ببالغوها حتى يلج الجمل في سم الخياط! لقد ادخلوا انفسهم في تحد مع الشعب السوداني وسيخسرونه. لن تنفعهم تقارير امريكا ووساطاتها ولا الامارات واموالها وعتادها وحصانهم الاعرج يترنح ولن يكمل السباق!

غير ان كل المشهد يدهش لدرجة ينعقد لها لسان المرء..! فالكل يدور في ذات الافكار القديمة التى ذرتها رياح التغيرات العالمية وطوتها حقب التاريخ… ولكنها عندنا خالدة وباقية كنهر النيل لا نتزحزح عنها قيد انملة وان تزحزح جبل توتيل! (يموت الزمار واصابعه بتلعب) كما يقولون!

إن لم تخرجنا هذه الحرب – وما ارتكبته المليشيا من جرائم يندى لها الجبين في حق المواطنين والبلاد – فلن نخرج قط مما نحن فيه وستذهب ريحنا وستتكالب علينا الامم تلتهمنا يسارا ويمينا ووسطا. تلك هي حتميات التاريخ… ويجب الا يستخف شخص بهذا القول وهذه الحتمية.. فتاريخ البشريه كله محصلة لالتهام القوى للضعيف؛ ونحن اليوم – شعب ودولة – في اضعف حالاتنا. شفاه كثيرة من حولنا تتلمظ في انتظار سقوط الثور .. واذا سقط الثور كثرت السكاكين!

إن المخرج الوحيد لبلادنا هو تجميع الافكار والممارسات القديمة كلها وتوضيبها وحرقها وذر رمادها في نهر النيل، فقد جربناها جميعها وانتهت بنا الى ما نحن فيه.

لا حل – اذن- سوي البحث عن فكرة جديدة تماما، فكرة توحدنا تجمع شعثنا، تقرب صفوفنا توحد ارادتنا تذكرنا ان الطريق الذي سلكناه اوشك ان يضيع بلادنا وقد اضاع اجيالا مسبقا في صراع اغلب اسبابه مفتعلة حتى نسينا اننا مواطنون يجمعنا وطن واحد اولى مهامنا الحفاظ عليه كما ورثناه، وان حق الاجيال القادمة علينا يقتضي ان نترك لها وطنا تبنيه وتعيش فيه إن فشلنا في بنائه فلا يجب علينا التفريط في جغرافيته.
ما يدهشنى ان الحرب تدور بشراسة والوطن يتآكل ومازال البعض يتحدث عن الاشتراكية (الله يطراها بالخير) اما الاخر فيترنم جزلا بشرع الله، اما شتات السواد الاعظم فلا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب.
قال تعالى : “وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ” الشوري
وقال تعالي:

” إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ”! الرعد
وقال دريد بن الصمة:
بذلت لهم نصحي بمنعرج اللوى
فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد

هذه الارض لنا

اقرأ أيضا