والي الخرطوم.. ما ضـرَّ “عثمان” بعد اليوم
حـدود المنطق
والي الخرطوم.. ما ضـرَّ “عثمان” بعد اليوم
إسماعيل جبريل تيسو
جزى الله هذه الحرب كل خيرٍ، وما شكري لها حمداً وتعظيماً، ولكنها كانت اختباراً لاكتشاف معادن أناس لم نكن نعرف قيمتهم وأهميتهم، لو لا مواقف الشدة والكرب التي أفرزتها ظروف الحرب، وصدقاً أن النار تُجلي الذهب، وتميز بين وجهه الحقيقي والمزيف، وقد أظهرت لنا حرب الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣م، الوجه الحقيقي للسيد والي ولاية الخرطوم الأستاذ أحمد عثمان حمزة، الرجل القمة والقامة، الرجل الهمة والهامة، الوالي الذي أظهر شجاعة وثباتاً وقوة بأس، حتى استحى منه قلب الشمس.
لا أعرف والي الخرطوم، ولم التقِ به من قبل، ولكن حركة الرجل ونشاطه المتدفق يجبرك على الانتباه، ويحرك داخلك دافعاً للمتابعة الوقوف على أداء هذا المسؤول الحكومي الذي دفعت به أمانة التكليف لقيادة دولاب العمل الخدمي والسياسي في أهم وأكبر ولايات السودان، إنها الخرطوم العاصمة، بكثافتها السكانية، وتطاول بنايات الأسمنت مع اهتراء شوارع الأسفلت، وتزداد صعوبة المهمة بتداخل الاختصاصات والتقاطعات ما بين الحكومة المركزية والحكومة الولائية، ولكن الرجل القادم إلى كرسي الوالي، من مقاعد المديرين التنفيذيين، نجح خلال فترة وجيزة في إحداث حراك واسع في مشهد ولاية الخرطوم، بحرصه الكبير على ملامسة هموم المواطنين والوقوف على مشاكل الخدمات الأساسية في المياه، والصحة، والتعليم، والكهرباء، وغيرها من الخدمات التي يتطلع مواطن الخرطوم إلى توفيرها بما يحقق له سبل العيش الكريم، وبجانب هذه الخدمات الضرورية، أبدى الوالي اهتماماً خاصاً بقضية تقنين السكن العشوائي، فرأيناه يجوب أطراف الخرطوم ويتحدث بجرأة وتلقائية إلى المواطنين، فيستمع إلى مشاكلهم ويعالج ما يستطيع إليه سبيلاً في موقعه الميداني، ويرجئ أخريات للتشاور مع الجهات المختصة، دون أن يغلق باب مكتبه، أو يرفع زجاج سيارته، في وجه أي مواطن، لقناعته أن الوالي موظفٌ انتدبته الحكومة ليكون خادماً للناس، وليس متسلطاً عليهم.
يقول قرار التعيين، إن الأستاذ أحمد عثمان حمزة، كُلف بمهام ولاية الخرطوم في بدايات مارس من العام ٢٠٢٢م، بمعنى أن الرجل يدير الولاية منذ عامين كاملين، وإذا استثنينا عام الدمار الذي أفرزته الحرب، فيمكننا أن نشير إلى الاجتهادات والمحاولات النشطة التي بذلها الوالي خلال عام واحد فقط، مصحوباً بالكثير من التعقيدات الأمنية، وحالة استقطاب وتشاكس سياسي، فضلاً عن تدفق المواكب، وإغلاق وتتريس الشوارع، وما كان يصاحب ذلك من اضطراب وفوضى تضرب المشهد، وتعيق انسياب العمل، ومع ذلك كنا نشاهد صوراً متكررة لوالي الخرطوم أحمد عثمان حمزة، متحركاً في الشوارع والأسواق ( عزّ الهجير، تحت المطر) بهندامه البسيط ( قميص كاجوال) بعيداً عن الكرفتات والبِدَل، ودلالة اللبس الميري تعكس ارتباط السيد الوالي بالحراك والمتابعة الميدانية لمشروعات الولاية، وحسناً فعل “عثمان” بتحريكه دفة العمل في مشروع جسر الدباسين، وقد ظل هذا المشروع يرسم علامة تعجب كبيرة في وجه الحكومة، ويطرح الكثير من الأسئلة المشروعة والتي تقابلها إجاباتٍ صامتة، تفتح أبواباً للتأويل والتحليل وضرب الكف بالكف.
وعند اندلاع الحرب منتصف أبريل من العام الماضي، كان الوالي أحمد عثمان حمزة حاضراً بذات الهمة، منسقاً مع القوات المسلحة لتعزيز الأوضاع الأمنية للمواطنين المرابطين في بعض مناطق ولاية الخرطوم، ذات الاستقرار النسبي، حرصاً منه على حفظ أرواح المواطنين وحماية ممتلكاتهم من العصابات التي تخصصت في نهب المقتنيات، واجتهد والي الخرطوم مع الجهات المختصة لانسياب خدمات المياه والكهرباء التي عبثت بها الميليشيا المتمردة، فنجحت هذه التحركات في صيانة العديد من الأعطال التي طالت المحطات والمحولات والخطوط الناقلة، الأمر الذي أسهم بصورة كبيرة في استعادة التيار الكهربائي والإمداد المائي لأجزاء واسعة من ولاية الخرطوم، باستثناء محطات مياه وكهرباء بعض المناطق الواقعة في مرمى النيران.
ومع إحكام القوات المسلحة قبضتها العسكرية وامتلاكها زمام المبادرة في أم درمان، اتسعت تحركات والي الخرطوم وبدت خطواته أكبر من خلال تفقد المواطنين والوقوف على أحوالهم، وتقديم خدمات الإغاثة والإيواء وعلاج المرضى والعلاج النفسي للأطفال الذين يعانون من أهوال انتهاكات المليشيا التي حدثت أمام أعينهم، ولعلنا نتذكر دموع الوالي التي انسكبت، والعَبْرة التي حبست كلماته، عندما كان يخاطب الناجين من جرائم ميليشيا الدعم السريع بجنوب ووسط أم درمان، وكيف قدم لهم اعتذاراً متأدباً لعدم تمكن أجهزته من الوصول لمناطق حصار المواطنين، الذين قال إنهم كرماء ولا يستحقون ما اُرتكب ضدهم من جرائم لا إنسانية، وهو موقف يُدِخل الاطمئنان إلى قلوب وأفئدة مواطني ولاية الخرطوم، بأن الله قد استجاب دعاءكم وولّى عليكم رجلاً يخاف الله، وتنبض الرحمة بين جوانحه، وفي ذلك نعمة وبشرى لو تعلمون عظيمة.
ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، شكراً أخي الوالي على مواقفك الداعمة والمساندة والمؤازرة لمواطني ولاية الخرطوم الذين صبروا وثابروا وصمدوا في وجه الآلة الحربية “المتوحشة” لميليشيا الدعم السريع، وشكراً لك على اضطلاعك بمهمة الوظيفة، في أوقات عصيبة ومخيفة، وقطعاً لن ينسى لك مواطن ولاية الخرطوم هذه الوقفة، وسيجزيك أجر ما صنعت له قريباً، في مرحلة ما بعد الحرب، وهي لعمري أصعب من مرحلة الحرب، حيث البناء وإعادة الإعمار وترتيب العاصمة، ومحو الظواهر السلبية التي كانت غطاءً ظاهراً للميليشيا المتمردة، وما أكثرها من مظاهر تحتشد بها الشوارع والأسواق، تحتاج إلى وقفة قوية من الحكومة والمجتمع، لبناء عاصمة فاضلة ومحتشمة، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.