الوجه (الأقبح) للحرب.!

الوجه (الأقبح) الحرب.!

احمد دندش

مدخل:
في الحرب فقد البعض الروح…وفقد آخرون المال…اما آخرون فقد فقدوا (الضمير).!
رسالة مقتضبة وردت الى قبل مدة من سيدة فحواها ان الظروف اضطرتها للنزوح لاحدى الولايات برفقة والدتها المريضة واطفالها، وصلت في ليل مدجج بالالم ومسنود بالبرد…اضطرت لإستئجار غرفه بائسة بإحدى محطات الميناء البري لتلك الولاية، كان ثمن قضاء الليلة الواحدة خمس وثلاثون الف جنيهاً، منحت منها ثلاثون الف جنيهاً لصاحب الغرفه مع الوعد بإكمال ماتبقى.
صبيحة اليوم التالي مباشرة، إستيقظت على طرقات عنيفة على باب الغرفة، نهضت بسرعة حتى لاتويقظ الطرقات والدتها، من خلف الباب اطل عليها وجه صاحب الغرفة (الكالح)، وبدلاّ يلقي عليها تحية الصباح، القى عليها الصدمة وهي يردد بنبرة تهديد مبطنة: (الليلة لو مادفعتو الجديد والقديم انا مضطر اخلي الغرفة).!
ابتلعت ريقها بصعوبة قبل ان تهرع الى هاتفها وتبدأ بالاتصال عشوائياً بمن تعرف، ولك ان (تعرف) ان كل (من تعرف) اجاد بشكل احترافي نظرية من (لايعرف).!
جلست مصدومة، ابتلعت ريقها (الناشف) الذي لم يتعرف على طعم منذ ليلة الامس، جالت شاخصة ببصرها في سقف الغرفة المتهالك، نهضت بتثاقل وفتحت باب الغرفة ثم انطلقت باحثة عن اي حل يسترها لليلة اخرى.
استوقفت كل من يمر الى جانبها، وهي تردد: (يااخوي ساعدني انا نازحة من الخرطوم)…(يااختي اقيفي معاي نحن بنضيع).!…توسلاتها تلك، ضاعت في زحام المدينة وضوضائها وصخبها، فردت يدها على بضع جنيهات منحها لها بعض المحتاجين مثلها…(فالمحتاج فقط هو الذي يشعر بمعاناة المحتاج مثله).!
عادت بخطى متثاقلة للغرفة، انتبهت في تلك اللحظة الى ان هناك صخباً غير عادي امام الغرفة، اقتربت اكثر لتتفاجأ بصاحب العقار وهو يضع متعلقاتها خارجاً في تعبير واضح عن قرار قد اتخذه لارجعة فيه، اسندت جسد والدتها على كتفها، وامسكت بيدها الاخرى متعلقاتها، واحاطت اطفالها بناظريها قبل ان يغادروا المكان الى المجهول.
عزيزي القارئ، ان كنت تعتقد ان مانروي هو محض خيال فأنت واهم، مانروي هو قصة حقيقية دارت احداثها بمدينة عريقة داخل ولاية كبيرة، وحتى كتابة هذه الاسطر لايزال مصير تلك الاسرة مجهولاً..!!

غريب امر الخرطوم، كانت تحتضن كل الولايات، بينما الولايات لم تكن قادرة على احتضان الخرطوم، والدليل هذه القصة والعديد من القصص المأساوية التي سنوردها في مساحات لاحقة حتى ننزع عن دواخلنا (غطاء المثالية) الذي نتدثر به، ونتمكن من علاج تلك (الانتهازية) و(الاستغلال) الذي ضرب دواخلنا النظيفة، وحتى نردد ونغني في المستقبل بقناعة: (البعجز بقع بيناتنا بنسندو)…اكرر…ب(قناعة).!

اخيراً….الحرب تضعك امام خيارين لاثالث لهما اما ان تخرج (اجمل) مافيك او (اسوأ) مافيك…ثم تدع لك (حرية الاختيار.).!

اقرأ أيضا