(محاسن) حرب الخرطوم
افياء | أيمن كبوش
(محاسن) حرب الخرطوم.. !
# قلت له: ان اعلى ما فقدناه في حرب الخامس عشر من ابريل الغادرة، هي تلك الارواح التي سافرت الى الرحمن وسكنت القبور، هذه افضل احوال ما يُكرم به الميت، لان هناك ارواح اخرى، في اسوأ احوال الحرب، ذهبت الى بطون الكلاب والصقور..
# ما وددت قوله، بعيد كل البعد عن خسائرنا الاقتصادية، لان ارباحنا الاجتماعية والقيمية، لا تحصى ولا تعد، رغم ركام المآسي التي اجملها لنا شاعر (نحن والردى) صلاح احمد ابراهيم حين قال: (ما الذي أقسى من الموت؟ فهذا قد كشفنا سرَّه.. واستسغنا مُرَّه.. صدِئتْ آلاتُه فينا ولا زلنا نُعافِر.. ما جزعنا إن تشهَّانا ولم يرضَ الرحيلْ.. فله فينا اغتباقٌ واصطباح ومَقِيلْ.. آخرُ العمرِ، قصيرًا أم طويلْ.. كفنٌ من طرف السوق وشبرٌ في المقابرْ).
# اختزل صلاح الحكاية الازلية بيقين جميل، ولكنا في رواية (الحي ابقى من الميت)، والموت قدر مكتوب، ايها السادة، نقول ان الحياة جديرة بأن تعاش، وان الغد ربما يحمل لنا ماهو اجمل، لذلك ينبغي ان نخرج من تجربة هذه الحرب اللعينة بفكرة اجمل وافق انضر، عن الحياة، لعل الزمان يسمح لنا ببدايات جديدة.
# من محاسن هذه الحرب، واحيانا للحروب محاسن، انها وحدّت الشعب السوداني، واعادت اصطفاف القوى المدنية الحية خلف جيشنا الباسل، يكفي عودة ايقونة (جيش واحد شعب واحد) في الفضاء السوداني الرحيب، وكذلك الاستجابة المدهشة لنداء القائد العام للمقاومة الشعبية المسلحة التي ارهبت الاعداء واوجفت قلوبهم، فصمدت سنار في وجه العاصفة المليشياوية، مستفيدة من اخطاء مدني التي تفرغ انسانها للفرجة، بينما اعلن مجتمع سنار عن تماسكه وجند حواسه للاستشعار والقيام مقام الاستخبارات العسكرية، فتم القاء القبض على كل الخلايا النائمة دون ان تستمتع بارسال كلمة او معلومة واحدة.
# اما اقتصاديا، ايها السادة، فلم يكن لدينا اقتصاد بالمعنى المفهوم، فقد اتسع الرتق على الراتق ولم يعد هناك ميزان تجاري يمكننا القبض على مؤشراته، ولا انتاج بعينه يكفينا شر العجز، كنا نسيرها بالبركة والمباصرة وفقه السترة، وقد آن اوان التعافي والخروج من هذ النفق بأعين مفتوحة وعقول نظيفة، تساعدنا على مراجعة التجارب الاقليمية القريبة من عالمنا مثل جنوب افريقيا ورواندا، حيث قضت الحروب هناك على اخضرهم ويابسهم والمهم انهم خرجوا بمكاسب.
# اعود واقول ان المكاسب عديدة، والخرطوم التي تتحدث الصورة عن خرابها مازالت صامدة وواقفة وشامخة، وهذه ليست ميزات، لو تعلمون، لان ما حدث كان فرصة عظيمة لدكها وتسويتها بالارض.. ! حتى نحفل باعمار ما دمرته الحرب بأسس حديثه تعيد الخرطوم الى مصاف اجمل العواصم وانظفها، لن تنكروا انها عاصمة بائسة، مدينة شاحبة، خدماتها ضعيفة وشبه معدومة، عشوائية في ادنى معادلة مع رصيفاتها، ولعل الفارين من جحيم الحرب الى عواصم الدنيا في القبل الاربعة، قد كشفوا اكذوبة الخرطوم، واكذوبة كل المدن السودانية الاخرى التي لا تقدم الحد الادنى من احتياجات الانسان في الخدمات.. رغم الميزات التفضيلية في المناخ والطبيعة ولكن..
# اخيرا اقول ان محاسن الحرب، هذه، نستلهمها مما جرى على لسان الامام الشافعي، رضي الله عنه، (جَزَى اللهُ الشَّدَائِدَ كُلَّ خَيْرٍ.. وَإنْ كانت تُغصّصُنِي بِرِيقِي.. وَمَا شُكْرِي لهَا حمْداً.. وَلَكِن عرفت بها عدوي من صديقي).. ومن محاسن الحرب انها فرزت الكيمان.. ورسخت للهتاف: (بي كم بي كم، بي كم، قحاتة باعوا الدم).. تباً لكم اينما حللتم.