خبير دولي يحذر من فوضى واختطاف عملية إعادة البناء والإعمار
تقرير : سمية المطبعجي حذر المستشار الاقتصادي والخبير السابق بصندوق النقد والبنك الدوليين د. التجاني الطيب إبراهيم من الفوضى وعدم الجدية في عملية إعادة البناء والتعمير لما بعد الحرب التي بدأت ملامحها في الظهور، منادياً بإيقاف السباق المحموم لاختطاف العملية قبل ابتلاعها من أصحاب المصالح الداتية داخلياً وخارجياً حسب وصفه.وقال لـ (مداميك): “دون اللجوء والعمل وفق سياسات وإجراءات مدروسة وفي إطار مؤسسي مدعوم سياسياً وكفائياً فعملية الإعمار إذا سارت بما يتم من نهج، فلن يكون هناك إعادة بناء ولا تعمير وتنتهي العملية لمجرد محاصصات في إطار فسادي زادت وتيرته في سنتي الحرب، ولن يستطيع أي أحد الاستفادة من كل تلك الموارد سوى مجموعة بسيطة، ولن يتحصل السودان على ما يمكن أن يتحصل عليه في إحداث طفرة تنموية ونهضة اقتصادية تتجاوز مرارة الحرب والدمار”.ودعا د. الطيب لاتخاذ إجراءات وتدابير عاجلة تشمل وضع جدول زمني ممرحل بأسبقيات محددة تتضمن كشف وإزالة الذخائر والألغام وركام مخلفات الحرب، وإعادة الخدمات الضرورية في مجال الصحة والتعليم واستعادة الخدمات الأساسية في مجال الطاقة والمياه والاتصالات والمساعدات الإنسانية والغذائية، مضيفاً التركيز على تشجيع وتحسين الإنتاج الاقتصادي خاصة الغذائي ومساعدة القطاع الخاص لمجابهة الحاجات الضرورية وتوفير فرص عمل خاصة للشباب. وأكد ضرورة أن تشمل الإجراءات العاجلة إعطاء الأولوية لمشاريع السلع والخدمات الضرورية كالمخابز والصيدليات ومراكز القطاعي والتوزيع.وأشار في حديثه منتقداً عدداً من النماذج الفردية، حيث أعدت ولاية الخرطوم دراسة باحتياجات إعادة الإعمار تم رفعها إلى مجلس السيادة بحسب والي الولاية، وىسلم وزير الإعلام (منظمة الايسسكو) خمسة مشاريع خاصة بإعادة إعمار المؤسسات الثقافية السودانية . فيما أعلنت مصر تشكيل فريق عمل مشترك مع السودان لتنفيذ مشاريع إعمار السودان، وأعلن سفيرها لدى السودان أن السودان سيستضيف في أبريل أول ملتقى ضخم ببورتسودان . فيما صاغ (مركز التكامل السوداني المصري)، وهو مؤسسة سودانية مقرها القاهرة ، خطة بأولويات القطاعات التي تتطلب إعادة الإعمار بالسودان. أشار فيها إلى بدء شركات مصرية تنفيذ بعض الأعمال من بينها تأهيل بعض الكباري في الخرطوم . وأفادت وزارة المالية السودانية بقرب إنعقاد مباحثات مع وفد سعودي رفيع المستوى لدعم مشاريع قطاع الصحة والمياه .ومؤخراً أوردت الأنباء عن مزارعين بمشروع الجزيرة أن تعيينات تمت للجنة خاصة بإعادة إعمار المشروع وشملت أعضاء ينتمون لحركة العدل والمساواة .د. التجاني الطيب قال: “مثل هذه الفوضى تدور والسلطات السودانية للأسف لا تتحدث ولا تخبر أحد بما تفعله وما تنوي فعله في إطار عملية إعادة البناء والتعمير”. وأوضح أن إعادة البناء والإعمار عملية طويلة المدى وتحتاج الى حجم كبير من الموارد المالية والكوادر المهنية عالية التأهيل والخبرة ، تعمل بكفاءة وشفافية في إطار مؤسسي مدعوم بإرادة سياسية قوية.وأوضح أنه لتقدير الخسائر الاقتصادية والاجتماعية للحرب يمكن الاستعانة بالبنك الدولي والأمم المتحدة وبنك التنمية الافريقي في وضع تقرير مؤقت لتقييم الخسائر بهدف تنوير أصحاب المصلحة (السودان) والمجتمع الدولي بالبعد الأولي لأضرار الحرب، وكقاعدة لدراسة أعمق وأشمل وفق المنهج السريع المتعارف عليه عالمياً لتقدير الدمار والحاجيات، والذي استخدمه البنك الدولي والأمم المتحدة لتقييم آثار الدمار في حربي غزة واكرانيا . وبين أن الدراستان يمكن إعدادهما بمساعدة طوعية من المانحين دون أي تكلفة لحكومة السودان .وقال موضحاً على الصعيد المؤسسي، أولاً : إنشاء مفوضية عليا للبناء وإعادة الإعمار والتنمية للإشراف على إعداد الدراسات اللازمة ل : 1- تقييم ما دمرته الحرب ومشاريع إعادة الإعمار والبناء 2- وضع خارطة طريق شاملة للتعافي الاقتصادي لإعادة البناء والتعمير تقدم لدعم المؤسسات المالية الإقليمية والدولية والمانحين 3- الإشراف على إعداد وتنفيذ مشاريع إعادة البناء والتعمير 4- ضمان الشفافية والمراقبة في تنفيذ المشاريع 5- الدعوة لمؤتمر المانحين لحشد الموارد المالية اللازمة لتمويل تلك المشاريع . ثانياً : إنشاء صندوق إئتماني لإستلام التعهدات المالية وإدارته تحت إشراف المفوضية المقترحة والبنك وصندوق النقد الدوليين وبنك التنمية الافريقي . حريق ضخم بمصفاة الجيلي- الخرطوم تجارب دول وظروف مشابهة عملية إعادة الإعمار يجب أن تكون وطنية شاملة لا تخضع للمحاصصة السياسية أو الجهوية، وتنطلق من معايير العدالة والشفافية . وتخضع الدول عقب الحروب المدمرة في الغالب إلى المؤسسات الدولية ممثلة في الأمم المتحدة والبنك الدولي التي تقدم مساعدة شاملة متكاملة حسب الأولويات. ويختلف أسلوب التعامل مع الأولويات بين كل دولة في عملية إعادة البناء وإعمار ما دمرته الحرب، التي عملت الأمم المتحدة والبنك الدولي على مساعدتها وفقاً للتقييم الذي تتحمل تكلفته تلك المؤسسات .ونلاحظ تجارب كل من جنوب السودان والصومال ولبنان والعراق التي يتطالق وجه الشبه بين ظروفها وظروف السودان . فالصومال تعرضت بنيتها الأساسية لدمار شامل وسادها إنعدام الأمن الذي حال دون إجراء تقييم شامل، فركزت الأمم المتحدة على الإغاثة الإنسانية أولاً ولاحقاً قامت بإجراء تقييم مشترك للخسائر بدعم من البنك الدولي . فكانت أولوية الإعمار لبناء مؤسسات الدولة فيما يخص (الحوكمة ، القضاء، الأمن)، بسبب السيولة الأمنية وتعدد مراكز القوى وصعوبة الوصول الميداني . وفي لبنان التي واجهت دمار البنية التحتية والمدن وانهيار اقتصادي ومؤسسي وانتشار المليشيات وسيطرتها، واجري التقييم بقيادة محلية بدعم من الأمم المتحدة والبنك الدولي ، وكانت الأولوية بصورة عاجلة لبناء الخدمات الأساسية.أما جنوب السودان التي كانت تعاني أيضاً دماراً وصراعات داخلية وقبلية فكان التركيز على مشاريع السلام والتنمية معاً بالجمع بين المصالحة المجتمعية وإعادة الإعمار . وفي العراق عملت المؤسسات الدولية على مشاريع بنظام (الإعمار الطارئ) بإعادة تأهيل المستشفيات والمدارس والطرق ، ولكنها واجهت تحديات أمنية خطرة أعاقت الكثير من المشاريع .ونلاحظ أن السودان يجمع بين ظروف وأحوال كافة الدول المذكورة ، ويخشى في حالة السودان أن تواجه عملية إعادة الإعمار المجزأة وفقاً لما يجري حالياً والتي بدأت ملامحها الآن ، من أن تواجه التسييس والفساد وسؤ الإدارة ، من احتكار لقوى بعينها وتوزيع غير عادل. وقد أدى فرض العملية من أعلى في كل من الصومال وجنوب السودان دون استشارة المجتمعات ومشاركتها في التخطيط والتنفيذ ، إلى ضعف الاستدامة وشل بعض المشاريع . ويوصي مراقبين بعدم الإعتماد التام على المساعدات الخارجية خاصة في ظل الوضع الاقتصادي العالمي الحالي، تجنباً لفقدان الاستقلالية الوطنية والسياسية، وانهيار المشاريع في حال انسحاب المانحين. وضرورة الجمع بين عمليتي الاعمار وبنا السلام والمصالحة معاً .