بين تحور الصراع ولعبة المصالح الدولية .. حماية المدنيين الأزمة المنسية

‫الرئيسية‬ مجتمع أخبار بين تحور الصراع ولعبة المصالح الدولية .. حماية المدنيين الأزمة المنسية تقرير : سمية المطبعجي مع تقدم الجيش مؤخراً وسيطرته على معظم أنحاء العاصمة السودانية الخرطوم، عدا المناطق الجنوبية والجنوبية الشرقية، ومناطق واسعة في الجزيرة ، تظل المخاوف وأهمية حماية المدنيين باقية. وسط تسلح المدنيين والأفراد وتوسع دائرة تشكل المليشيات على أسس قبلية وجهوية مما ينذر بتحور الصراع مع اختلاف الأطراف والأدوار، في وقت بدأت فيه مظاهر محاولات سيطرة إسلامي الإنقاذ وأجهزتهم بممارساتها في الظهور على المشهد . الأمر الذي ينذر بمواجهات لا تقل ضراوة واستمرار الإنتهاكات ضد المدنيين في أبشع صورها . وضع يرى الكثيرين حياله أهمية وحتمية اللجؤ إلى حماية المدنيين وحفظ بعض ما يمكن أن يتحقق من سلام بشكل عاجل. خاصة في ظل ضعف البنية التحتية والأمنية والقانونية وشبه إنهيار مؤسسات الدولة بما فيها الشرطة والقضاء وغياب المحاسبة وانتشار ثقافة الإفلات من العقاب، وتفاقم الأزمة الإنسانية وضلوع الأطراف المتحاربة في حجب وإعاقة وصول المساعدات الغذائية والإنسانية  للمحتاجين .الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش ظل يدعو وأطراف المنظومة الدولية إلى ضرورة حماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية ووقف تدفق الأسلحة، حاثاً الدول على وقف مد أطراف الصراع في السودان بالأسلحة الذي يمكن من استمرار الدمار المدني الهائل وسفك المزيد من الدماء في حالة وصفها ب “الأزمة الإنسانية غير المسبوقة ” . رئيس بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة محمد شاندي دعا في تقرير البعثة، الذي استهرض في 2024، الى إتخاذ إجراءات فورية لحماية المدنيين ونشر قوة مستقلة ومحايدة دون تأخير، حيث أكد التقرير أن كلا طرفي النزاع إرتكبا إنتهاكات ضد المدنيين بما يرقى لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية .ولكن رغم تصاعد الدعوات الدولية والإقليمية والمحلية عبر المنابر المختلفة، وقف العالم عاجزاً عن إتخاذ أي إجراء للحماية مع تصاعد الإنتهاكات كماً وكيفاً واتساع الدائرة الجغرافية لتلك الانتهاكات، بين تعنت أطراف الصراع وإنعدام الإرادة والرغبة لوقف الحرب، خاصة لدى السلطة الحاكمة في بورتسودان . وفشل مجلس الأمن الدولي الذي عقد العديد من الجلسات الخاصة لمناقشة الحالة في السودان منذ بدء الحرب، كان أبرزها مشروع القرار الذي أعدته بريطانيا وسيراليون والذي قدم في نوفمبر 2024، ونص على وقف الأعمال العدائية، والإنخراط بنية حسنة في حوار نحو التهدئة في أسرع وقت ممكن، والتأكيد على  ضرورة التزام الأطراف بتنفيذ تعهدات مؤتمر جدة 2023  لحماية المدنيين، ومنع العنف الجنسي المرتبط بالنزاع، وضمان وصول المساعدات الإنسانية بسرعة وأمان ودون أي عوائق إلى كافة أنحاء السودان، ودعى مشروع القرار في مسودته، الدول الأعضاء إلى تجنب أي تدخل خارجي قد يؤدي إلى تأجيج الصراع . ولكن رغم الطابع الإنساني لمشروع القرار وموافقة 14 عضو من جملة 15 دولة ، إلا أنه أجهض من روسيا بعد استخدامها الفيتو. أما الجهود الدبلوماسية من قبل الاتحاد الافريقي و(الإيقاد) لوقف الحرب فقد استمرت، حتى الدعوات بشأن إرسال قوات إفريقية لحماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب، قد برزت منذ يوليو 2023 من قبل الهيئة الحكومية للتنمية في إفريقيا (إيقاد). ولكنها ظلت في مرحلة المشاورات.ويتوالى استمرار اجهاض الجهود الإقليمية والدولية لوقف الحرب، أمام الإنتهاكات المتصاعدة على المدنيين، وإنعدام الرغبة والإرادة السياسية لتحقيق السلام، وإصرار أطراف الحرب على الحسم العسكري وتعقد الأوضاع الأمنية والسياسية وتوالد المليشيات والكتائب المسلحة، بما ينذر بالمزيد من إستعار نيران حرب السودان، رغم تراجع قوات الدعم السريع في الميدان. عقبات وكما بدى تخضع أيضا لعوامل التدخلات والمصالح السياسية الخارجية. فمن الواضح تورط قوى إقليمية ودولية في الصراع، بغرض استغلال الموارد الطبيعية والمواقع الاستراتيجية للاستفادة وتعزيز نفوذها، مما يطيل أمد العنف ويعقد جهود التوصل إلى حلول سلمية كما رأينا في الموقف الروسي مثالاً. وذكرت (منظمة العفو الدولية) في تقرير لها : ” ..أن دولا مثل الصين وروسيا وصربيا وتركيا والإمارات واليمن، ضخت كميات كبيرة من الأسلحة إلى البلاد، مشيرة إلى أن طرفي الصراع يقوما بشراء هذه الأسلحة التي تغذي حرب السودان وتقلل من فرص الوصول لحل سلمي ” .ويشير مراقبون إلى أن فكرة نشر قوات حماية للمدنيين تبدو بعيدة في ظل إنشغال المجتمع الدولي بقضايا أهم من ملف السودان، كحرب غزة وأوكرانيا والأوضاع المرتبكة في الشرق الأوسط . كما أن الإدارة في واشنطن التي باتت أكثر تحكماً في العالم ، لم تولي الأزمة في السودان أهمية منذ إندلاع الحرب إبان إدارة بايدن السابقة، وبالتالي لم تعد مؤثرة على الأطراف كجهة ضغط يمكنها إحداث أثر في المواقف. السفير الأمريكي السابق تيموثي كارني قال في حديث لقناة الحرة : ” إدارة بايدن قد أخطأت في أمرين بشأن الموقف في السودان، الأول: عدم تعيين مبعوث رئاسي يتمتع بالصلاحيات اللازمة منذ بداية الأزمة والاكتفاء بإرسال ممثل من وزارة الخارجية. ورأى أن إرسال مبعوث أميركي بصلاحيات محدودة لا يكفي لمعالجة النزاع المسلح في السودان، قائلا إن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لا يسعيان إلى تحقيق السلام دون الحصول على انتصار عسكري، والثاني: قرار واشنطن بإغلاق سفارتها في الخرطوم وعدم فتح مقر دبلوماسي في بورتسودان، مما يعكس تراجعا في الوجود الدبلوماسي الأميركي في المنطقة، وهو ما قد يؤثر سلبا على قدرة الولايات المتحدة على التأثير في الأحداث الجارية بالسودان ” .ومن جهة أخرى يخشى البعض من تكرار تجربة قوات حفظ السلام الأفريقية ((UNAMID 2004 والأممية الافريقية (UNAMIS) 2005 في دارفور، والتي لم تحقق أهدافها بالشكل المطلوب. حيث واجهت بعثة الاتحاد الأفريقي (يوناميد) في دارفور مشكلات مالية كبيرة أثرت على أداءها وقدرتها التشغيلية، وتعرضت لضعف الدعم اللوجستي مما انعكس سلباً على تنفيذ مهامها، فدفع ذلك إلى تهجينها بقوة أممية (يوناميس) لتصبح قوة دولية . وإن تحقق بعض التقدم ولكنها ووجهت بواقع رفض وجودها منذ البداية من قبل السلطات الحكومية وعدم التعاون. كذلك شكل تواجدها في بيئة أمنية معقدة على الأرض في منطقة انتشرت فيها الجماعات والمليشيات المسلحة، فأصبحت هدفاً في ذاتها وجزء من الصراع، بل نظر إليها البعض بأنها كانت أداة لتغذية تلك المجموعات المسلحة بالسلاح والعتاد الذي تخلفه وراءها فتغتنمه تلك الجماعات . كما اتهمت بعدم حيادها جراء تعرضها لتدخلات من دول ذات مصالح كما تشير تقارير.لذلك فإن مسألة حماية المدنيين عبر قوات حفظ السلام على الأرض المطلوبة حالياً، تبدو بعيدة التحقيق، بعد تزايد تعقد المشهد المحلي والإقليمي والدولي . كاميرون هدسون الباحث الأول في برنامج افريقيا بمركز الدراسات الاستراتيجية بواشنطون، قال في حديث لقناة (الحرة) ، أن إرسال قوات افريقية للسودان أمر غير منطقي ولن يحدث وقد يستغرق إرسالها، في حال اتخذ القرار، أشهر أو حتى سنوات. غير أن كاميرون نفسه يفتح باباً آخر لاحتمالات الحل ، حيث قال في مقال بمجلة (فورن بوليسي) :  ” .. إن افريقيا لا تحتل عادة مرتبة عالية في قائمة أولويات السياسة الخارجية لترامب. ولكن، في تطور نادر، يبرز السودان الآن كإحدى الدول حيث الحاجة إلى المشاركة الأميركية عالية وحيث يمكن أن يكون نفوذ واشنطن في عهد ترامب هو العنصر المفقود الحاسم لإنهاء الحرب الحالية في السودان ..” . مذكراً أن الرئيس ترامب هو من قاد عملية إخراج السودان من قائمة الإرهاب، وهو من أقتع البرهان بالتوقيع على إتفاقيات ابراهام مع إسرائيل . لذلك، حسب كاميرون، فإن ترامب له المقدرة على حل قضية السودان، بعيداً عن إرسال قوات حفظ السلام . وربما ذلك عبر تعزيز الجهود الدولية والإقليمية للضغط من أجل وقف إطلاق النار وحماية المدنيين، محاسبة مرتكبي الجرائم من خلال محاكم وطنية أو دولية، ضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق ودعم  جهود المصالحة الوطنية والحوار بين الأطراف المتنازعة .