المسلسل السعودي “يوميات رجل عانس”.. طفل حائر على مفترق الطرق

“اليوميات” هي أحد قوالب الكتابة التي قد تعبر عن أفكار ذاتية ومواقف وأحداث يتعرض لها الكاتب بالفعل، أو قد تكون متخيلة في شكل رواية أو قصة أو حتى مقال.وقد استطاعت “اليوميات” أن تتكيف مع كل عصر، فانتقلت من دفاتر التقويم السنوي المعتادة، إلى الكتب وأعمدة الصحف وصولاً إلى المدونات الالكترونية.وقد التقطت السينما والدراما فكرة اليوميات لتصيغ نوعاً سينمائياً متميزاً، لعل أشهر نجاحاته سلسلة أفلام Bridget Jones التي لعبت بطولتها رينيه زيلويجر، والتي بدأت في 2001 وصدر جزءها الرابع منذ أسابيع.وقد حققت هذه السلسلة تأثيراً كبيراً تبدى في ظهور أعمال مماثلة، يذكر المرء من بينها مدونة “عايزة أتجوز” التي كتبتها غادل عبد المنعم وتحولت إلى مسلسل لعب بطولته هند صبري في 2010، سرعان ما تلاه أعمال مثل “يوميات زوج عصري” و”يوميات زوجة مفروسة”.تزامن صدور مسلسل “عايزة أتجوز”، الذي يروي تجارب شابة مصرية عزباء في البحث عن عريس مناسب، مع صدور مدونة “مذكرات رجل سعودي عانس” للكاتب وليد خليل، التي حققت شعبية كبيرة، مما شجعه على ضمها لاحقاً في كتاب يحمل الاسم نفسه، قبل أن تتحول إلى مسلسل “يوميات رجل عانس” من إخراج عبد الرحمن السلمان وبطولة إبراهيم حجاج والذي يعرض ضمن موسم دراما رمضان على منصة “شاهد”. من الملفت أن كل الأعمال المذكورة سابقاً، سواء كمدونات أو أفلام ومسلسلات تندرج تحت الكوميديا، ويبدو أن فكرة اليوميات نفسها تحمل حساً بالفكاهة.كذلك تعالج هذه الأعمال موضوعات متشابهة على رأسها العلاقة بين الجنسين، بجانب ظواهر إجتماعية مثل تأثير الحياة العصرية على الحب والزواج وتربية الأبناء والعلاقات مع الأقارب والجيران، إلخ. من التشابهات أيضا أنها مبنية بطريقة الحلقات المنفصلة المتصلة، أي لكل حلقة قصة مختلفة داخل القصة الأشمل، التي تشبه مسلسلات الـ”سيت- كوم”.الكوميديا أولاًينطبق ذلك بوضوح على “يوميات رجل عانس”، فهو كوميديا صريحة، يسبق فيه الاهتمام بإثارة الضحك أي شئ آخر، بما في ذلك موضوع المدونة الجاد، الذي يرصد بعض الظواهر الاجتماعية بهدف نقدها ومعالجتها.وهذا التركيز على الكوميديا طبيعي لسببين: الأول هو أن قالب اليوميات يسمح بذلك، إذ يكون السبيل الوحيد لتجنب الاتهام بالنرجسية هو أن يسخر الكاتب من نفسه ويتخذ شخصية فاشل أو أحمق أو متردد، كما نجد في “يوميات بريدجيت جونز” مثلاً.السبب الثاني هو أن بطل العمل، إبراهيم الحجاج  هو أحد أشهر نجوم الكوميديا السعوديين الآن، خاصة لدى الشباب، كما تبين في ردود الفعل على فيلم “سطار” وأعمال سينمائية ودرامية أخرى. من ثم، يحرص السيناريو الذي قامت بكتابته ورشة من الشباب تحت إشراف نواف المهنا على اعطاء الأولوية للضحك، حتى على حساب الوجه الاجتماعي للموضوع بمخالفة المنطق الدرامي، أو الخروج عن موضوع الحلقة أحياناً.نجد ذلك واضحا في الحلقة السادسة التي يذهب فيها بطل الحلقات عبد الله (الحجاج) وزملاءه إلى بيت “مسكون” يتبين أن عصابة خطيرة تختبئ فيه، أو كما نجد في الحلقة الحادية عشر التي يذهب فيها لقضاء يوم مع ابن شقيقته في “بوليفار” الرياض، أو في الحلقة الثانية عشر الذي يسرق فيه المنزل الذي يلتقي فيه بأصحابه، ثم يحبس فيه هو وأمه لدى عائلة شديدة البخل.بعد عشر سنواترغم الضحك، فإن أفضل حلقات “يوميات رجل عانس” هي التي تستغل فكرة المدونة، وهي محاولات شاب خجول تحت ضغط أمه البحث عن عروس مناسبة، وكلما تقدم لواحدة تبين أن هناك عيب فيها، أو فيه، أو مشكلة لا يد لهما فيها، تمنعهما من الارتباط.  كتاب سيناريو المسلسل قاموا بتحديث هذه القصص لتناسب التغيرات الكبيرة التي حدثت في الرياض، والسعودية بشكل عام، منذ أن كتبت المدونة الأصلية قبل 15 عاماً. بطل الحلقات يعمل الآن منتجاً منفذاً ومحرراً في محطة تليفزيونية كبيرة، لديه الكثير من الزميلات، ومنهن تحديداً زميلة شديدة الطموح تنافسه دائماً اسمها أروى (آيدا القصي)، كما أن لديه أختان إحداهما متزوجة والثانية شابة جامعية متفتحة.لا ينقص عبد الله، إذن، أن يعرف ويتعرف على عالم النساء، وأن يحدد ميوله ومتطلباته في عروس المستقبل، ولكن المشكلة أنه خجول أكثر من اللازم.من الغريب مثلاً أن تخبره أمه بأنها خطبت له زميلته أروى وحددت له موعداً للقاء أسرتها بعد أيام، ولكن عبد الله لا يتحدث مع أروى حول المسألة، أو يسألها عن رأيها، إلى أن يحين الموعد، فيكتشف أن أمه كانت تقصد أروى أخرى، تعمل أيضا في المحطة!في رياض 2025 قد تبدو هذه المواقف غير منطقية، ولكن يمكن تقبلها إذا تعاملنا مع عبد الله كطفل (كما يصفه أبواه ومعارفه دوماً) لم يزل يعيش بوجدانه في 2015 وما قبلها، وهو ما يعطي العمل بعدا آخر يرصد تأثير التغير الاجتماعي والثقافي على وجدان لم يزل يعيش في الماضي بشكل ما.. أو يجد صعوبة في التعاطي مع هذه المتغيرات السريعة.بين 3 دوائرورغم أن عبد الله يعمل في محطة تليفزيونية (حديثة)، لكن عصر التليفزيون ولى، كما تخبره عروس محتملة في أحد المشاهد، فالآن هو عصر الانستجرام  وتويتر والمؤثرين والـ”يوتيوبر”! ومن الطريف أن والد عبد الله (بأداء سعيد صالح) وأمه (بأداء فاطمة الشريف) يبدوان أكثر تأقلماً مع هذه المتغيرات، فالأب يقوم بعمل برنامج على مواقع التواصل يقدم فيه خبرته للجيل الجديد، والأم تذهب بصحبة ابنها لحضور فعاليات موسم الرياض الفنية وتسأل عن قواعد كرة القدم! بالمناسبة سعيد صالح وفاطمة الشريف يشكلان ثنائياً رائعاً في العمل، يشيعان الضحك والبهجة كلما ظهرا على الشاشة معاً.عبد الله محاط من ناحية ثانية برفاق العمل: خاله ومديره في المحطة فهد وزميلاه عصام وماجد (فيصل الدوخي، حكيم جمعة ونواف الشبيلي، على التوالي، بأداء جماعي متميز)  والثلاثة يمدونه بالنصائح دوما، التي تتناقض أحياناً، وعبد الله يبدو ضعيفاً، غير قادراً على اتخاذ قرار، أو حتى فهم احتياجاته، وسط كل هؤلاء، خاصة أمه التي تكاد تتحكم فيه تماماً.بجانب هؤلاء توجد الخطيبات المحتملات اللواتي تظهر منهن واحدة كل حلقة، بطيف واسع من الشخصيات اللواتي يؤديها طيف متنوع من الممثلات كضيفات شرف: الصغيرة جداً التي تنتمي لجيل لا يستطيع عبد الله اللحاق به، الطبيبة النفسية التي يحاول الكذب عليها ويفشل، الجميلة التي لا تجيد أياً من أعمال البيت وتدعي أنها قامت بصنع طعام تشتريه من المطاعم، إلى آخر هذا الخط الذي يمكن مده دون توقف…وعبد الله بين المجموعات الثلاث (البيت والأصدقاء والخطيبات) يبدو كطفل حائر، بالرغم من تجاوزه الثلاثين بأعوام، ويجيد إبراهيم الحجاج، ببراءة ملامحه وبدانته، أداء مثل هذه الشخصيات بشكل خاص، ويبقى السؤال إلى أين ستنتهي هذه الرحلة التي يخوضها عبد الله، وهل سيظل يدور في حلقات لا تنتهي، أم سيصل إلى النضج والاستقلالية ومعرفة ما يريد أولاً، ومعرفة شريكة حياته ثانياً؟”يوميات رجل عانس” ربما يكون مشغولا بإثارة الضحك أكثر من أي شئ، ولكن كما في معظم اليوميات، فإن الكوميديا ليست سوى تعبير عن مأزق أو تناقض ما، أو مفترق طرق، بين عالمين وعصرين وأفراد يتعين عليهم أن يعثروا على أنفسهم وأن يختاروا “عروس” أو “عريس” المستقبل! * ناقد فني