حرب السودان.. الأطراف تشتعل وصراعات الماضي إلى الواجهة
بدا أن الحرب في السودان مُرشحة للتصاعد في الآونة المقبلة، في ظل فتح جبهات جديدة فيها، بفعل إرث الماضي. وشهدت الأسابيع الأخيرة تطورات متسارعة على المستوى العسكري في مختلف الجبهات، صبت في معظمها في مصلحة الجيش، الذي حقق انتصارات في ولايتي الخرطوم والجزيرة، في وسط السودان. خبراء لـ«العين الإخبارية»: «معادلة عسكرية جديدة» ستحكم حرب السودان لكن بعيدا عن المركز، ظهر أن بؤرا جديدة تدخل حلبة الصراع، وهو ما اتضح من قصف مدينتي نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، وكادوقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان. وشهدت كادوقلي، القريبة من الحدود مع جنوب السودان، ونيالا قرب الحدود الغربية، خلال الساعات الماضية، قصفا جويا ومدفعيا وصاروخيا أوقع مئات القتلى والجرحى، الأمر الذي ينبئ بإطالة أمد الحرب وتوسع رقعتها، حسب خبراء. وقالت وزيرة الصحة بولاية جنوب كردفان، جواهر أحمد سليمان، في تصريحات صحفية، إن “44 شخصًا قتلوا وأُصيب آخرون جراء قصف نفذته قوات الحركة الشعبية – جناح عبد العزيز الحلو، على مدينة كادوقلي”. وأكدت الحركة الشعبية، أن هجومها على “كادوقلي”، يأتي ردًا على الهجوم الواسع للجيش السوداني على مناطق سيطرة الجيش الشعبي في ولاية جنوب كردفان. وتتجه الأوضاع في ولاية جنوب كردفان نحو مزيد من التصعيد، ففي 15 يناير/ كانون الثاني الماضي، اتهمت الحركة الشعبية، الجيش السوداني، بشن هجوم على مواقع خاضعة لسيطرتها بالقرب من مدينة الدلنج، ثاني أكبر مدن جنوب كردفان، وارتكاب انتهاكات واسعة ضد المدنيين. وحركة الحلو طالما خاضت معارك ضد الجيش السوداني، لكن السنوات الأخيرة شهدت هدوءا متبادلا من الطرفين. كما شهدت مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، صباح اليوم الثلاثاء، قصفا جويا، وفق مصادر عسكرية، تحدثت لـ”العين الإخبارية”، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى. وأفادت مصادر طبية لـ”العين الإخبارية”، بمقتل 25 شخصًا وإصابة 36 آخرين، مساء الاثنين، إثر غارات جوية نفذها الجيش السوداني بمدينة نيالا. معارك طويلة الأجل وقال الكاتب والمحلل السياسي، أنور سليمان: “من الواضح أن الدعم السريع يسعى لتأمين قاعدة خلفية في مناطق غرب السودان بحيث يضمن خطوط إمداد وتراجع آمنة يمكن أن ينطلق منها ويتراجع إليها؛ وهذا مؤشر على استعداده لمعارك وحرب طويلة الأجل”. وأضاف سليمان، لـ”العين الإخبارية”: “دخول الحركة الشعبية – بقيادة عبد العزيز الحلو على خط الصراع العسكري الدائر بعد طول توقف فهو عامل جديد يضاف إلى عوامل الاشتعال، وهذا التدخل يخدم الدعم السريع بعكس الجيش”. وأوضح أن الحكومة كانت تسعى في السابق لضمان تحالف ضد الدعم السريع مع حركة الحلو لكنها فشلت في ذلك كما فشلت في إبقائه على الحياد. وتابع: “حركة الحلو تسعى لضمان مكان لها على طاولة التقاسم، وهي أقرب إلى الدعم السريع منها إلى الحكومة، بحكم فشل السلطة في ضمها إلى تسوية جوبا (اتفاقية السلام)”. واعتبر أن: “هذا الوضع الآخذ في التشكل سيجعل الحكومة في وضع أقل راحة مما هي عليه الآن”. حرب وحشية من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي عز الدين دهب، إن الحرب في السودان “غريبة الأطوار تتحرك فيها الرمال وتتبدل موازين القوي بين الفينة والأخرى وهذا مع الأسف ما يدلل بانها ستزداد وحشية وشمولا”. وأضاف دهب، في حديث لـ”العين الإخبارية”: “في الوقت الذي تتمدد فيه رقعة سيطرة الجيش في الجزيرة، صعد الدعم السريع هجومه في الفاشر، ولاية شمال دارفور، وفي كردفان (جنوبا)، وهنا تبرز تغيرات كبيرة في استراتيجيات الطرفين”. وتابع: “قصف الطيران لمدن في دارفور لا تشهد اشتباكات، سوف يؤثر في مجريات الحرب وربما يطيل أمدها”، موضحا أن “قضية كادوقلي هي حرب قديمة مؤجلة تستعر بيت الفينة والأخرى، لكن هذه المرة اعتقد أن هناك تنسيقا بين الحركة الشعبية بقيادة عبدالعزيز الحلو وقوات الدعم السريع، وإن لم يظهر ذلك علنًا لكن الدلائل تشير إلى تقارب كبير بين القوتين”. ولم يستطع دهب تفسير القصف في نيالا، وإن وضعه في خانة “الاستجابة لنداءات من تيارات محسوبة على الجيش تدعو على الدوام إلى ضرورة ضرب حواضن الدعم السريع”. من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي، محمد المختار، في حديث لـ”العين الإخبارية”، إن “هذه الحرب التي أشعلها الإخوان المسلمون وظلوا يعملون على استمرارها وإفشال كافة المساعي الدولية لوقفها، تختلف عن غيرها من الحروب السابقة التي كانت محصورة في مناطق جغرافية محدد”. وأوضح أن “هذه الحرب شاملة ومفتوحة في كل التراب السوداني، لذلك تتنوع تكتيكاتها العسكرية، والانسحابات وإعادة التموضع”، لافتا إلى أن تحرك حركة الحلو لمهاجمة كادوقلي يقرأ أيضًا في إطار “التحركات السياسية والعسكرية المتسارعة، والتي يتوقع أن ترتفع وتيرتها في الفترة المقبلة”. العين الاخبارية