كمال رمزي: النقد يحول المشاهدة من نشاط ترفيهي إلى تجربة معرفية
قال الناقد كمال رمزي، إن النقد هو رحلة مستمرة في اكتشاف الجوانب الفنية والإنسانية في الأفلام، وفي تعميق فهمنا للأعمال الفنية بطريقة تتجاوز المتعة البصرية.
جاء ذلك، خلال مشاركته في ماستر كلاس “خمسون عاماً من النقد”، ضمن فاعليات اليوم الرابع لمؤتمر النقد السينمائي، والمقام حالياً في مدينة الرياض، فيما أدارها الناقد محمد طارق.
ورأى كمال، أن “النقد صار بمثابة نافذة على فهم أعمق للعالم من خلال السينما، فهو ليس فقط عن متعة المشاهدة أو الاستمتاع بالجماليات، بل هو أيضاً وسيلة لتفكيك الأفكار والمفاهيم التي يعرضها الفيلم”، موضحاً أن “النقاد المتعمقون يسعون لفهم الأسباب الكامنة خلف مشاهد محددة، ويطرحون أسئلة مثل: لماذا اختار المخرج هذه الزاوية أو هذا الإيقاع؟ وما الرسالة التي يحاول إيصالها؟”.
ولفت إلى أن “بعض الأفلام قد تعكس قضية اجتماعية أو سياسية عميقة، ويأتي دور الناقد في تسليط الضوء على هذه الزوايا الخفية، فلا يكفي أن نقول إن الفيلم كان ممتعاً أو مملاً، بل يجب أن نفهم كيف يتناول الفيلم قضايا مثل الحرية، والعدالة، والهوية”، موضحاً أن”الناقد الجيد يُمكن المتلقي من إدراك هذه الأبعاد، ومن النظر إلى الأفلام ليس فقط كأعمال ترفيهية بل كأدوات لفهم المجتمع والواقع”.
وتابع “الناقد السينمائي الحقيقي هو من ينظر بعمق إلى التفاصيل، ويقدم للمشاهدين فهماً أوسع، ويشجعهم على التفكير والتساؤل وهكذا، ليُصبح النقد شريكاً أساسياً في التجربة السينمائية، إذ يحول المشاهدة من مجرد نشاط ترفيهي إلى عملية استكشاف ومعرفة”.
تراث سينمائي
وقال كمال رمزي، إن “السينما ما زالت شابة عمرها مئة عام، إذ جاءت الكتابة عن السينما بعد ظهورها، فلم يكن هناك نقداً سينمائياً بالمعنى المعروف، لكن مع الوقت تطور النقد ليصبح معتمداً على التراث الغني الذي يمتد لألف سنة، مستنداً إلى قوانين وتقاليد فنية مصرية ويونانية، ومتأثراً بفن الرواية وفن الكتابة السردية”.
وتابع “يجد الناقد السينمائي نفسه أمام مسؤولية كبيرة للاستفادة من الإنجازات الثقافية السابقة التي تراكمت عبر القرون، فيضطر إلى استيعابها وتكييفها لتناسب السينما، فقد بدأت السينما بالصورة، ثم أضيف إليها الصوت، والذي كان يأتي في البداية من خارج الشاشة، مثل الموسيقى التصويرية أو المؤثرات الصوتية الأخرى، مما أضاف طبقات جديدة للتأثير العاطفي.
وأضاف “ثم بدأت تقنيات جديدة تظهر، كالتنقل بين اللقطات الكبيرة والصغيرة، والتقطيع الذي يربط بين المشاهد، وتدريجياً تراكمت هذه الأدوات، ومن هنا جاء دور الناقد في توضيح الاستخدامات الرمزية للمؤثرات، مثل الأصوات التي تعبر عن الصراع”، مشيراً إلى الفرق بين النقد العادي والنقد العميق الذي يكشف الدلالات الأعمق في العمل السينمائي.
ولفت إلى دهشته من عالم النقد السينمائي منذ أيام دراسته بالمعهد، قائلاً “بدأت أفهم أهمية النقد وكيف يُمكن أن يفسر عمق الفيلم ويوضح مواقفه، وبدأت أفرق بين المتفرج العادي الذي قد يعجب بالفيلم لأسباب سطحية، وبين الناقد الذي يسعى إلى تحليل العمل وتفسيره بعمق، فالناقد الجيد يُفصّل العمل، ويحلل مضمونه، ويفسر رؤيته، مما يُساعد على فهم الفيلم من زوايا مختلفة”.
وأشار إلى أن “بعض النقاد يبهرهم الأسلوب الفني لأفلام معينة، لكن هناك من يعارضهم ويرى أن النقد يجب أن يكون شاملاً لا يقتصر على جمال الصورة بل يشمل تفسيراً اجتماعياً وسياسياً، ومن هنا، بدأ النقد يتطور ليتوازن بين هذه الرؤى المختلفة”.
لحظات إبداعية
وقال إن السينما العربية قادرة على تقديم مشاهد وأداءات إبداعية تستحق المتابعة، رغم ما تواجهه من تحديات، وهذا ما يمنحها مكانة خاصة على الساحة الفنية.
وأوضح أن “هناك فارقاً بين المشاعر العادية والمركبة، إذ يمكن أن يُظهر الممثل الغضب بأسلوب بسيط أو بأداء أكثر تعقيداً، فيدمج الغضب مع الخوف، مما يضفي عمقاً على الشخصية، وهذا الأمر يظهر جلياً في الأفلام ذات الطابع السياسي التي تتطلب مشاعر مزدوجة”.
ولفت إلى “أداء نور الشريف، الذي كان يتقن دمج مشاعر معقدة كالغضب والخوف بنسب دقيقة، خاصةً في أفلامه التي تتناول قضايا اجتماعية وسياسية، كذلك كان عادل إمام يتمتع بقدرة فريدة على إيصال هذه التعقيدات بأداء بسيط وسلس، وعزت العلايلي، الذي أظهر تلقائية مذهلة في فيلم (الأرض)، حيث جمع مشاعر عديدة في مشهد واحد يظهر فيه الغضب والألم”.
ورأى أن “الفيلم الجيد هو الذي يلامس مشاعر المشاهدين بعمق، ويتميز بتكامل عناصره الفنية، مثل السيناريو، والإخراج، والأداء التمثيلي، والموسيقى، والإضاءة، وحركة الكاميرا”، مشدداً على أهمية التناغم بين هذه العناصر لدعم رسالة الفيلم.
ويعتقد أن “الفيلم الجيد يثير التساؤلات ويدفع المشاهد للتفكير بعد انتهائه، ويترك تأثيراً مستمراً في الذاكرة، سواء كان يحمل رسالة اجتماعية أو نفسية عميقة، أو حتى لو كان بسيطاً، لكنه يترك بصمة قوية”.
الرقابة على الأفلام
وشدد كمال رمزي، إلى أهمية وجود رقابة على الأفلام، شرط أن تكون عادلة ومتوازنة، كون السينما فن يحمل رسالة، متابعاً “يجب أن تكون هذه الرسالة مسؤولة ولا تحرض على الكراهية أو العنف الأعمى ضد الآخرين”.
وتابع “في العديد من الأعمال السينمائية، وخاصة أفلام الانتقام، نجد أن القصة تدور حول شخصية ضعيفة تتعرض للظلم أو الاعتداء من شخصية قوية، فتقرر الانتقام، وهذا النوع يستخدم أحياناً أساليب مبتذلة في طريقة الانتقام، مما قد يجعلها تفتقد العمق، وفي المقابل هناك أفلاماً من هذا النوع تثير جدلاً واسعاً، مثل فيلم فرنسي قديم يتناول قصة انتقامية أثارت جدلاً حول عرضها لأنها تحتوي على مشاهد عنيفة قاسية قد تكون مؤثرة على المشاهدين بشكل سلبي، وتم منعها في بعض الدول”.
استقلالية
وكشف عن رفضه العمل في وزارة الثقافة في بداية مسيرته العملية، وإخفاءه لاحقاً العمل في وزارة الشباب والرياضة، لمجرد الحفاظ على استقلاليته، قائلاً إنّ: “الأمر يتعلق برغبة عميقة في الحفاظ على حريتي في العمل، وعدم تقييد رؤيتي الفنية أو النقدية ضمن إطار حكومي محدد”.
وأشار إلى”الفرص المتاحة للشباب في القاهرة وتونس، قد تكون غالباً محدودة، خاصةً لمن يمتلكون مواهب فنية أو أدبية، وهؤلاء الشباب بحاجة إلى شخص يرشدهم، يدعمهم، ويُعزز مواهبهم، سواء كانوا يكتبون قصصاً قصيرة، أو شعراً، أو يعملون على مشاريع سينمائية، وكثيراً ما نرى مواهب جديدة تظهر وتحتاج إلى من يأخذ بيدها ويوجهها”.
وتابع “كنت أرى أن دوري يتعدى العمل الحكومي المحدود، فقد كان لي شغفاً في دعم الشباب المبدعين ومساعدتهم على النمو والتطور، وخاصة الفئات الصغيرة التي قد تكون في عمر 12 أو 13 عاماً، والآن بعد سنوات من العمل مع هؤلاء الشباب، أصبح بعضهم نجوماً في الساحة الفنية، وهذا يثبت أن الاستثمار في مواهبهم منذ سن مبكرة قد يؤتي ثماره في المستقبل”.