في اليوم الثاني لمؤتمر النقد.. ورش عمل واحتفاء بــ”بشارة” و”العريس”

 شهد اليوم الثاني من فعاليات مؤتمر النقد السينمائي، في نسخته الثانية، والمقام حالياً بمدينة الرياض، والممتد حتى يوم 10 نوفمبر الجاري، عدداً من الحوارات الثرية عن الصوت، والصمت، والنقد، والفيلم والنص، بحضور مجموعة كبيرة من النقاد الدوليين والعرب والسعوديين وصُنّاع السينما. 
وتضمن الجدول، ندوة ومناظرة تحت عنوان “لماذا لاتزال الأفلام الصامتة مهمة؟”، شارك فيها الناقدة السعودية مشاعل عبد الله، وjay weissberg، وaderinsola ajao، وأدارتها مارينا كوستوڤا، وذلك بخلاف ورشة عمل عن “فن الفرجة على الأفلام” تحدث فيها الناقد المصري رامي عبد الرازق.
ويأتي ذلك، بخلاف ماستر كلاس، عن “النقد بين السينما والأدب والفنون”، شارك فيها المؤرخ والناقد السينمائي إبراهيم العريس، وأدارها الناقد السعودي فراس الماضي، وندوة أخرى ضمن برنامج “صحبة النقاد”، عن العلاقة الملتبسة بين الناقد وصانع الفيلم، تحدث فيها المخرج المصري خيري بشارة، وأدارها المخرج السعودي وائل أبو منصور.
بصيص أمل
في البداية، تحدث الناقد إبراهيم العريس، خلال مشاركته في ماستر كلاس “النقد بين السينما والأدب والفنون”، إنّ: “حالة النقد السينمائي في العالم العربي ليست مرضية تماماً في الوقت الحالي، وهناك قلة من النقاد الحقيقيين، والنقد تحوّل في بعض الأحيان إلى مجرد آراء سطحية لا تستند إلى تحليل عميق، وهذا أمر محزن بالطبع؛ لأن النقد الحقيقي هو ما يثري الساحة السينمائية ويدفع صنّاع الأفلام إلى التطوير والتحسين”.
وأبدى تفاؤله بالمستقبل، على مستوى النقد، رغم الأوضاع الحالية، إذ يرى في “الأجيال الشابة من النقاد والمفكرين بصيص أمل ووعي سينمائي جديد، وأعتقد ظهور نقاد جدد يحملون أفكاراً ورؤى مميزة، ويستطيعون تقديم نقد سينمائ جاد وموضوعي، ولعل هذا هو ما تحتاجه السينما العربية اليوم، جيل جديد من النقاد المثقفين والواعين بأهمية السينما كفن مؤثر”.
 العريس وأكد أن “النقد السينمائي ليس مجالاً محصوراً لفئة معينة، بل هو حق مشروع لكل شخص يمتلك القدرة على الفهم والتحليل ويطمح للتعبير عن رأيه في هذا الفن”.
وأوضح أن “السينما ليست مجرد ترفيه، بل هي فن يحتاج إلى اهتمام أكبر من المفكرين والنقاد والمثقفين العرب”، داعياً  المهتمين بالفنون إلى دعم السينما، من خلال النقد الهادف والتحليل العميق الذي يعزز من فهم الجمهور ويساهم في تطوير هذه الصناعة.
وتابع “النقد السينمائي ليس وظيفة مجاملة أو تسويق، بل هو مهنة تقتضي الالتزام بموضوعية وشغف بفن السينما، ويجب أن يستند إلى ما يُعرض على الشاشة، وأن يُلقي الضوء على الجوانب الفنية والإبداعية، وكذلك على العيوب، لكي يكون حافزاً لصنّاع السينما لتحسين أعمالهم وتقديم محتوى يليق بالجمهور”، متابعاً “هذا المفهوم لا يُقدر في كثير من الأحيان من قبل البعض، ممن يعتبرون النقد تهديداً لهم بدلاً من كونه فرصة للتطوير”.
وأردف “أحياناً نجد أنفسنا نحن النقاد محاطين بتوقعات خاطئة من قبل صنّاع السينما، وكأننا مجرد أدوات للترويج لأفلامهم، وليس أصحاب مهنة تقوم على التحليل الموضوعي والرؤية النقدية، وكثيراً ما يشعر المخرجون أن مهمتنا هي الكتابة بإيجابية عن أي فيلم، مهما كانت جودته، مما يضعنا في مواقف محرجة ويقيد حريتنا في التعبير عن آرائنا الصادقة”، مؤكداً أن “النقد السينمائي بالنسبة لي ليس مجرد خدمة تُقدم لصناع الأفلام، بل هو عملية تهدف إلى توجيه المشاهد وتعميق فهمه للسينما، وهو أيضاً دعوة لصنّاع الأفلام أنفسهم للتطوير والتحسين”.

بين الماضي والحاض
وقال إن العصر الحالي، صارت هناك خيارات عديدة لمشاهدة الأفلام، لعل أبرزها المنصات الرقمية، إذ رأى أنها “تقدم تجارب فريدة ومختلفة عن العرض التقليدي، وعلينا الاستفادة نستفيد منها ونستوعبها كجزء من التحولات في صناعة السينما، بدلاً من انتقادها أو رفضها”.
وأضاف أن “تجربة عرض الأفلام في الماضي، كانت جماعية تُشاهد في صالات السينما، لكن حالياً تغيّرت الأمور، وأصبح بإمكاننا مشاهدة الفيلم عشرات المرات بفضل التكنولوجيا، في أي وقت وأي مكان حسب الرغبة، فهذا التحول ليس سلبياً، بل يوفر لنا حرية أكبر في الاختيار والتفاعل مع الأفلام وفق أذواقنا الشخصية”.
ورأى أن “السينما تطورت بشكلٍ كبير، ولم نعد مجبرين على مشاهدة الأفلام فقط عند عرضها الأول، بل يمكننا العودة إليها مراراً وتكراراً، مما يتيح لنا فرصة اكتشاف تفاصيل جديدة في كل مرة، وأجد في ذلك قيمة كبيرة، خاصة مع الأفلام التي تتسم بطول مدتها أو تعقيد سردها، إذ يمكننا مشاهدتها على عدة جلسات دون فقدان التجربة الكلية”.
وشدد على ضرورة “تقبل الوسائل الرقمية الجديدة، كونها جزءاً من التطور الطبيعي للسينما، كما أن المستقبل يحمل  المزيد من الابتكارات وطرق جديدة لمشاهدة الأفلام، لذا علينا أن نكون منفتحين ومتأملين لهذه التغيرات التي تحمل في طياتها فرصاً كبيرة، والاستفادة منها بشكلٍ إيجابي دون التنازل عن رؤيتنا الجمالية ورغباتنا الفنية في السينما”.
ثقافة شعبية
وأكد إبراهيم العريس، أن “السينما العربية حالياً بحاجة إلى تنوع في الأدوار والمواضيع، بما يعكس التركيبة الثرية للمجتمع العربي، الذي يضمّ جميع الفئات والطبقات والأقليات، وتكون قادرة على تقديم قصص وصور تجسد واقعهم وتخاطب اهتماماتهم، باعتبارها جزءاً من الثقافة الشعبية التي تسهم في تشكيل هوية الجمهور العربي.
واعتبر أن “للسينما دوراً اجتماعياً مهماً، إذ أن طبيعة استهلاك الناس للأفلام تتغير بتغير الثقافة والمجتمع وظروف التمدن الحديثة، لذا يجب على السينما العربية ضرورة تجاوز إعادة تكرار الماضي أو الاكتفاء برومانسية الحنين، وعليها النظر إلى المستقبل، وتقدم محتوى يتماشى مع واقع المجتمعات ويستجيب لتطلعات الحاضر والمستقبل”.
وقال العريس إنّ: “الجمهور العربي اليوم واعٍ ومدرك وقادر على اختيار ما يناسبه، سواء من الناحية الثقافية أو الفكرية، لذلك من الضروري تنوع الأعمال السينمائية”، موضحاً أن “السينما ليست مجرد صناعة تجارية، بل هي واجهة ثقافية يجب أن تكون عاكسة لواقع المجتمعات العربية بجميع تفاصيلها وتعقيداتها”.
محاولة للفهم
 فيما تحدث المخرج المصري خيري بشارة، خلال ندوته التي أدارها المخرج السعودي وائل أبو منصور، عن العلاقة الملتبسة بين الناقد وصانع الفيلم، قائلاً: “لم أتخيل أبداً أن الأفلام التي أصنعها ستثير هذا القدر من الجدل أو تكون محط نقاش كبير بين الجمهور والنقاد”.
وأوضح “عندما أعمل على فيلم، فإنني أركز على رؤيتي الخاصة دون التفكير في ردود فعل الآخرين”، لافتاً إلى إن “استقبال الفيلم، سواء من قبل النقاد أو الجمهور، يرتبط دائماً بالسياق الزمني والثقافي الذي يُعرض فيه، فقد يكون الفيلم غير مقبول أو محبوب في فترة معينة، لكن مع مرور الوقت وإعادة التقييم، يصبح مصدر إلهام لأجيال جديدة من المخرجين، وهذا شيء يحدث بشكل مستمر”.
وتابع أن “هناك أفلاماً أثارت حفيظة النقاد وقت عرضها، واعتبروها تقليدية أو غير مبتكرة، لكنني كنت واثقاً من أن الزمن سيكشف عن قيمتها الحقيقية، وفعلاً هذا ما حدث. ففي بداية عام 2023، رأيت جمهوراً كبيراً في عروض الأفلام بسينما زاوية يعود لمشاهدة هذه الأعمال بحماس كبير، وهذا يؤكد لي أن التقييم الحقيقي للأفلام يظهر مع مرور الوقت وتغير الأجيال”.
ورأى أن “النقد ليس مجرد عملية تقييم صارمة للعمل، بل هو محاولة لفهمه وتحليله، ويخلق مساحة للحوار والتحليل، وهذا يُثري المشهد الثقافي”، مشيراً إلى مقولة الدكتور علي الراعي في كتابه “مسرحيات ومسرحيون”، “دور الناقد ليس الحكم على العمل كمدرس، بل محاولة اكتشافه وفهمه، بغض النظر عن توافقه الشخصي مع العمل”.
ولفت إلى تقديره الكبير للنقد، مهما بلغت درجة الاستقزاز، كونه يعبر عن وجهة نظر معينة، وقد يفتح آفاقاً جديدة لفهم العمل، موضحاً أن “الناقد أحمد الحضري كتب مقالاً ذات مرة عن أحد أفلامي وكان معارضاً بشدة، وهاجمني بشكلٍ كبير، لكنه قدم تحليلاً عميقاً رغم أنه كان صادماً لي في حينه، ومع مرور الوقت، أدركت أن حتى هذه الانتقادات كان لها أثراً إيجابياً وساعدتني على فهم ردود الفعل المختلفة تجاه أعمالي”.
ورأى أن “المشهد النقدي حالياً نابضاً بالحياة، ويمتاز بوعي لم يكن موجوداً بوضوح في زمني، فلدينا الآن عدداً من الأشخاص غير المحترفين في مجال النقد، ومع ذلك يكتبوا قراءاتهم بأسلوب يذهلني”، متابعاً “ما يدهشني اليوم، هو الوعي النقدي العميق، والذي لم يكن شائعاً في الماضي بهذا الشكل، مما يجعلني أشعر بالتقدير لهذا الجيل الجديد من محبي السينما والمبدعين”.

رؤى خاصة
وقال إن: “الثقافة السائدة بين جيلنا، كانت تحمل سمات متشابهة إلى حد كبير، وكان من الطبيعي أن يسعى كل مخرج لتجسيد رؤيته الخاصة في أفلامه، وكان هذا الجيل مصراً على تقديم أفلامه بالطريقة التي يراها مناسبة، ويصارع لتحقيق رؤيته دون التنازل عنها، والحقيقة أن هذا الصراع لم يكن صعباً جداً حينها”.
وأضاف بشارة: “كان هناك إصراراً وإرادة قوية لتحقيق أعمال تعكس وجهة نظرنا الشخصية، ورغم وجود الضغوط التقليدية، كنا مصممين على صنع الأفلام وفق رؤيتنا الخاصة، وكأننا نعمل لحسابنا الشخصي وليس لصالح منتجين أو ممثلين”.
وأكد أنه رغم حبه الشديد للسينما والفن بشكلٍ عام، إلا أن حياته ليست مقتصرة عليها فقط، قائلاً: “أحب السينما وصناعة الأفلام وأستمتع بسماع الآراء حولها، لكن حياتي ليست محصورة في هذا المجال فقط، فأنا شخص عادي وأعيش حياة بسيطة”.
الذكاء الاصطناعي
وتحدث خيري بشارة، خلال الندوة، عن مدى انبهاره الشديد بالذكاء الاصطناعي، حيث يُكرس غالبية وقته حالياً في دراسة هذه التقنية الجديدة، كونه يميل إلى مواكبة التطور التكنولوجي طوال الوقت، دون الاهتمام بإلى أي نقطة ستصل به هذه التكنولوجيا في النهاية.
وشدد على رغبته في التجريب والتعليم، إذ حرص على استخدام الذكاء الاصطناعي مؤخراً في بعض الصور الخاصة به بين الماضي والحاضر، قائلاً: “أصبت بحالة انبهار من النتائج”.
ورأى أن هذه التكنولوجيا الجديدة، ستُحدث نقلة كبيرة في صناعة السينما خلال السنوات القليلة المقبلة.
واختتم بشارة حديثه، بالكشف عن مشروعه السينمائي الجديد، الذي سيشارك فيه كممثل، ويعمل على تحضيره حالياً، وهو فيلم يحمل اسماً مبدئياً “يوميات مراهق في السبعين”، وسيتولى إخراجه المنتج صفي الدين محمود، في أولى تجاربه الإخراجية، إذ تحمس لخوض التجربة من خلال هذا العمل، الذي ستصل مدته إلى 40 دقيقة تقريباً.
وأكد أن “هذا الفيلم سيُحقق حلمي المؤجل منذ سنوات طويلة، باحتراف التمثيل والتواجد في أدوار تمثيلية ذات مساحة كبيرة”.