السياسي والاقتصادي علي عسكوري لـ”الكرامة”: “الأمريكان عايزين الميليشيا تقعد مسمار جحا في البلد”

ربما وضعتهم الأقدار في قلب النيران، أو جعلتهم يبتعدون عنها بأجسادهم بعد اندلاع الحرب، ولكنّ قلوبهم وعقولهم ظلت معلقةً بالوطن ومسار المعركة الميدانية، يقاتلون أو يفكرون ويخططون ويبدعون مساندين للقوات المسلحة. ووسط كل هذا اللهيب والدمار والمصير المجهول لبلاد أحرقها التآمر، التقيتهم بمرارات الحزن والوجع والقلق على وطن يخافون أن يضيع.

ثقتي في أُسطورة الإنسان السوداني الذي واجه الظروف في أعتى درجات قسوتها جعلني استمع لحكاياتهم مع يوميات الحرب وطريقة تعاملهم مع تفاصيل اندلاعها منذ البداية، حيث كان التداعي معهم في هذه المساحة التي تتفقد أحوال نجوم في “السياسة، والفن، والأدب والرياضة”، فكانت حصيلةً من الاعترافات بين الأمل والرجاء ومحاولات الإبحار في دروبٍ ومساراتٍ جديدة. وضيف مساحتنا لهذا اليوم هو السياسي والاقتصادي علي عسكوري، فكيف عبرّ عن حكايته مع الحرب:

*أول يوم الحرب أين كنت؟

كنتُ في منزلي بالخرطوم 3 بالقرب من ميدان عبد المنعم جوار نادي الأُسرة.

*لحظة اندلاع الحرب؟

كنت نائمًا وأيقظني ابني وهو يصرخ و”افتكرتو” بتكلم عن حرب أوكرانيا”.

*ثم ماذا؟”

فتحت الشباك ورأيتُ دخان كثيف من أماكن متعددة.

*لحظتها ماذا كان شعورك؟

ما صدقت قلت يمكن “انقلاب يوم يومين وينتهي”.

*ما هو أول شيء تبادر إلى ذهنك في تلك اللحظات؟

لم يكن هنالك خوف وتوقعت أن تنتهي خلال اليوم.

*كيف مر اليوم الأول؟

“بعد شوية من القصة قامت الكهرباء قطعت ومعاها المياه والدنيا رمضان وفي حر ما طبيعي” والتدوين والأزيز كان بالقرب منا.

*تفكيرك توقف؟

خالص.. (ما عرفنا نعمل شنو والبيت حتى لم يكن فيه طعام ومواد استهلاكية بالقدر الكافي لأنني أصلًا أتسوق يوم السبت).

*كم مكثت في منزلك؟

من السبت وحتى الأربعاء.

*ما الذي دفعك لاتخاذ قرار المغادرة؟

لم أكن أنوي الخروج ولكن اشتد الضرب ولم يعد هنالك طعام ومياه مع ضغوطات من الأُسرة، أضف عليها القصف الذي تسبب في تدمير عربتي التي كانت تقف أمام المنزل وأذكر أنّ هنالك جارٌ لنا خلال الأيام الأولى كان يذهب لسوق “أبو حمامة” ويحضر لنا الثلج، و”دي خففت علينا الأيام الأولى”، وإبني كان يأخذُ جوالاتنا ويشحنها في جامع عبد المنعم بالقرب منا.

*أين كانت الوجهة بعد نمرة 3؟

في الثورة أم درمان وكان قرارًا صعبًا جدا لأنني كنت أخشى من التدوين المستمر.

*الرحلة من الخرطوم 3 للثورة؟

كانت محفوفةً بالمخاطر، خرجنا بشارع مطبعة العملة والشارع “كان فاضي” حتى شارع الغابة ووصلنا إليها بسرعة شديدة وحينما خرجنا من شارع الغابة وتحديدًا بالقرب من الاستراتيجية تم اعتراضنا من ارتكاز جيش وكان هنالك ضرب شديد ورأينا بأعيننا “تاتشرات” محروقة وجثث محروقة وأطراف المباني مشتعلة، المهم اعترضنا عسكري وعمر سلاحه صوبنا.

*واصل؟

شعور بالخوف ثم تفقد هويتنا وجاءنا ضابط برتبة نقيب زعلان جدًا وقال لي (أنت مجنون تطلع في وقت زي دا) ورددت عليه بأننا أمضينا أربعة أيام في منطقتنا وبعد ذلك صرف العسكري وعبرنا الكبري وفيه وجدنا من البشر الراجلين عددا ضخما وآثار المعاناة والإرهاق بائنة عليهم.

*بعد ان عبرت كوبري الفتيحاب؟

تم إيقافنا من ارتكاز يتبع للجيش والعسكري تفقد هويتنا وعرف بشخصيتي وقال لي (يا زول إنت مجنون الناس ديل بفتشوا ليكم باعتبارك واحد من المستهدفين)، ثمّ خرجنا وذهبنا إلى منطقة سراج وصولًا للثورة.

*إحساس الحرب؟

حاجة تفوق الخيال لما تكتشف فجأةً إنك في منطقة عمليات.

*كم مكثت في أم درمان؟

حوالي شهر ونصف الشهر كانت آمنةً رغم سماعنا لأصوات الطائرات ورؤيتها، وكذلك رأينا المنهوبات من سوق أم درمان والشعبي حينما جاءت عابرةً بالثورات.

*في ذلك الوقت ماذا قلت في سرك؟

قلت البلد مشكلتها ما بتتحلّ وقررت المغادرة.

*وأين كانت الوجهة؟

الدامر.. وللذهاب إليها اشترينا 4 جالون من السوق الأسود سعر الجالون عشرين ألف جنيه.

*الحرب طالت؟

هذه حرب مدن وقوة التمرد كانت ضخمة والمؤامرة كانت كبيرةً جدًا.

*الساعات التي سبقت الحرب هل كانت هنالك مؤشرات لقيامها؟

يوم الجمعة مساءا لبيت دعوة الفريق أول كباشي التي كانت محضورةً وكان الرئيس موجودًا ولم تكن هنالك أي مؤشراتٍ تنبئ بحدوث كارثة.

*لكن كان هنالك احتقان حتى تحركت (الكتلة الديمقراطية) التي كنت تنتمي إليها في وساطات؟

لم أكن جزءًا من الوساطات ولكن قطعًا كان هنالك إرهاصات بأزمة ولكن مهما بلغ الأمر لم نكن نتصور بأن تصل لمرحلة الحرب، واعتقد بأنّ هنالك أيادٍ خارجية متورطة.

*مجموعة المركزي؟

لعبت دورًا كبيرًا جدا في دفع الميليشيا للحرب، حيث زينوا لحميدتي الباطل وكانوا مرتبين مع الميليشيا وسمعنا أحد قيادات المجلس المركزي قال: “بإنو بعد يوم 11 ما في زول حيكون حايم”.

*من تقصد؟

جعفر سفارات وقالها في مقطع فيديو منتشر قبل الحرب بأيام.

*ما مصير مجموعة المركزي أو تقدم حاليًا؟

انتحروا حينما وقعوا مع الميليشيا وتم فضح أمرهم بأنّهم الظهير السياسي للتمرد، مشكلتهم الآن مع الشعب لأنّهم يقفون مع جهة اغتصبت ونهبت.

*بعد مرور عام من الحرب؟

الآن في قمة التفاؤل ومقتنع تمامًا بأنّ القوات المسلحة ستنتصر ونحن على مشارف انتصار كبير جدًا، ولذلك الآن الأمريكان يلهثون خلف الحكومة لأنّهم لا يريدون انتصارًا ساحقًا للجيش و”عايزين الميليشيا تقعد مسمار جحا في البلد” وهذا يتضارب مع الموقف الشعبي العام.

*الناس فقدت الثقة في السياسيين ألا توافقني؟

أوافقك تمامًا.. وقضية الحرب نتيجة طبيعية لفشل القوى السياسية وصراعاتها خلال الفترة الانتقالية، وبالتالي على القوى السياسية ترتيب وتوفيق أوضاعها.

اقرأ أيضا