مع جيش الوطن في يوم عيده
* الحرب المجنونة التي أشعلتها مليشيات آل دقلو المجرمة في الخامس عشر من أبريل 2023 لم تكن معزولةً عن الصراع المحتدم الذي يدور في منطقة الشرق الأوسط منذ عشرات السنوات، والعقوبات التي أوقعتها الإدارة الأمريكية على بعض الشخصيات السودانية في الحرب الحالية تقف دليلاً على أن ما حدث ويحدث في السودان مرتبط بقوة بما حدث ويحدث في غزة وإسرائيل، لأن اللوبي الصهيونى الغربي يعتبر أن ما تقاسيه دولة الكيان الصهيوني من ضربات قاسية وهزائم مريرة على يد أبطال المقاومة الفلسطينية (كتائب الأقصى والقسام) حدث بسبب الدعم الكبير الذي تلقته منظمة حماس من السودان وإيران تحديداً.
* شملت العقوبات التي أوقعتها وزارة الخزانة الأمريكية عدة شخصياتٍ تنتمي إلى الحركة الإسلامية، مع أن تلك الشخصيات لم يكن لها أي دور أو علاقة بالحرب الحالية، ومنها محمد عطا المدير الأسبق لجهاز الأمن، وخلفه وسلفه صلاح قوش، وهما بعيدان تماماً عن أجواء الحرب الحالية؛ لكنهما وبحسب تقديرات ومعلومات اللوبي الصهيوني في أمريكا لعبا دوراً كبيراً في تقوية المقاومة الفلسطينية، وتزويد حماس بالأسلحة والذخائر، وتدريب كوادرها على صنع الأسلحة والصورايخ التي أذاقت إسرائيل الأمرين.
* كذلك شملت العقوبات رجل الأعمال الشهير عبد الباسط حمزة، وهو إسلامي يقيم خارج السودان وبعيد عن أجواء الحرب، لكنه متهم عند اللوبي الصهيوني الأمريكي بالمساعدة على تمويل حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية وتحويل الأموال إليها.
* استهداف وتدمير منظومة الصناعات الحربية السودانية كان من الأهداف الرئيسية للحرب الحالية، ولاحظنا أن متمردي الدعم السريع (الذين ينفذون مخططات وأوامر الكفلاء وسادتهم) حرصوا على احتلال مقار التصنيع الحربي منذ الأيام الأولى للحرب، فهاجموا رئاسة المنظومة في الباقير صبيحة يوم 15 أبريل 2023، واحتلوا مقر التصنيع الحربي بكافوري في اليوم نفسه، ثم احتلوا مصانع ومخازن المنظومة في منطقة قرِّي (شمال مصفاة الجيلي) بعد ذلك بعدة أيام، قبل أن يستهدفوا ويحتلوا مصنع اليرموك في جنوب الخرطوم لاحقاً.
* معلوم للكافة أن السودان امتلك خلال العقدين الماضيين منظومة صناعات دفاعية في غاية التطور، أصبحت تنتج معظم احتياجات الجيش السوداني من الأسلحة والذخائر، بدءاً من رصاصة المسدس ومروراً بذخائر الأسلحة الرشاشة والمدفعية الثقيلة، وإنتهاءً بقذائف الدبابات وصواريخ الطائرات، كما بات السودان قادراً على تصنيع الدبابات والمدرعات والعربات المصفحة والمدفعية (العادية وذاتية الحركة)، كذلك نجحت منظومة الصناعات الدفاعية في إنتاج عدة أنواع من المروحيات والمسيرات المتطورة والزوارق الحربية.
* إذا أضفنا بسالة وشجاعة وإقدام الجندي السوداني لكل ما سبق سنعرف سبب استهداف السودان ممثلاً في جيشه وشعبه بواحدة من أقذر الحروب في التاريخ الحديث، حرب استهدفت ابتلاع السودان وتهجير شعبه ونهب موارده وتفكيك جيشه وتدمير صناعاته الحربية.
* من أشرفوا على تخطيط وتنفيذ تلك المؤامرة الشيطانيّة لم يضعوا في حساباتهم أنهم سيواجهون الشعب الحُر (أب لحماً مُر)، وجيشه الصنديد الذي لم يعرف الانكسار ولا الهزيمة في تاريخه كله.
* شعبٌ كالذهب، لم تزده نيران الحرب وويلاتها إلا توهجاً والتفافاً حول جيشه ودعماً له، يهتف من أعماقه كلما رأى ضابطاً أو جندياً (جيشٌ واحد شعبٌ واحد)، ويتسابق في دعم القوات المسلحة وبقية القوات النظامية بكل ما يملك، حتى بعد أن فقد معظم ما يملك.
* لم ينخدع الشعب السوداني بالحملات المنظمة التي استهدفت تشويه سمعة الجيش والحط من قدره ودق أسفين بينه والشعب (جيش الكيزان.. معليش ما عندنا جيش.. الجيش جيش البرهان)، لأنه يعلم يقيناً أنه يمتلك جيشاً يكيل العين، ولم تفلح مساعي شيطنة وتخوين وتصنيف القوات المسلحة في نزعها من حضن شعبها، لأن الشعب يعلم أن ذلك الجيش يمثل أكبر وأعرق مؤسسة في الدولة السودانية الحديثة، وأن تكوينه (باسم قوة دفاع السودان) تم في العام 1925، ووقتها لم تكن هناك أحزاباً سياسيةً كي يدين لها الجيش بالولاء، وأن الجيش السوداني لم ينقلب (كجيش) على أي سلطة مدنية منتخبة، لأن كل الانقلابات العسكرية التي تمت في السودان كانت من تخطيط وتدبير أحزاب سياسية تآمرت لانتزاع الحكم، بعد أن زرعت عناصر موالية لها داخل المؤسسة العسكرية.
* ظل الجيش عصياً على التسييس، فلم يصبح (جيش شيوعيين وقوميين عرب) حتى عندما نجح الفصيلان المذكوران في الاستيلاء على الحكم في مايو 1969، وحكمت مايو السودان ستة عشر عاماً وذهبت إلى مزبلة التاريخ، وبقي الجيش قومياً وعصياً على التسييس.
* تكرر الأمر بواسطة الحركة الإسلامية التي انتزعت الحكم بانقلاب عسكري في 30 يونيو 1989، بعد أن زرعت بعض كوادرها في الجيش، وعندما تنازع زعيمها مع الرئيس السابق في المفاصلة الشهيرة وقف الجيش مع قائده، ورمى بزعيم التنظيم في السجن، ثم سقطت الإنقاذ بثورة انحاز فيها الجيش لشعبه.
* مؤخراً حاولت مليشيات آل دقلو أن تبتلع الدولة السودانية وتقضي على الجيش وتفككه، لكن غيرها كان أشطر، إذ نجح جيشنا الباسل في التصدي للمخطط الشيطاني الذي تمتع بدعمٍ مهول من قوى إقليمية ودولية متآمرة، وفرت للمليشيات إمكانات مهولة، وظلت تمدها بالسلاح المتطور والعتاد الحربي وجيشت لها المرتزقة من كل مكان، لكنه لم تفلح في كسر عزيمة أبطال الجيش الذين تصدوا لذلك المخطط الآثم وأفشلوه، بعد أن رووا أرضنا الأبية بدمائهم الطاهرة، وقدموا أكبر التضحيات وأروعها كي تظل هذه البلاد حرةً أبيةً مستقلةً وعصيةً على الترويض.
* لذلك كله نحتفل اليوم مع قادة وفرسان جيشنا الباسل بعيدهم السبعين.. نحتفل بكل المحبة مع جيش، زاده الفخر، وشعاره البطولة.. نحتفل بكل التقدير والوفاء مع الشجعان الأماجد الذين حملوا الوطن الحبيب في الحنايا، وفدوه وحموه بالدماء والمهج والأرواح.
* نحتفل مع ضباطنا الفرسان وجنودنا الأبطال ونشد من أزرهم وهم يحتضنون سلاحهم ويلازمون خنادقهم، ويتمتعون بدعم وإسناد مواطنيهم من أبطال المقاومة الشعبية الذين تطوعوا للقتال معهم كتفاً بكتف (طلقة طلقة ودانة دانة).. ليشكلوا جيشاً احتياطياً لأعظم جيش.
* الجيش جيش السودان، شعاره (الله.. الوطن)، وولاؤه لله والوطن والشعب، لا لحزبٍ ولا لطائفةٍ ولا لقبيلة.. تنظر إليه فترى السودان كله بمختلف سحناته وقبائله واتجاهاته ومشاربه، لا يعرف القبلية ولا يخضع للتسييس، ولا يقبل الاحتكار، إن قاده البرهان اليوم فإنه لن يُخلّد في القيادة، وسيترجل آجلاً أو عاجلاً مثلما ترجل الفريق أحمد محمد حمد رحمة الله عليه (أول قائد سوداني للجيش)، لأن هذا الجيش العظيم لا يتبع لأسرة، ولا يدين بالولاء لفرد (مثلما تفعل مليشيات آل دقلو المتمردة).
* التحايا والتهاني نزجيها من قلوب مُحِبة لكل جنود وجنود صف وضباط قواتنا المسلحة، ونثق في أن جيشنا الباسل سينتصر على قوى البغي والعدوان، وأننا سنحتفل معه بالنصر المؤزر قريباً بحول الله.. الله أكبر والتحية والمجد والنصر لجيش السودان الباسل، والرحمة والخلود لشهدائه الأبرار، ولا نامت أعين المليشيات وداعميها الأوغاد.