شرقاً باتجاه الغرب..!

“إن قضية الموت ليست على الإطلاق قضية الميت، إنها قضية الباقين المنتظرين بمرارة دورهم لكى يكونوا درساً صغيراً للعيون الحيّة”.. غسان كنفاني..!

إذا كنت مسئولاً إدارياً ذو صلة بإحدى المستشفيات، ودخلت على مديرك فوجدته منتفشاً كمصيبةٍ في أطوارها الأولى ومشرئباً بانتظار أن تجد حلاً لمشكلة” تأخير مواعيد العمليات”، فما الذي ستقوم بفعله يا ترى..!

سوف تُعمل عقلك للخروج بحل يرضي جميع الأطراف – مديرك والأطباء المختصين، والمرضى المسجلين في قوائم الانتظار، وزوجتك التي تترقب نزول الحافز لشراء خاتم البوبار مخروطي الشكل إياه..!

لماذا تتاخر مواعيد العمليات؟. لأن المريض بعد خروجه من غرفة العمليات يتم وضعه في غرفة العناية الوسيطة التي يتأخر مكوثه فيها، وتبعاً لذلك يتأخر دخول المريض التالي إلي غرفة العمليات التي يشترط لدخولها خلو السرير الخاص به في غرفة العناية الوسيطة..!

أعملتم عقولكم أكثر – أنت وفريق العمل – فوجدتم أن المريض يتأخر في غرفة العناية الوسيطة لأسباب طبية وغير طبية، لكن بعملية حفر أكثر عمقاً وجدتم أن الأسباب الطبية هي الأرجح “الأسباب القلبية، الحمى، النزيف، الألم” .. إلخ..!

مع الحفر للأعمق أكثر وجدتم أن السبب الأكثر شيوعاً هو استمرار شعور المريض بالألم، فانتقلتم إلى السؤال التالي عن سبب استمرار ذلك الألم. هل السبب هو عدم إعطاء المريض دواءاً مسكناً أم أن السبب هو عدم استجابته للدواء المسكن..!

بعد ساعات من التحقيق المستمر توصل فريقك إلى أن المريض لا يستجيب للدواء المسكن، فانبثق السؤال “لماذا لا يستجيب”، فكانت الإجابة “لأن الطبيب لا يقوم بوصف الجرعة المناسبة”..!

لماذا لا يقوم الطبيب بوصف الجرعة المناسبة للمريض؟. لأنه يقوم بتجاهل شكوى المريض من استمرار الألم بسبب عدم كفاية جرعة المسكن..!

إذن، الحل ببساطة هو صدور قرار إداري صارم بمنع تجاهل الأطباء لشكوى المرضى من عدم كفاية جرعات المسكنات في غرف العناية الوسيطة، حتى تنتظم مواعيد خروجهم منها..!

وبالتالي لن تتأخر مواعيد دخول غيرهم  إلى غرف العمليات، ولن يتأخر شعور مديرك بالرضا عنك، ولن يتأخر موعد استلامك للحافز، ولن تتأخر زوجتك في اقتناء خاتم البوبار مخروطي الشكل إياه، ولن يتأخر شعور صاحباتها بالغيظ من استمرارك أنت في تدليلها..!

صحيفة الشرق الأوسط قالت في عددها الصادر يوم أمس إن “مدينة جدة سوف تشهد مباحثات سودانية أميركية للتشاور بشأن مشاركة الجيش في مفاوضات جنيف بسويسرا”، وفقاً للمبادرة أميركية الرامية لوقف الحرب..!

وهذا يعني أن قيادة الجيش قد توصلت أخيراً – وبعد شهور طويلة من الحديث عن الحفر بالإبرة – إلي اعتماد أحدث طرق إدارة الأزمات، من خلال تطبيق نظرية تحليل جذر المشكلة، باستخدام تكنيك الحفر للأعمق باتجاه أصل العقدة..!

ليس أمضى ولا أجدى من مواجهة الأصل ومن العمل على تعديل المتن، عوضاً عن تبديد الوقت والجهد في منازلة الصور ومجادلة الحواشي. أليس كذلك!.

munaabuzaid2@gmail.com

اقرأ أيضا